لم يكن أمراً عادياً أن انتبه إلى أن كلمة أرسنال ARSENAL الإنجليزية معناها ترسانة الأسلحة .. إلا عندما يأتي الشرح من أمام أحد المساجد في صلاة الجمعة الثانية من رمضان .. وأخونا المهندس عبد الجبار حسين أمين عام النهضة الزراعية كان يخطب حول غزوة بدر الكبرى عندما جاء على ذكر المقذوفات وفقاً لطبيعة الأسلحة المتوفرة قبل ألف وخمسائة عام ثم قرن ذلك باسم فريق الكرة البريطاني الأرسنال ومعناها «المدفعجية» الذين يرسلون القذائف وفي رواية أخرى «البندقجية GUNNERS وفقاً لثقافة أهلنا في الدفاع الشعبي والقوات النظامية الأخرى، وإذا وجدت فريقاً محلياً أو عربياً أسمه الترسانة فهذا الأسم هو نفسه الأرسنال. ولعل الكثيرون قد لا يفهمون أو لا يعرفون معاني بعض الأسماء التي ربما يستعملونها بكثرة دون أن يفطنوا لما وراءها من أحداث تاريخية .. مثلاً لا يكاد يمر يوماً دون أن يذكر أحد منا مدينة «بحري»، وهي المدينة التي تكمل العاصمة المثلثة منذ دخول الأتراك إلى السودان .. ولا أظن أن أحدنا قد وقف وسأل نفسه لماذا سميت مدينة «بحري» بهذا الاسم ؟ .. وأين هو ذلك البحر الذي ارتبط اسمه بهذه المدينة .. وإذا كانت هذه هي «الخرطوم بحري» فأين هي الخرطوم التي «ما بحري» ..؟ وواقع الأمر أن الدولة العثمانية التركية قد استعمرت السودان بمعاونة من المصريين الذين استجلبتهم معها بعد أن استعمرت مصر لمدة طويلة .. وجاءت بالمصريين معها بحكم أنهم يتحدثون اللغة العربية ويكتبونها، فاستعانت بهم في السلك الإداري .. ولأن المصريين تعودوا أن يطلقوا على اتجاه الشمال كلمة بحري - بحكم أن البحر الأبيض المتوسط يقع شمال مصر .. فأنهم قد سموا هذه المدينةبالخرطوم بحري «يعني الخرطوم شمال» .. وكثيراً ما نسمع المصريين عندما يتحدثون عن إحدى المباني يقولون إن «هواها بحري « أي أنه قادم من الشمال» .. ثم أن كثيرين منا لا يعرفون الأسباب المؤدية إلى إطلاق اسم «اللاماب» على منطقة في بري أو في بحر أبيض .. مثلاً «بري اللاماب» .. أو «اللاماب بحر أبيض» وسبب هذا الأسم أن «الخواجات» عندما جلسوا لكي يرسموا خريطة «ماب MAP« لكل موقع في العاصمة وجدوا أن هناك مناطق مأهولة وذات كثافة لا تمكن من إعادة تخطيطها ورسمها في الوقت الحاضر .. ولهذا فقد تركوها «بدون خريطة» .. ولأن الرؤساء كانوا خواجات فقد كانوا يقولون » NO MAP« ..يعني « لا ماب» .. وهكذا برز الأسم وتواتر في كل من بري اللاماب واللاماب بحر أبيض أو اللاماب ناصر والخلاصة أن «اللاماب» ليست قبيلة وليست فخذاً أو من بطون القبائل وإنما هي كلمة إنجليزية معناها «اللا خريطة». وقد ساقني إلى كل ذلك ما أورده الأستاذ عبد المحمود الكرنكي في عموده المقروء عصف ذهني بصحيفة الصحافة في عدد السبت حول تسمية الشهور القمرية بالطريقة السودانية والتي تبدأ بالويحيد «محرم» و«الكرامات للثلاثة» وسايق رجب وقصير و «شعبان» ورمضان والأفطار الأثنين .. وقد ذكر الكرنكي أن هذه الثقافة بدأت في الإندثار والخروج من الذاكرة تماماً مثل ثقافة التعامل مع الحيوان، حيث لا يعرف أولاد الخرطوم الفرق بين الخروف «الجضع» و«الرباع» و«التنى» والبلدي والوتيش والقرج والحمري والكباشي. وفي ذات الوقت لا يعرف أولاد الخرطوم أن موسم الخريف يتم تشبيهه بالأسد الذي يهم بالخروج من العناية فهو أولا يمد ذراعه «الذراع»، ثم يزأر «النترة»، ثم يظهر وجهه «الجبهة» ، ثم تطرف عينه «الطرفة» ، ثم تنزل دموعه «الطرفة البكاية» ، ثم يجري ويشتت الحصى برجليه «الخرصانة» إلى أن يصل إلى الهدوء و«العواء» و«السماك» .. وكل عينة مدتها ثلاثة عشر يوماً .. جعله الله خريف خير وبركة..