لاشك أن قضية المرأة من القضايا الأكثر تعقيداً وأهمية وهي تطرح نفسها بحدة لارتباطها بالكثير من القضايا التي تمس كل محاولات التغيير الاجتماعي الشامل. ويعد العنف ضد المرأة امتهان لكرامتها الإنسانية وخروجاً وخرقاً لكل المواثيق الدولية والشرائع السماوية، ولعل هناك بعض الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية أفرزت بعض العوامل التي صعدت من وتيرة العنف بشكل عام ولاسيما العنف ضد المرأة رغم سعي المرأة وجهادها للوقوف إلى جانب الرجل. تعريف العنف ضد المرأة أول ما يجب أن نشير إليه في مجال الاتفاقيات الدولية تعريف العنف ضد المرأة ما جاء في الإعلان العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة 1993م بأنه "أي فعل عنيف قائم على أساس الجنس ينجم عنه أو يحتمل أن ينجم عنه أذى أو معاناة جسمية أو نفسية للمرأة، بما في ذلك التهديد أو الإكراه أو الحرمان التعسفي من الحرية". ؛؛؛ وضع المرأة في تاريخ السودان المعاصر ظلت تحدده أسس وتحكمه أوضاع وعلاقات اقتصادية واجتماعية ؛؛؛ وتشير الوثيقة الصادرة عن المؤتمر العالمي في بكين 1995م أيضاً إلى أن العنف ضد النساء هو "أي عنف مرتبط بنوع الجنس يؤدي إلى وقوع ضرر جسدي أو جنسي أو نفسي أو معاناة للمرأة بما في ذلك التهديد والحرمان". قد اهتم الدين الإسلامي بالمرأة وكرامتها، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (استوصوا بالنساء خيرا)، وكذلك قوله: (النساء شقائق الرجال)، وفي مفهوم الإسلام هدية رمزية عن المودة والرحمة والمحبة ونبذ العنف والاضطهاد ضد النساء، كما اهتم الإسلام بضرورة تعليم المرأة والترقي في ميدان التخصص العلمي بما يرفع من مستواها الفكري والثقافي، ولم يبح للرجل أن يمارس أي عنف على المرأة. العنف ضد المرأة بكافة أشكاله موجود في السودان بشكل كبير ومؤرق, ولا يمكن بأي حال من الأحوال النظر إليه كحالات فردية أو معزولة عن الرؤية الاجتماعية وتقسيم الأدوار الاجتماعية, ويمكن القول بأنه أزمة حقيقية تساهم في زيادة تردي الأوضاع على كافة المستويات "الاقتصادية, الاجتماعية, السياسية والثقافية". والعنف ضد المرأة يشكل ظاهرة حقيقية في المجتمع السوداني أسوة بكل المجتمعات الأخرى في العالم، وأكثر أنواعه شيوعاً في المجتمع السوداني العنف الأسري ويعني استخدام القوة تجاه المرأة.. ومن أكثر أنواع العنف الذي تتعرض له المرأة في السودان الختان والاغتصاب وزواج القصر. والناظر إلى وضع المرأة في تاريخ السودان المعاصر يجد أنه ظلت تحدده أسس وتحكمه أوضاع وعلاقات اقتصادية واجتماعية وتعتبر هذه العلاقات أو الأسباب ضرورية لتحسين وضع المرأة وتوعيتها. ولكن تظل العادات والتقاليد والأعراف هي العقبة أمام تطور المرأة في السودان. أنماط العنف وأسبابه إن العنف ضد المرأة في السودان هو محصلة لتفاعل عوامل عديدة على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع.. على مستوى الفرد تلك العوامل التي تمثل التعرض للعنف منذ الطفولة أو مشاهدة ممارسته على نطاق الأسرة، كما يمثل غياب أو إهمال الآباء لدورهم في التنشئة دوراً كبيراً. أما على مستوى الأسرة نجد أن الخلافات الزوجية والهيمنة التامة للزوج على شؤون الأسرة المالية وغيرها محددات لظهور العنف داخل الأسرة، ويعتبر العنف الأسري مشكلة ملحة في مجتمعنا ولابد من إيجاد برامج قومية لمعالجتها. وعلى مستوى المجتمع هنالك عوامل ساعدت على ظهور العنف ضد المرأة في مجتمعنا السوداني منها الفقر والعطالة. ولا ننسى الدور الأساسي للعادات