بدور عبدالمنعم عبداللطيف [email protected] لا يختلف اثنان بأن الرجل السوداني يكادأن يكون الرجل الوحيد سواء في المجتمعات العربية أوالغربية الذي يستنكف أن يمد يده على زوجته مهما بلغت درجة استفزازها له، بل حتى ولو أدى به الامر إلى الانزلاق إلى هاوية أبغض الحلال. وإذا كانت هناك القلة النادرة(قد يفعلها البعض تحت تاثير الشرب) ممن شذت عن هذه القاعدة أو العرف الاجتماعي فنجدأن الزوج في مثل هذا الحال، يحرص على أن لا يتعدى فعله ذاك جدران منزله.بل تراه يستميت في أن لا"يتسرب" خبر ذلك الفعل "المشين" والذي "يُرمّم" فياغلب الأحيان – باعتذار أو بهدية- إلىآذان الغير،هذه الاستماتة في التكتم على هذه السوأة الاجتماعية والتي أقدم عليها ذلك الزوج في لحظةشيطانية قد أفلت فيها منه الزمام، يعود إلىأن المجتمع "يَصِم" تلك النوعية منالازواج – ممن يستغلون قوتهم البدنية في الاعتداء على زوجاتهم- بانعدام الرجولة. ولعل هذاما يفسرتميّز الرجل السوداني واستعداده الفطري والطبيعي لحماية واحترامالمرأةبوجهٍ عام.. المرأة، الأم، والأخت، والبنت، والزوجة هي نفسها بت الجيران ..والقريبة..ورفيقة الدراسة..وزميلة العمل..وأي امرأة يصادفها في الأسواق،أو فيالمركبات العامة، وغيرها من المواضع. كل هذه الشرائح من النساء على اختلاف فئاتهن العمرية نجد أن الرجل السوداني قدآلى على نفسه حمايتهن فترى المرأةتخرج إلىالشارع دون أن تتوجس خيفةًأو تلتفت وراءها تحسباً من خطرٍ يتعقبها، ذلك لأنهامطمئنة وواثقة تماماًأن لا احدأياً من كان يجرؤ على أن يعترض طريقها. وأما من تنازعه نفسه على التحرش بهاسواءًأن كان ذلك التحرش لفظياًأو مباشراً، فقد سعى حتماًإلى حتفه. هذا الإرث السوداني الاصيل يتجلى بصورةٍأكثر وضوحاً في الأرياف، حيثالمجتمعات الصغيرة تُكرِّس لهذه الموروثة، وتعتبرها من أبجديات الحياة اليومية. والآن جاء هؤلاء القوم من قلب هذا الريف..جاءوا يحكمون باسم الإسلام، الإسلام الذيكرّم المرأةوأعزها،.فإذا بهم يُلحِقون بها من الأذى ما تقشعر له جلود أقسى العتاةقلباً ؛ وإذا بالمرأةبهم وبفضلهم تتدحرج إلى اسفل درجات السلم الاجتماعي. ومايضاعف من عمق هذه المأساة،أن ملامح ذلك الرجل السوداني المتسلّح بالنخوة والمروءة والكرامةآخذةفي التلاشي. فما عاد ذلك الرجل الذي تجد المرأةفي كنفه الأمان، وتستمد منه القوة. وحتى لا أُصنَّف مع الذين يلقون الكلام على عواهنه،أعرض أمام القراء نماذج لثلاث مشاهد دامية ربما شاهدوها مثلي وبالتاكيد تألموا، وشجبوا، واستنكروا، كما تألمتُ،وشجَبتُ، واستنكرتُ. ولكن وسط كل ذلك الزخم الهائل من الألموالشجب، والاستنكار تبقى حقيقةٌأشدّإيلاماً..