مخلص جبير احمد السنوسي ضاقت نفس البحتري فترك (سر من رأى ) قاصداً بقايا إيوان كسرى بالمدائن جنوب بغداد ليتأمل في مصائر الأمم الغابرة ويزيل كدر الحياة الذي جثم على قلبه عندها أبدع سينيته المشهورة والتي يقول فيها : صنت نفسي عما يدنس نفسي وترفعت عن جداً كل جبسِ وتماسكت حين زعزعني الدهر إلتماساً منه لتعسي ونحسِ بلغ من صبابة الهوى عندي طففتها الأيام تطفيف بخسِ وقد ضاقت نفسي فلجأت إلى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه أتأمل الآيات وألتمس الصبر فانتهى بي المقام عند (أيوب) وهو يخوض تجربة عسيرة كاد ينفذ عندها صبره وبدأت وطأة المصاب تثير قلقه خشية أن ينحاز عن مُثله ومبادئهِ وأدرك أن هناك قوة شريرة ماكرة تدفع بالأمر لذاك الاتجاه دون كلل ، عند ذاك نادى ربه ( إني مسني الشيطان بنصب وعذاب ) . أيوب وصل به الحال إلى أن يشتكي من المكابدة والعذاب وهو الذي أوتي أرفع ما يصل إليه الإنسان من درجات الصبر والتحمل وعلى قدر حظوظ الناس من الصبر تنطلق ألسنتهم بالشكوى وطلب النجدة ، فمنهم من يشكو من لا شئ ومنهم من يشكو لعارض بسيط ومنهم من يحتمل صابراً صامتاً حتى ينفذ صبره كما نفذ صبر أيوب وهكذا سبحان من قسم الحظوظ فلا عتاب ولا ملامة أعمى فأعشى فذو بصر فزرقاء اليمامة . عدت إلى نفسي ملتمساً ما تسبب في ضيقها ونظرت في أمر البحتري الذي إهتم لظلم المقتدرين من اللئام وقسوة الحياة التي لم تترك له إلا بُلغا طفيفة لا تكاد تسد حاجته وقد أدركت أنني منقبض الصدر لا لضيق الحال بل لظلم وقع عليّ ( فالحق أن مطلب الغني ظلم) أيوب المّ به نصب وعذاب حتى لم يبقى له كفاء صبر فلم يجد إلا أن يبسط كفيه باستسلام فريد ( ربي إني مسني الضر ) فهل ستئول بنا عذابات الحياة إلى ذاك الدعاء (وأنت أرحم الراحمين). إلى الملتقى ،،،