[email protected] كان عدم وجود قيادة موحدة واحدا من القواسم المشتركة لما عرف ب (ثورات الربيع العربي ) وقد اختلف المراقبون حول تقييم تلك الظاهرة فمنهم من اعتبرها ايجابية من حيث كونها تشكل خلعا للنظام العربي القديم بحكوماته ومعارضاته ومنهم من اعتبرها «كعب آخيل» تلك الثورات لان وجود القيادة يعني وجود الرؤية والاهداف الواضحة وهو امر ضروري لكي تبلغ تلك الثورات اهدافها النهائية لان المهم ليس خلع الحكام انما المهم هو كيفية احداث التغيير والاليات المتبعة لتحقيق ذلك التغيير وحماية المكتسبات التي حققتها الثورات ولن يتسنى ذلك بدون وجود القيادة التي تمتلك القدرة على تنزيل شعارات تلك الثورات الي ارض الواقع . لقد اثبتت الاحداث ان انعدام القيادة هو سبب توقف تلك الثورات في منتصف الطريق وعدم بلوغها الي غاياتها النهائية . وزاد من تعقيد الوضع وصول القوى الاسلامية الي السلطة في بلدان الربيع العربي وهي اي القوى الاسلامية تمتلك الشعارات ولكنها تفتقر الي الخطط والبرامج التي تلبي طموحات الشعب الذي خرج الي الشوراع والميادين وحمل السلاح كما في الحالة الليبية من اجل اسقاط الانظمة الدكتاتورية. ازمة ثورات الشباب العربي هي في الاساس ازمة قيادة تمتلك القدرة على توجيه دفة الامور ويعود السبب في ذلك الي ان الشعوب العربية عانت عقودا من القمع وانعدام الحريات تم فيها تدجين المجتمع وقص اجنحته وكانت نتيجة ذلك وأد كل المواهب القيادية التي انتجتها تلك الشعوب. الحالة المصرية تشكل نموذجا صارخا لما ذكرنا فبعد عام تقريبا من الهتافات المجلجلة بسقوط حكم العسكر نشهد اليوم عودة تلك الحناجر ذاتها للهتاف بحياة العسكر وتفويضهم لاتخاذ ما يرونه مناسبا من اجل «الشعب»!. بل ان مصر ذهبت ابعد من ذلك فهي الان تعيد انتاج الناصرية في ثوب جديد ثوب يتناسب مع القرن الحادي والعشرين .ففي تجربة عام 1952 م احتاج جمال عبدالناصر الي ضابط عظيم مثل اللواء محمد نجيب ليمارس الحكم من ورائه. وفي نموزج عام 2013م احتاج الفريق عبد الفتاح السيسي الذي هو نفسه ضابط عظيم الي رئيس المحكمة العليا للقيام بدور محمد نجيب ،ولعل من مفارقات مصر خروج نائب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ونزولهم الي الشارع تلبية لنداء وزير الدفاع ! بينما الشعب المربط في الميادين يهتف بحياة وزير الدفاع ويؤكد انه خلف الوزير لتطهير البلاد من الارهاب !. الثورة في مصر لم تقم من اجل مكافحة الارهاب بل قامت بسبب التردي الاقتصادي والعطالة والفساد وانعدام الحريات ولكننا بعد عام من قيامها نلاحظ هذا التبدل في اهدافها وهو امر جدير بالقراءة المعمقة من اجل تفسيره .ولعل اول ما يفسر ذلك هو ان الجهة المراد اسقاطها اختلفت مما يستوجب انتاج شعارات جديدة تمكن من استقطاب الشعب لانجاز الاهداف الجديدة .المسؤول الاول عن ما وصلت اليه الاحوال في مصر هو حزب الحرية والعدالة الذي فشل في ادارة الازمة وفي قراءة الواقع واوله واقع المؤسسة العسكرية في مصر وهي مؤسسة راسخة ومتمكنة وقد تم بناؤها للقيام بادوار اقليمية بالاضافة الي دورها الوطني لذلك فهي تمتلك روابط اقليمية ودولية وفوق كل ذلك هي قوة اقتصادية تساهم ب 34 % من الناتج القومي ، كما ان هذه المؤسسة لم تتعود على وجود رئيس من خارجها لعقود خلت وهو امر لم ياخذه حزب الحرية والعدالة في الحسبان ولديها احترام وافر في الشارع المصري وقد تعزز هذا الاحترام بسبب موقفها من ثورة 25 يناير . الان وقد اصبح الشعار الرئيسي للثورة هو مكافحة الارهاب لابد ان تبرز القوة المناط بها انجاز هذه الشعار وهي القوات المسلحة وقائدها الفريق السيسي . بعيد بيان الفوات المسلحة الذي امهلت فيه القوى السياسية اسبوعا للاستجابة لمطالب الشعب نشرت وسائل اعلام مصرية صورة «الطفل»عبدالفتاح السيسي عندما كان عمره خمس او ست سنوات وهو يحي الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وليس هناك اي شك في الطبيعة الايحائية لتلك الصورة ، ثم جاءت هتافات المحتشدين في الميادين لتؤكد ان الرئيس الفعلي لمصر هو السيسي . وكما ساهمت المواقف الامريكية في جعل الرئيس عبد الناصر يتوجه شرقا بعد رفض البنك الدولي تمويل السد العالي ، ساهمت مواقف الرئيس الامريكي المرتبك «باراك اوباما» والتي قابلتها القيادة العسكرية المصرية بالرفض القاطع في اعلاء شخصية الفريق السيسي ابعدت اي امكانية للقدح في شخصيتة او دمغه بصفة العمالة ،بل بالعكس طالب المتظاهرون بابعاد السفيرة الامريكية بالقاهرة واعتبارها شخصية غير مرغوب فيها نسبة لعلاقتها مع الرئيس المبعد مرسي بينما تم غض الطرف عن التنسيق الكبير بين مصر واسرائيل في ما يخص الوضع في سيناء للدرجة التي جعلت الطيران المصري يحلق بصورة مكثفة في سماء غزة ، هذا التنسيق سبب حرجا بالغا لادراة الرئيس «اوباما» بعد ان وجد الترحيب من الكونقرس الذي رفض وصف ما تم في مصر بالانقلاب العسكري .لقد كسب السيسي معركته ضد اوباما بسبب دعم دول الخليج والتنسيق الامني مع اسرائيل تماما كما كسب عبد الناصر معركته ضد العدوان الثلاثي بسبب تهديدات «خرشوف». واذا واصل حزب الحرية والعدالة رفضه لدعوات المصالحة واصر على مواجهة الاجهزة الامنية واستمرت المعارك العسكرية في سيناء فلن يكون من المستبعد ان يترشح الفريق عبد الفتاح السيسي الي رئاسة الجمهورية عند ذلك تتحقق مقولة الفيلسوف الالماني «هيغل» ( ان الاحداث والشخصيات المهمة في التاريخ تتكرر مرتين)