والتداول مازال مستمراً في أورقة وزارة المالية حول الاستراتيجية المرحلية لتخفيف حدة الفقر في هذا البلد الأمين، ويقول العالمون ببواطن الأمور ان الاستراتيجية المرحلية لتخفيف حدة الفقر بعد أن تكتمل في صورتها النهائية بعد التشاور مع الولايات ومنظمات المجتمع المدني سوف تعرض على المجلس الوطني لإجازتها. ووزارة المالية تجري اللقاءات مع العديد من "المانحين" وعلى رأسهم بالطبع البنك الدولي وبنك التنمية الإفريقي والصندوق الكويتي والصندوق الدولي للتنمية الزراعية ومجموعة دول الاتحاد الأوربي وكذلك أمريكا للمساعدة والمساهمة في ومع عجلة الاقتصاد السوداني الذي يعاني كثيراً هذا العام وربما الأعوام القادمة جراء "رحيل" البترول جنوباً والنفط كان يمثل المرتكز الأول للنقد الأجنبي في السنوات العشر الأخيرة. ويبدو أن صيحات وزير الخارجية السوداني علي كرتي لن تذهب أدراج الرياح وهو يطالب دول العالم وأمريكا أن لا تنفرج على السودان وهو يعاني أزمة اقتصادية طاحنة بعد انفصال جنوب السودان. ومازلنا نذكر جولات وزير المالية علي محمود التي شملت معظم دول الخليج العربي طالب العون والمساعدة والقروض التى تعين السودان في الخروج من أزمته الاقتصادية التى ظهرت بعد أن فقدنا البترول. وأزمة السودان الاقتصادية تزداد يوماً بعد يوم خاصة بعد الأخبار التى تناقلتها صحف الأمس والتى تقول إن دولة الجنوب قد قررت وقف ضخ البترول عبر الأنابيب السودانية وتوقفت عن استخراج البترول ربما نتيجة لتعثر مفاوضات القضايا العالقة وعلى رأسها تعريفة نقل البترول عبر خطوط الأنابيب السودانية إلى ميناء بورتسودان، وإذا لم يتدخل الوسطاء للتوسط بوضع حلول لهذه الأزمات والقضايا العالقة بين الدولتين فإن توقف ضخ البترول سوف يلحق الخسائر بالدولتين وتزداد أزمة شمال السودان ولهذا نأمل ونتطلع أن يسود صوت العقل وتعلو الحكمة وينشط الوسطاء للحيلولة دون تنفيذ هذا القرار الجنوبي الضار بالاقتصاد في الدولتين وكما نتطلع أن تقوم الآلية الإفريقية بدورها كاملاً في تقريب وجهات النظر وإزالة الخلافات بين الدولتين حتى تعود الأمور إلى مجراها الحقيقي وتسود الثقة وينمو ويزدهر الاقتصاد في الدولتين. ورجوعاً للسياسات التي تحاول وزارة المالية ان تتبعها لتحقيق حدة الفقر في السودان فإننا نقول ونكتب وكتبنا من قبل أن هذه المعالجات تعتبر في نظرنا مسكنات فقط دون النظر إلى الحلول الجذرية. ومن عجب أن وزير المالية الحالي كان قد نبه وبطريقة مخيفة عن مآلات الوضع الاقتصادي في السودان حتى قبل أن ينفصل الجنوب ونفقد 70% من حصتنا البترولية ولازلنا نذكر تصريحاته التي تنادي بشد الأحزمة على البطون والرجوع إلى الكسرة ولعل وزير المالية لا يعلم أن جوال القمح أصبح أقل سعراً بكثير جداً من جوال الذرة الذي ارتفعت قيمته كثيراً الأمر الذي يجعل من الرجوع إلى "الكسرة" مجازفة كبرى لا يستطيع الاقتراب منها إلا القادرون والمقتدرون والأثرياء الأمر يجعلنا نشعر أن وزير المالية في وادٍ والواقع السوداني في وادٍ آخر ولك أن تعرف عزيزي القارئ أن كسرة بجنيه قد لا تشبع شخصاً واحداً في الوقت الذي يكفي