طول الغياب أعطى للعودة طعماً فريداً. طول الطريق وأنا أفعم نفسي وأشحن قلبي بمشاعر عميقة وأستعيد ذكريات ضاربة في أعماق تاريخي. عام كامل، أو يزيد قليلاً، كان لابدَّ له أن يكون كما قدر الله له أن يكون. نحن شعب مجبول على العاطفة وإيجابياتها وسلبياتها وكثيراً ما تتشابك خيوطنا وتتقاطع خطوطنا وتختلط دموعنا بقدر لا نستطيع معه أن نستبين إن كانت تلك الدموع دموع حزن أو فرح.. أو كانت دموع تماسيح لا تعبِّر إلا عن زيف ظاهر ومستتر ليس إلا. وأنت بين أهلك وعشيرتك طولاً وعرضاً، وارتفاعاً وانخفاضاً تكون حديثاً للمجالس وبخاصة إن كنت رمزاً لامعاً أو نجماً ساطعاً وحالما تغيب ينحسر الحديث وينزوي حتى ما إذا أطلت الغياب، كما في حالتي، سطع نجمك من جديد وغطى أجواء المجالس والزوايا، المضيئة منها والمظلمة، ونشط نجوم التحليل والتخريج والإشارة دون أن تغيِّر أفعالهم وأقوالهم من الواقع شيئاً. لم يورثني والدي، يرحمه الله، مالاً أو عقاراً رغم أنه قد فعل، لكنه علمني وأنشأني على ما هو أكبر وأعظم وأنفع.. كان يذاكر دروسنا معنا.. وكانت فاطمة، شقيقتي الحبيبة، تستعد لامتحانات الدخول للمرحلة الوسطى ووالدي، يرحمه الله، يصرُّ على أن أكون حاضراً وفاعلاً في تجربة الإعداد تلك رغم أنني كنت بعيداً، زمانياً، من تلك المرحلة. ذات يوم فارق في حياتي عرفت أن والدي، يرحمه الله، هو من أعدني لذلك اليوم وحينما أمسك الأخ خالد بن محفوظ، يرحمه الله، بيدي وهو يقول لي بأن يوماً سيأتي ليسألني كيف فعلت ذلك أجبته بتلقائية وعفوية كبيرتين بأن عليه ألا ينتظر كثيراً فإجابة سؤاله أن والدي، والذى كان حياً يرزق وقتها، هو من علمني تلك الرياضة الذهنية والتي ما زلت مداوماً عليها حتى البارحة وأنا أنشط ذهني بتحويل درجات الحرارة الظاهرة على مونيتور الطائرة من المئوية إلى الفهرنهايت. العلاقة بين العلم والمال كالعلاقة بين السمكة تعطيها لمحتاج أو تعليمه الصيد رغم أن أحد أبنائي قد فاجأني ذات يوم بإجابة للسؤال التقليدي السمكة أم السنارة لتصطاد السمك حينما قال ولماذا ليس الأثنين سمكة حتى أتعلم صيد السمك؟؟ هأنذا أنا هنا إذن... الخرطوم من خورشيد باشا إلى المشير عمر البشير والناس فى غدوهم ورواحهم تعلو وجوههم ابتسامات لا تعرف الاصفرار الذى تركوه للسراديب والغرف المغلقة والنخب. عمّن كان حسين أونسة يعبر حينما كتب مقاديره التى صاغها كلماتٍ ولوّنها أخوه مجذوب بلحنه البهيِ وصوته الشجي؟؟ وهل كل هذه الابتسامات التى يتلقاك الناس بها تعبِّر عن واقع يدفع لابتسام حقيقي أم أنها لإخفاء دموع يتوسدونها وينامون عليها. ما زالت المناسبات تجمع وما زالوا يتجمعون "كيمان... كيمان"، وكثيراً ما تتناول "كيمانهم" تلك موضوعاً واحداً وان اختلفت اللغة وتباينت الرؤى. أمَّا الصحف والتي قليلاً ما أطالعها، فقد صدمتني بأكثر من مادة تستوجب التناول والتعليق ولكن لماذا لا يكون ذلك غداً... بإذن الله..