في أيام إجازة عيد الفطر والتي اتسمت بغزارة الأمطار وكثرة دعوات الزواج يقال إن أهل العريس تجمعوا من كل فج عميق وذهبوا راكبين الدفار إلى حيث منزل العروس لإكمال مراسم «التعارف» الذي عادة ما ينتهي بمراسم العقد حتى «يزوغ» العروسان من تكاليف المرحلة التالية.. ووصل الوفد إلى بيت العروس واستقبلهم «النسابة» وأجلسوهم على العناقريب والكراسي التي جاء بعضها من الجيران.. وبدأت عملية التعارف بعد أن قدموا لهم الحلاوة والبلح والبارد و»الفيشار».. ولأخينا دكتور عبداللطيف البوني نشرح الفيشار بأنه حبوب الذرة الشامي المقلي ويعرف عالمياً ب «البوب كورن» وقررت أن أشرح له الأمر لأنه في عام 1998 وفي صحيفة الرأي العام كان يسأل عن «الأوفالتين» وأحضرنا له علبة منه فكتب مقالاً عنوانه ذات الاسم «الأوفالتين». والمهم أن أهل العروس بدأوا يسألون عن الجماعة ولم تكن الأسئلة مركزة على أصلهم وفصلهم وقبائلهم وأعراقهم ولكن كلها كانت موجهة عن الموقف المالي والمناصب السياسية لأقرباء العريس. وقد شرح أعضاء الطرف الآخر أن عم العريس يعمل مديراً في إحدى هيئات السكة حديد وخاله يسكن بجوار السياسي المشهور وابن خالته أحد أعضاء «الحركة». وصديق أبيه يقدم برنامجاً في التلفزيون وهلم جرا.. وجاء الدور للسؤال عن العريس في شخصه وماذا يعمل..ولأن العريس كان يعمل محاسباً في إحدى المؤسسات فقد رأى خال العريس أن يشرح أبعاد هذه المهنة بكل الثقة وقال لهم بالحرف الواحد وبصوت جهوري: «ولدنا دا شغال محاسب عِلاّ مستفيد».. وبالطبع فإن أهل العروس قد فهموا أن العريس محاسب «ساكت» لكنه مستفيد مما يجعله قادراً على توفير متطلبات الحياة ويجعله مؤهلاً لهذا النسب الذي يشرفهم وقصة «الاستفادة» المذكورة تجعلنا نتساءل عن الأسباب التي جعلت أهل العريس يخجلون من أن وظيفة عريسهم أنه محاسب، ولماذا ألحق بها مهنة أنه مستفيد؟! وهل ترتبط الاستفادة في الغالب بمهنة المحاسب وهل كل محاسب مستفيد أم أن البعض غير مستفيدين.. ولماذا تكون مهنة المحاسبة طاردة... وهل هناك مهن أخرى يغلب على شاغليها أنهم من الطبقة الوسطى المسحوقة مثل المعلمين والكتبة والخفراء، هذا مع العلم بأن طبقة المعلمين تحولت هي الأخرى إلى طبقة مستفيدة.. فقد ظهرت مجموعة معلمي الدروس الخصوصية والذين يقوم المعلم الواحد برعاية ما لا يقل عن أربعين طالباً في الحد الأدنى يذهب إلى بعضهم في بيوتهم أو يجمعهم كلهم في مكان واحد ويتقاضى من كل واحد منهم ما يمكن أن يحصل عليه من الوزارة في عام كامل... وأعرف أحد أقربائنا من معلمي المدارس الابتدائية وقد صار من أصحاب الأملاك والعمارات في فترة وجيزة لأنه يقوم بتدريس العلوم والرياضيات وهذا يعني أنه مدرس عِلّا مستفيد.. وتنداح دائرة «الاستفادة» لتشمل الكثيرين من شاغلي المناصب الحكومية والتي يفترض أنها لا توفر لشاغلها دخلاً أكثر مما هو مخصص له ومع ذلك فهو «مستفيد».. ومن المؤكد أننا ربما سنضيف إلى وظيفة المحاسب المستفيد كل وظائف مديري المؤسسات المالية بما فيها المصارف في حالة ما إذا رأينا أن عملاء البنك متعثرين والبنك يشرف على الإفلاس بينما نجد مديره ونوابه يقيمون المباني الشاهقة.. ولكي نفهم كيف يتحول شاب سنّه ما بين الخمسة والعشرين والثلاثين عاماً وقد تحول إلى أغنى أغنياء المنطقة في فترة وجيزة وسنجد أننا ملزمون بإضافته إلى مجموعة «عِلّا مستفيد». على كل حال قصدنا بهذا المقال أنه قد آن الأوان لتقليص شريحة «عِلّا مستفيد» عبر المعالجات التي تعمل على أن تكون بعض الوظائف جاذبة وبحيث يتساوى دخل الشرائح المتساوية الأداء حتى لا يشعروا بالغبن ويقوموا بممارسة الاستفادة بطريقتهم الخاصة.. وحتى لا نضطر عندما نذهب إلى طلب العروس لأحد أولادنا أن نقول لأصهاره «والله ولدنا دا طبعاً شغال محاسب «عِلّا مستفيد». أو نقول:إن « عريسنا دا طبعاً صحفي «علا مستفيد» أو نقول:إن «ولدنا دا مدير عام «عِلّا مستفيد» أو أنه وزير «عِلّا مستفيد».