اختفاء الرجل السوداني من الساحةواكتفائه بلعب دور المتفرج. وبالرغممنأنالغرضمن هذاالمقالهوتبيان موقفالرجل الآنمنتلكالانتهاكاتوالممارساتاللاإنسانيةالتيتستهدفالمرأةتحتمسمى "عقوبة"، والتيتجريطقوسهافيالميادينالعامةوالأماكنالمفتوحة،إلاأننيقدرأيتُأنأتطرقلتلكالانتهاكاتوالجرائمالتيمُورِسَت أيضاًوتُمَارَسضدالمرأةمنجهازالأمن. ولعلماوردفيالمظلمةأدناهوالتيرفعتهاالصحفية "سميةإسماعيلابراهيمهندوسة"في20 نوفمبر 2012 إلىرئيسالجمهوريةمايُعبّرعماأردتُقوله: "إلى السيد رئيس الجمهورية عمر حسن احمد البشير، أتقدم لسعادتكم بمظلمتي هذي وأعلن لك على الملأأن حقي في عنقك إلى يوم الدين،إن لم تقتص لي من الذين أهانوا آدميتي وإنسانيتي وجرحوني جرحاًأسأل الله أنيساعدني عله يندمل.بدأ الأمر عندما فكرت أنآتي للسودان وأقضي عطلة عيد الأضحى بين الأهل في ربوع الوطن خصوصاً وأنني قد فقدت ابنتي قبل بضعة شهور، وقبلها ابني وقبلهمازوجي. كل ذلك قد حدث خلال "عامواحد". فقررت الحضور علّني أجد سلوى فيوجودي بين الأهل، فحضرت إلى السودان، ولم يدُر بخلدي،أنني سألقى من إذلال،وقمع، وتعذيب، وإهانات وحلق لشعري، وكي في مواضع مختلفة من جسمي بالمكواةوصفعي حتى تأثرت أذني وعيني اليسار. واصبحت تنتابني حالة دوار ما زلتأراجع بسببها الطبيب وغير هذا تمت مخاطبتي بمفردات موغلة في العنصرية وشتمقبيلتي وأصلي… " إلخ. وإذا كانت الصحفية "هندوسة" قد تعرّضت للتعذيب الجسدي والمعنوي جرّاءاقترافها جُرم تعاطي السياسة والانضمام إلى خندق المعارضة، فإن هناك طائفةمن بنات جنسها لا ناقة لهن ولا جمل في كل ما يحدث حولهن. فالسياسة بالنسبةلهن ترف لا مكان له في حياتهن المليئة بالقساوة.وهلهناكأصعبوأقسىمنمصارعةالحياةومناطحةالظروفمقابلدريهماتبالكادتقيمأودأسرةبكاملها.أولئك البائسات هن "بائعات الشاى"..ستات الشاياللاتيما تفتأ سلطات الولاية ومحلياتها تتعقبهن عن طريق تلك الحملات الشرسة (الكشّات) فتراهن يعشن حالة هلع وقلق دائمين، يتوقعن في كل لحظة وفي كل حين، ذلك الهجوم "الهولاكي"، وما يعقبه من مصادرة عدة الشاى والقهوة.وماينجمعنتلكالعمليةمنتكسّرالفناجينوكباياتالشاىوفيالنهايةيُقذَفبالجميع- بالعدةوصاحبات العدة – في البوكس إلى قسم الشرطة حيث تُدفَع الغرامات وتُستكتَب التعهدات، لتعود لعبة الكر والفر من جديد، حيثلايبدوانهناكحلجذريلهذهالمأساة. حاشية: أحد زبائن القهوة يخاطب رفيقه: "ياخي ناس الكشة ديل عليهم جنس حسادة يعني لو أدوا الواحد فَرَقَة ساكتإكمّل فيها فنجانه حق القهوة مع باقي السيجارة دي كان بكلفهم شنو؟" المشهد الثاني: في ذلك النهار القائظ كان هناك جمهورٌ من "الرجال" يعبرون الشارع الإسفلتيويهرولون في عجلة نحو الساحة التي تقع أمام أحد أقسام الشرطة ..هرول هؤلاء القومحتى لا يفوتهم مشهدٌ كان قد بدأ لتوّه..كانت الضحية المنفَذ عليها العقوبة "الشرعية" لا تكاد تستقر على حال، تزحف منمكان إلى مكان، والسياط تنهال عليها من كل جانب..سياط الجلادين..تنزل على رأسها..وجهها..