فنانون يمتلكون (الحصانة).! تقرير: أحمد دندش اثناء مرافقتي لبعثة وزارة الثقافة قبيل اشهر من الان، وضمن فعاليات قافلة الثقافة لمدينة عطبرة، صعد الفنان النور الجيلاني للمسرح وسط عاصفة من التصفيق الداوي، قبل ان يهتف الجمهور بصوت واحد: (جوبا..جوبا)..وبالرغم من حساسية الموقف آنذاك، وسخونة اجواء البلاد بعد انفصال الجنوب، قام الجيلاني بترديد اغنيته الشهيرة (جوبا)، بعد ان ابدى تأسفه على رحيل الجنوب، وامنياته له بالاستقرار، ليضج المسرح بالتصفيق والهتاف تفاعلاً مع الاغنية الشهيرة، والتى اكدت فعلياً على ان هنالك الكثير من المودة لاتزال حاضرة مابين جوباوالخرطوم وإن استندت على جزئية الفن كدعامة رئيسية لها. في القلب: ويعتبر النور الجيلاني اكثر الفنانين المحبوبين في جوبا، وذلك بشهادة الجنوبيين انفسهم، والذين يعشقونه بشدة، ولعل ابرز تعليق ادلى به الجيلاني ابان اختيار الجنوب لحق تقرير مصيره السياسي والاجتماعي والاقتصادي، أن عزاءه الوحيد ان الذكريات ستبقى في القلب، غير قابله للإنفصال، وهو نفس الحديث الذى ادلى به كثير من الفنانين الذين تجمعهم صلات طيبة بدولة الجنوب ومواطنيها..والجدير بالذكر ان الفنان النور الجيلاني غنى عددا من الاعمال الخاصة للجنوب، ابرزها (جوبا) و(فيفيان). وردي الابرز: الفنان الاول من حيث الشعبية الكبيرة في دولة الجنوب وماجاورها هو الراحل (محمد وردي) والذى حرصت الحركة الشعبية في فترة الانتخابات السابقة ابان ترشيح كادرها ياسر عرمان للرئاسة- قبل سحبه- على ان يكون ضمن خياراتها الجماهيرية بإعتباره فناناً وطنياً شاملاً، ورمزاً من رموز السودان، ولأغنيات محمد وردي في الجنوب مساحه كبيرة خصوصاً اغنية (نور العين) التى قال عنها عدد من مواطني دولة الجنوب انها قاربت ان تصبح الاغنية الرسمية للجنوب من كثرة ترديد المواطنين لها، واعجاب الموسيقيين الجنوبيين بلحنها الخالد والذى استطاع تجاوز كل افرازات السياسة. ذكريات محمود: وبالمقابل نجد ان الفنانين الشباب لم يكونوا ببعدين عن نيل (الحصانة) بين البلدين، وظلوا في حالة تواصل دائم مابين القطبين عبر اعمالهم واغنياتهم وذكرياتهم، ومنهم الفنان الشاب محمود عبد العزيز الذى يحتفظ بذكريات عديدة مع الجنوبيين، كان ابرزها التفاف مواطني جوبا حوله في احدى زياراته لها (قبيل الانفصال)، تلك الشعبية التى قال محمود انه تفاجأ بها، ولعل اعجاب الجنوبيين بمحمود لم يأت من فراغ، فقد ردد ايضاً اعمالا كثيرة صارت من الاغنيات المطلوبة شعبياً سواء في الخرطوم او جوبا مثل (مدينة جوبا)، تلك الاغنية التى قام بإدراجها ضمن البومه الغنائي (برتاح ليك)، والتى عشقها اهل السودان عموماً قبل الجنوبيين انفسهم. اغنيات منوعة: وبخلاف الشعبية التى يحظى بها اولئك الفنانون في جوباوالخرطوم على حد سواء، نجد ان هنالك بعض الاغنيات التى وجدت حظها كذلك في فترة التسعينات، وهي اغنية (جنوبية) التى تغنى بها الفنان عماد احمد الطيب، والتى ربما تعتبر من اوائل الاغنيات الموجهة نحو شعب جنوب السودان، والتى يقول مطلعها: (شفت في عينيك اصالة الفونج..والاماتونج..الشامخة زي عزة بلدنا)..ولعماد ايضاً نصيب من الحب والتقدير لدى اهل الجنوب بإعتباره من اوائل المطربين السودانيين الذين تغنوا لجوبا واهلها. تواصل بلوبلو: بالمقابل لم ينقطع بعض الفنانين عن زيارة جوبا حتى بعد الانفصال، وكانت الفنانة حنان بلوبلو هي آخر الفنانين العائدين من جوبا، بعد احيائها لعدد من الحفلات هناك، في تواصل حقيقي عكس مدى التقدير الذى يجده اولئك الفنانون مابين جوباوالخرطوم، والذى ساعدهم في ان ينالوا (حصانة) مؤكدة ضد كل متغيرات السياسة، وهي ظاهرة ربما تؤكد صدق العبارة التى تقول ان الفن يصلح ماتفسده السياسة..أو هكذا يبدو..!