لا يوجد مؤشر واحد يدل على أن ما جرى، خلال الانتخابات التشريعية المصرية الأخيرة، منذ بدء مرحلة التسجيل وحتى نهاية عمليات الاقتراع، يدل على أن هذه العملية تشبه على الإطلاق ما يجرى في العالم من انتخابات. وبالرغم من أن سقف التوقعات من هذه العملية، لم يكن مرتفعاً للغاية، نظراً لحالة الجمود والتكلس التي تسود الحالة السياسية بالبلاد منذ أكثر من 40 عاماً، إلا أنه كان من المنتظر أن يحدث نوع من التغيير، ولو في شكل الممارسة الانتخابية، يتماشى نوعاً ما مع تطورات الأوضاع في العالم أو حتى على صعيد دول المنطقة. تغيير يشعر المتابعون، لما جرى ويجرى الآن، أن القوى السياسية فى مصر تتعاطى بشيء من الحساسية، مع رهانات الجماهير على الديمقراطية، باعتبارها المخرج الوحيد من الأزمات، التى تقعد شعوب المنطقة عن اللحاق بركب العالم، وفى مقدمتها الشعب المصر. بدعة الدوائر المفتوحة إن المناخ الذي جرت فيه الانتخابات المصرية، غض النظر عن نتائجها، يجعل كل مراقب حادب يحس بالتوجس، من المسار الذي تتجه إليه أكبر دولة في المنطقة. " المناخ الذي جرت فيه الانتخابات المصرية، يجعل كل مراقب حادب يحس بالتوجس، من المسار الذي تتجه إليه أكبر دولة في المنطقة " فقد استخدمت الدولة وبشراسة كل إمكانياتها، ليفوز حزبها الحاكم بأغلبية المقاعد. ولم تتورع ، للمرة الأولى، من استخدام الأساليب والوسائل كافة، حتى المحظورات، التي يحاربها الحزب الحاكم في إطار رعايته للدولة المدنية. فقد تبارى الحزب الحاكم مع الجماعة المحظورة، في استخدام الدين بشكل واسع، وانطلق مرشحوه يجوبون الكنائس والمساجد، بل ويؤمون المصلين، لحشد المناصرين. كما وفرت السلطة وهيأت بممارساتها كل الأجواء المناسبة لرعاية العنف، واستخدامه من قبل المرشحين كافة.. حتى وإن كانوا من الوطني، حزب السلطة، فى مواجهة خصومهم من نفس الحزب، بعد بدعة الدوائر المفتوحة التى جادت بها، قريحة أمين التنظيم أحمد عز. صدام الأخوان والدولة والشاهد أيضاً حالات الصدام اليومية والمتزايدة، والتي تصدرت المشهد، بين الأخوان والدولة في جميع أنحاء الجمهورية وهذا برغم أن الأخوان كانوا يتنافسون فى الجولة الأولى، قبل انسحابهم فى الثانية، على حوالي 130 مقعداً في البرلمان، بعد استبعاد اللجنة القومية للانتخابات 100 مرشح منهم من القوائم بدعاوى مختلفة. وقد كان لهذه الانتخابات تحديداً أهمية خاصة لدى أطرافها الثلاثة، الحزب الحاكم والأخوان وأحزاب المعارضة، وذلك نظراً للاستحقاقات التي تليها، وفى مقدمتها انتخابات الرئاسة. وكان من المتوقع أن ينحصر التنافس فيها، بين الأخوان والوطني القوتين الحقيقيتين اللتين تتقاسمان السيطرة، على الكتلة التصويتية الضئيلة التي تشارك في الانتخابات باستمرار. وذلك لأن أحزاب المعارضة الشرعية مثل الوفد والتجمع والناصري، لا تقوى على مواجهة الوطني أو الأخوان في أيٍ من الدوائر، فضلاً عن أن تأثيرها على الشارع المصري شبه منعدم، وإن حمل الوفد أفضلية نسبية على بقية الأحزاب، نظراً للتعاطف الذي يجده من الشعب، لتاريخه الطويل في العمل السياسي. صفقات سرية فردية ولأنه غالباً ما تعمد هذه الأحزاب إلى عقد صفقات سرية فرديه مع الوطني، لضمان حصولها على تمثيل شرفي في البرلمان، مثلما حدث من قبل، اتجهت الأنظار في هذا الصدد