الجنيه ثلاث أشخاص من الرغيف في هذا الزمن الرديء. وحديث وزير المالية عن إعداد وثيقة الفقر يضحكنا كثيراً كثيراً وهو يعكف هذه الأيام على إعدادها والتشاور حولها وهو الذي بشرنا بل هددنا وحذرنا قبل أكثر من عام بأن السودان سوف يمر بسنوات عجاف فلماذا تأخر في إعداد وثيقة حدة تخفيف الفقر كل هذه الشهور وهو يعلم علم اليقين قبل غيره بحجم الكارثة التي سوف يعاني منها السودان. ولم يكن وزير المالية وحده الذي يعلم بحجم الكارثة الاقتصادية التى سوف تضرب السودان ولكن حتى محافظ بنك السودان الذي كان يجلس على مقعد النقد الأجنبي ورسم السياسات الاقتصادية مدة قاربت العقدين ولم يتحوط لهذه الكارثة ولكنه آثر الهروب من السفينة الغارقة ربما قبل أشهر قليلة من انفصال الجنوب. نحن لا نبكي على اللبن المسكوب ولكننا نقول ونتساءل ببراءة الأطفال عن التحوطات التى قام بها وزير المالية ومحافظ بنك السودان حتى لا ينهار الاقتصاد السوداني وهم يعلمون علم اليقين أن 70% من مواردنا النفطية سوف تغادر بعد انفصال الجنوب وما هي البدائل والتدابير والتحوطات التى اتخذتها وزارة المالية وبنك السودان قبل أن تقع الفاس على الرأس كما يقولون، بل ونتساءل أيضاً وفي إلحاح ماهي التدابير والسياسات التى وضعتها وزارة المالية لإيقاف هذا التدهور الاقتصادي المريع. ونتساءل عن دور الدول الصديقة والشقيقة والسودان يمر بهذا المنعطف الهام من تاريخه بل وأين الصين تحديداً وهي التى استفادت من خيرات وبترول هذا البلد وتمددت كما لم تتمدد من قبل في هذا الوطن الذي كان حدادي مدادي؟ هل آثرت أن تميل جنوباً حيث مصالحها وبترولها وآبارها وأدارت ظهرها تماماً للسودان الذي قدمها ربما لأول مرة إلى قارة إفريقيا؟ وما هو دور الدول الصديقة الجديدة مثل ماليزيا وغيرها من الدول التى تربطنا بها علاقات وطيدة وظلت جحافلنا تشد الرحال إليها دائماً وأبداً. ما هو دور هذه الدول الشقيقة ونعني بها الدول العربية التى يحتاج إليها السودان في هذا الوقت أكثر من أي زمان مضى. ونحن نكتب وكتبنا دائماً أن لا "حك جلدك مثل ظفرك" وطالبنا بالاعتماد على أنفسنا وكتبنا أن لا سبيل لهذا الوطن غير الزراعة التى أصابها الدمار الشامل جراء السياسات التدميرية السابقة التى جعلت كل مشاريعنا الكبيرة أثراً بعد عين. لا بديل ولا خارطة طريق لتخفيف حدة الفقر غير الزراعة التى نجيدها وكنا نعتمد عليها اعتماداً كلياً قبل ظهور البترول الكارثة، والنفط هو الذي جعلنا لا نفكر إلا فيه فقط. والزراعة التى نعني هي الزراعة القديمة حتى تعود سيرتها الأولى بعيداً عن النهضة الزراعية ذلك الجسم الجديد الذي لا يعرف من أين يبدأ، ونحن وبعد فشل تجربة النهضة أو النفرة الخضراء نطالب بالتخلص من هذا الجسم الوافد الجديد على الزراعة حتى تعود الزراعة "سيرتها الأولى" عندما كنا نعتمد عليها اعتماداً كلياً في جلب الموارد من العملات الصعبة، ولتبدأ وزارة المالية من هذا الموسم في ترتيب أوراقها لتطوير الزراعة وتنفض الغبار عن المشاريع الزراعية الكبرى وساعتها لن نحتاج ولن نفكر في تخفيف حدة الفقر في بلد ينظر إليه كسلة غذاء العالم.