مشروع الجزيرة العملاق الذي يمتد من ضواحي سنار جنوباً حتى مشارف ولاية الخرطوم شمالاً ومن ضفاف النيل الأزرق شرقاً حتى مشارف النيل الأبيض غرباً منحدراً في مساحة تزيد عن المليوني فدان أرض خصبة حباه الخالق البارئ بميزة فريدة إذ إن ميلان الأرض جعله منبسطاً ينحدر انحدارا طبيعياً من ناحية الجنوب الشرقي إلى الشمال الغربي أي أنه من نواحي سنار جنوباً إلى جبهة أبو قوتة والقطينة في الشمال الغربي. هذه الميزة جعلت انسياب المياه سهلاً وميسوراً لمهندس الري في ثلاثينات القرن الماضي حيث كان المشروع يروى من طلمبات على النيل الأزرق بالقرب من منطقة طيبة ومنطقة أم سنط وعند اكتمال خزان سنار منتصف الثلاثينات حفرت ترعة رئيسية من خزان سنار تروي أراضي المشروع حتى منطقة المسيد مغطية مساحات واسعة من وسط الجزيرة من المدينة عرب وطابت حتى مشارف أبو قوتة تتفرع من تلك الترعة الرئيسية ترع فرعية ضخمة تسمى المواجر وتغذي هذه ترع صغيرة تسمى Minors هذه الترع الصغيرة تتغذى بما يسمى التخزين الليلي وكل واحدة مقسمة إلى ما يسمى بالصناديق تملأ هذه الصناديق ليلاً بالماء لتروي الحواشات نهارا، وتروى الحواشات بفتح الماء من مواسير إلى مساق تسمى أبو عشرين بتنسيق وتفاهم بين مهندس الري في أقسام الري داخل المشروع وبين مفتشي الغيط التابعين لإدارة مشروع الجزيرة حيث يطلب المفتش كمية المياه التي تكفي لري المحاصيل التي ترويها تلك الترعة وتغطي كل ترعة مساحة من الأرض أي الحواشات بها محاصيل معينة ذرة- فول- قطن- قمح- خضراوات- ويستعين المفتشون بخفراء للترع عليهم فتح مواسير المياه في الصباح حسب البرنامج الموضوع وقفلها في المساء حسب توجيهات ومراقبة مفتش الغيط. في منتصف الخمسينات من القرن الماضي عمرت أول حكومة وطنية ما يسمى "مشروع المناقل" وهذه هي المنطقة التي تتاخم المشروع من الناحية الغربية وتمتد من الجنوب من منطقة سنار محازية حدود النيل الأبيض في مساحة تبلغ مليون فدان ويبدأ ري هذه المساحة من ترعة رئيسية من كيلو 75 من ترعة الجزيرة الرئيسية ثم من ترعة رئيسية من خزان سنار وقد غطت هذه الترعة الرئيسية كل المساحة المقررة. كان هذا إنجازاً لكثير من أبناء هذا الوطن من مهندسي الري في ذلك الزمان "صغيرون- جادين الطيب عبد الرازق- الريح عبد السلام- عساكر والمهندسين المصريين على رأسهم محمد سعيد عبد الهادي وكل الإداريين بمشروع الجزيرة على رأسهم المرحوم مكي عباس وعمر الكارب والمهندس محمود علي شريف وطه الجاك وإبراهيم محمد إبراهيم ومن البريطانيين مدير التعمير مستر جيمس وقد أهاج هذا الإنجاز شاعر المناقل الذي أنشد: بحر أزرق بعيد من المناقل جبدة شق التيه وفات قوز الرهيد والعقدة بي جبل المطوري على قبوجة اتعدى خل الصي جناين والمناهل عدة. هذه هي ملامح ري مشروع الجزيرة العملاق، لكن لكل شيء إذا ما تم نقصان فكلما زادت المساحات المزروعة جراء ما سمي بالتكثيف والتنويع الذي كان رائده المرحوم محافظ مشروع الجزيرة الأسبق "ميرغني الأمين الحاج" فقد أصبح المشروع يعاني في بعض المناطق في ري المحاصيل بعد توقف الأمطار في منتصف أكتوبر من كل عام نتيجة لتراكم كميات كبيرة من الطمي في الترع الصغيرة ومداخل الترع المواجر نتيجة لنظام التخزين الليلي مما حدا بوزير الزراعة أيام العهد المايوي البروفيسور عبد الله أحمد عبد الله بالتصدي لتلك المشكلة بتكوين لجنة برئاسة أحد الوزراء وشرفني بأن أكون مقرراً لها. كانت التوصية الرئيسية هي أن يوكل الإشراف إدارياً على الري داخل المشروع لإدارة المشروع وفنياً لوزارة الري حيث تعيين وزارة الري المهندسين وترقياتهم وتنقلاتهم وتشرف إدارة المشروع عليهم إدارياً بالتعاون والتنسيق مع الإدارة الزراعية وتلتزم إدارة المشروع بالنفقات كلها من سكن وترحيل ونفقات الإدارة، كما أوصت اللجنة بإلحاق أقسام للحفريات بكل قسم ري مزود بالآليات ومعدات تمكنه من الصيانة والتطهير للترع كلها ولكن وبكل أسف لم تطبق هذه التوصية كما وافق عليها الوزير بل أنشئت إدارة داخل المشروع من غير المهندسين ولم تتبع لها أقسام الري ثم استبدلت بما يسمى الآن بروابط المياه التي يشرف عليها بعض المزارعين وأصبح تطهير الترع دون الالتزام بتصميم تلك الترع مما أعاق عملها وأصبح العطش ملازما لكل المحاصيل فلجأ المزارعون لضخ المياه من الترع بطلمبات عقدت الوضع أكثر للمزارعين، هذه المشكلة الهندسية تحتاج إلى إعادة النظر في ري مشروع الجزيرة وإعطاء الخبز لخبازيه. والله الموفق المهندس المستشار نائب محافظ مشروع الجزيرة الأسبق