تمتلىء أسواق العاصمة بنماذج من الشحادين ولكلّ طريقته في «الشحدة»، بعضهم «فنان» في عرض قضيته بل ولديه مستندات والآخر «تقليدي» وساذج، فالأول اكتسب خبرات وصقلها ويجيد «الإخراج» والإقناع ويختار من يتوجه لهم بالسؤال وجعل منها مهنة لعشرات السنين وإذا كان للشحادين شروط خدمة لتمت إحالته أما للصالح العام أو «المعاش» أي والله وقبل أن نتناول «الشحدة بالطريقة السودانية» ننظر الى هذه الشحدة بمصر حيث يبيع الشحاد مناديل الورق لأنها ممنوعة قانوناً، أما في المانيا يلجأ الى عزف الآلات الموسيقية ويتلقى الهبات داخل قبعة يضعها أمامه على الأرض.. أما عندنا كثيراًما نلتقي بالشحادين «الولعة» الذين يجيدون تمثيل أدوارهم ومنهم ذلك «الأنيق» الذي التقيت به يتجول «ببرندات» السوق الأفرنجي وفاجأني بالسلام «إزيك يا دفعة» وواصل حديثه بالسؤال أين انت هذه المدة الطويلة أم أن مشغوليات الحياة والأولاد والدنيا لم تترك لك شيئاً.. وهنا ارتسمت الحيرة على وجهي وواصل هو حديثه بسؤال آخر هل نسيتني ثم أين أخوك داك.. وهكذا كلها أسئلة غائمة وعائمة يمكن توجيهها لكل شخص.. وكانت المفاجأة ما طلبه مني بعد ذلك «يادفعة داير حاجة».. نسيت أن أذكر أن الدفعة آخر شياكة وهندام ولفائدة الجميع فإنه يتواجد لمدة ساعتين فقط التاسعة صباحاً والرابعة ظهراً وهي فترات حضور العاملين وإنصرافهم وذلك من باب التنبيه «للزوغان» منه. أما الشحاد الثاني الظريف صاحب القفشات والنكات فهو يتواجد دوماً داخل مكاتب التعليم خاصة عندما يتم صرف فروقاتهم أو متجمدات مرتباتهم وبدوره يتابع مواعيدها وحدث أن سار خلف أحد المعلمين الذين لديهم فروقات تم تحويلها للصراف وظلت لديه كعهدة لذا لن يتم تحويلها للصراف الآلي واتجه المعلم للصراف وبالفعل تسلم فروقاته وهمّ بوضعها داخل جيب جلبابه «كان في إجازة» وفاجأه الشحاد الظريف بالقول «معاك حاجة يا أستاذ» ما كان من الأستاذ إلا أن «طنش» وسار في طريقه رغماً عن ملاحقته له ولما أصاب «الشحاد الظريف» اليأس من إعطائه أي شىء هنا إلتفت للمعلم وخاطبه طيب يا أستاذ بما أنك لم تمنحني شيئاً أرجو أن تجود على «بحصة» ولو على «الماشي» و«بدون سبورة». وبالنسبة للشحاد «عين قوية» تجسد في أحدهم عندما دخل أحد متاجر السوق العربي الذي ظل يتردد عليه إلا أنه تغيب عنه بعض الوقت ظناً منه أن صاحب المتجر غيّر الأشياء العينية الإستهلاكية التي يجود بها وحولها الى «الفكة» وما أن وقف أمام التاجر وشاهده يهم بفتح الأدراج وأمام دهشة الجميع قال له «بلح السيد علي دا ما كمل» وذلك لأن التاجر كان يقدم بلحاً «للشحادين» بدلاً عن النقود. أما الأخير.. كان يحدد مبلغاً من المال كتسول ظل ثابتاً لمدة طويلة «جنيه لله» وفجأة وقبل أيام تحول طلبه «جنيهين لله» وهنا داعبه أحدهم لماذا تطلب جنيهين بدلاً عن «جنيهك داك» وبعفوية قال له أنت «ما متابع» أخبار العملة ولا ما من «البلد دي» أم أن تعاملك بالدولار.