صدرها..ظهرها..ذراعيها..ساقيها..و..آدميتها.الضحية تعوي كعواء جروٍتكالبت عليه الضباع.أحد "المتفرجين" يسأل الواقف بجانبه هامساً: "هى البت دي عملتشنو؟".يجيبه "والله بقولوا أنها زنت..معناها البت دي ما كويسة بتطلع مع الرجال." السائل: "لكن أنا مرات كتيرة لما أكون واقف مستني "الركشة" ولا "البص"،بشوف لىعربيات مدنْكلة سايقنها رجال..العربيات دي بتقيف وتشيل بنات..بنات بشبهن البتالبجلدو فيها دي".ينتهره الاخر قائلاً: "يا غبي ديل بنات ماشات مراكز.."تحفيظ القران". الآخر فاتحاً فمه: "بالله؟ياخي والله ما عارف الحكاية دي فاتت عليّ كيف؟" وتعود"العينان"لجلد الفتاة. وإذا كان المشهد الذي عرضه مقطع اليوتيوب يشير إلى عقوبة قد أصدرها قاضٍ بحق تلك الفتاة باعتبارها "التفاحة الوحيدةالمعطوبة" في مجتمع المدينةالفاضلة، فإن تنفيذ تلك العقوبة قد قيدها الشرع بشروط لا أظن أنأياً منها قد توفرفي تلك المذبحة. أقول،إذا كانت العقوبة أعلاه قد أصدرها قاضٍ، فإن هناك فئةً قد منحتها السلطات تفويضاً استثنائياً كاملاً بإصدار الحكم وتنفيذه دون التقيّد بالمرور عبر الاجراءتوالحيثياتالقانونية -إذا افترضنا أنه يوجد هناك قانون أصلاً -تلك الفئة الباغية من الوحوش الآدمية،هم شرطة النظام العام الذين يصدرون أحكامهم عشوائياً مراتٍوانتقائياً في مراتٍأخرى، وحسب المزاج في أحايين كثيرة. ولا يخلوا الأمر حينئذمن "مساومات"أو"تهديدات مبطّنة"..ولاحولولاقوةإلاباللهالعظيم. المشهد الثالث المشهد الثالثيعرضتنفيذعقوبةجلد"حكم"بهاأحدأفراد شرطةالنظامالعامعلىامرأةٍأوقعها حظهاالعاثرفيطريقه.كانتالمرأة -التيترتديثوباً- تجلسعلىالارضموليةوجههاشطرجدارٍقديمقدتساقططلاؤهولميتبقمنهسوىآثارباهتة.كانتالمرأةتصرخوتولول،فيما "سوطالعنج"، يهبطعليهامنشاهق في ضربات متواصلة دون توقف.ومعكلحركة يخلقهاالألم،ينزلقالثوبمنعلىرأسها،تجاهدلتعيدهالىوضعهالاول ، ربما تحسساً من أعينأبناء العطالة والبطالة والفراغ والفضول الذين تكدسوا أمام بوابةالحوش "مسرح" المجزرة. ومنالمفارقةالعجيبةأنيكونمنبينأولئكالمتفرجين "الرجال" نسوةٌيبدوأنالإحساسبالدونيةقدتجسّملديهنفماعادمثلذلكالمشهديثيرحفيظتهن أوحتىيؤرقهن. بعدأنأنهىالجلادمهمته،وأفرغكلمافيجوفهمنحقدٍوكُرهنحو مجتمعٍقدلفظه،فرمىبهفيصندوقالنفايات،غادرالمكان..غادرالجلادالمكانوابتسامةٌمريضةتلوحفيعينيهالغائرتين..ابتسامةٌأبلغمنكل قول. تخريمة كانت تُسرِع الخُطى نحو موقف الحافلات في طريقها لمكان عملها،عندمامرقمنخلفهاشابٌ،وفي لمح البرق كان الشاب قد انتزع حقيبتها وفر هارباً مطلقاً ساقيه للريح.. ندت عن المرأة صرخةٌمكتومة. تلفتت حولها في جزعٍ، ولكن …الجميع غارقون في حضن اللامبالاة. تشرعفىمحاولةيائسةلِلّحاقبالجاني..تتعثرقدماها ..تتوقفلبرهةٍ ..تلملمأطرافثوبهاثمتواصلسيرهاولكن …منغيرشنطةاليدهذهالمرة !