والتقاليد في انتشار هذه الظاهرة وذلك بربط مفهوم الذكورة والرجولة بقوامة الزوج أو سيطرته. كما أن الفقر وما يرافقه من شعور باليأس والإحباط يزيد من وتيرة المشاحنات الزوجية كما أنه يزيد من شعور الرجل بالإحباط تجاه دور الأساسي كممول للأسرة. ؛؛؛ الإعلان العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة يقول إن العنف ضد المرأة هو أي فعل عنيف قائم على أساس الجنس ينجم عنه أذى أو معاناة جسمية أو نفسية ؛؛؛ المرأة في الموروث الاجتماعي كما نجد أن المفاهيم والموروث الاجتماعي في السودان لم تعط دور المرأة في المجتمع أي اهتمام مما قاد إلى تلك الممارسات التقليدية التي تؤدي إلى التمييز بين (الأولاد والبنات) أثناء عملية التنشئة، فتربي البنت على الخنوع والتبعية للرجل وعدم المبادرة. أما السمة البارزة للأسرة هي سمة التسلط من الأب والأخ والزوج على المرأة بفهم أنها عار للأسرة والقبيلة، مما يحدث التوتر الذي يؤدي إلى العنف الذي يقع عليها ويتمثل في: الختان، تزويج القاصر، الإساءة العاطفية، واللفظية (الضرب والسب)، سوء المعاملة، استخدام الترهيب والتهديد والإكراه والحرمان. وبالرغم من المشاركة الواسعة التي تتمتع بها المرأة السودانية اليوم على المستوى السياسي والعلمي والاقتصادي حتى أصبحت لها بصمة واضحة في الساحة السودانية إلا أن ذلك لم يشفع لها أمام الثقافة الذكورية المهيمنة على الموروث الاجتماعي. التصدي للعنف إن محاربة العنف كظاهرة اجتماعية هي عملية متكاملة تتآزر فيها أنظمة التشريع والقانون والقضاء والثقافة الاجتماعية والتوعية والنمو الاقتصادي والاستقرار السياسي. كما لابد من اعتماد سياسة التنمية البشرية الشاملة لصياغة إنسان واعي قادر على الإنتاج والتعايش والتطور المستمر وهي مهمة مجتمعية وطنية تتطلب طرح برامج ومشاريع تحظى بكافة أنواع عوامل التنمية لأن أي تطور اقتصادي أو حضاري سيساعد بالتأكيد في تخطي العقبات التي تواجه المرأة في مسيرتها الاجتماعية والوطنية. كما أن للتوعية النسوية دور رائد في التصدي للعنف إذ لابد من معرفة المرأة لحقوقها وكيفية الدفاع عنها وعدم التسامح أو السكوت على سلب هذه الحقوق. كما أن للواعظ الديني أهمية في صناعة حياة تقوم على قيم التسامح والسلام ونبذ العنف والاضطهاد ضد المرأة والأطفال. ؛؛؛ الأسرة السودانية فيها نجد أن الخلافات الزوجية والهيمنة التامة للزوج على الشؤون المالية وغيرها مهددات لظهور العنف داخل الأسرة ؛؛؛ دور الإعلام يبقى دور الإعلام مهماً في مناهضة العنف ضد المرأة في السودان خاصة إذا تطرق بكل وضوح وعمق إلى الأسباب والعوامل التي تؤدي إلى ذلك العنف من خلال تسليط الضوء على المعتقدات المتجذرة في المجتمع السوداني ومعالجة القضايا الجوهرية في هذا المجال، حيث لا يمكن التحدث عن العنف ضد المرأة من دون التحدث عمن يمارسون هذا العنف، والبيئة التي يعيشون فيها. كما لابد أن يكون هناك دور ملموس لمنظمات المجتمع المدني المهتمة بقضايا المرأة وكسب الدعم اللازم لقضايا حقوق المرأة ومنع الانتهاكات والتمييز ضدها، مع التأكيد على بناء الوعي الخاص بحقوق الإنسان في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية المختلفة. وكما هو معلوم فإن دور الإعلام أكثر أهمية في كل نواحي الحياة الإنسانية وبالتحديد العادات الاجتماعية التي تسود في المجتمع ومن القضايا التي يهتم بها قضايا التمييز والعنف ضد المرأة لذلك يجب أن تتعاون منظمات المجتمع المدني وبذل الجهد من أجل وقف كافة أشكال العنف ضد المرأة.