إليها. " أكثر من قيادي فى الوطني أعلنوا أن الأخوان لن يحصلون هذه المرة على أيٍ من مقاعد البرلمان " وتحديداً لحزب الوفد الذي أمل البعض، من الحريصين على وجود معارضة حقيقة فى البرلمان، أنه سيمنح هذه المرة عدداً أكبر من المقاعد، يوازى ما حصلت عليه جماعة الأخوان المسلمين فى البرلمان الماضى. وخاصة بعد إعلان أكثر من قيادي فى الوطني، أن الأخوان لن يحصلون هذه المرة على أيٍ من مقاعده. وهذا ربما يفسر حالة الصدمة التى اعترت الشارع المصري، فور الكشف عن نتائج المرحلة الأولى للانتخابات. علماً بأن نتائج الجولة الثانية، لن تؤثر كما هو منتظر فى حتمية اكتساح الوطنى لبقية المقاعد. كما أن انسحابات الأخوان والوفد لن تلزم مرشحي الوفد مثلاً بالانسحاب من جولة الإعادة، لأن غنيمة الوصول لمقعد أصبحت، فى خضم الحالة التى نتحدث عنها، أغلى من أي التزام حزبي. وغالباً ما سيضرب هؤلاء بقرارات المكتب التنفيذي بالحزب، ويقدمون على مواصلة المعركة كمستقلين!. الشارع المصري والانتخابات المراقب لتعاطي الشارع المصري مع الانتخابات، يدرك على الفور أنه يتعامل معها باعتبارها موسماً لجنى المكاسب، يتم فيه توزيع الأموال والهدايا والعطايا من قبل المرشحين. وتكفي نظرة واحدة للأساليب التي يتبعها المرشحون، على اختلاف انتمائهم، لحشد المؤيدين وكسب الأصوات، لمعرفة أن الأموال هي التي تحدد من يفوز بالمقعد، أياً كان برنامجه الانتخابي أو لونه السياسي. وهذا يعود إلى حالة الإحباط المتغلغلة فى نفوس المصريين، من جدوى المشاركة فى انتخابات، لن نؤدى بأي حال من الأحوال، إلى عملية تغيير فى تركيبة النظام الحاكم، أو حتى توصل من يرغبون فيه، إلى مقاعد البرلمان. ويكفى للتدليل على انصراف الشارع المصري، عن هذه العملية، أنه لم يستجب من الأساس لمحاولات بعض الأحزاب والكيانات، لحمله على إظهار اعتراض جماهيري واحد، على رفض الحكومة المصرية القاطع. ليس على الرقابة الدولية على الانتخابات، لا سمح الله، بل رفضها حتى إشراف القضاء المصري الكامل عليها، بنظام قاضٍ لكل صندوق. وهو ما شجع منعها جماعات حقوق الإنسان المصرية من ذلك أيضاً، وذلك بإعطاء مشاركتها في العملية وضعاً يشبه المتابعة من خارج أسوار اللجان. وسائل وأساليب ديمقراطية ورغم أن الأطراف المشاركة فى هذه الانتخابات حرصت على تقديم برامج للناخبين، تعبر عن تصوراتها لمستقبل هذه البلاد. " الأطراف المشاركة فى الانتخابات حرصت على تقديم برامج للناخبين، إلا أنها لم تحرص أبداً على اتباع وسائل وأساليب ديمقراطية " إلا أنها لم تحرص أبداً على اتباع وسائل وأساليب ديمقراطية، تحترم تاريخ وتراث هذا البلد الغابر الذى أنشأ أول حياة نيابية فى المنطقة، وكان حاضنة لكل التيارات الفكرية والسياسية، التى انتشرت من بعد ذلك فى دولنا. فكانت المحصلة لهذه الممارسات، أنه لم يعد من الممكن التمييز، فى خضم معركة الحصول على حفنة مقاعد فى البرلمان، بين مرشح ليبرالي وآخر أخواني أو حتى يساري!. ولكل ذلك فقد منيت كل الأطراف، المشاركة فى هذه العملية بالهزيمة، بعيداً عن نتائج الجولة الأولى، بداية من الوطنى، الذى يلبس طاقية الدولة المدنية، مروراً بالأخوان، دعاة الدولة الدينية، وانتهاءً بأحزاب المعارضة الرئيسة الوفد الليبرالي والتجمع اليسارى والناصري القومي.