ابتسامات البرهان والمبعوث الروسي .. ما القصة؟    انتدابات الهلال لون رمادي    المريخ يواصل تدريباته وتجدد إصابة كردمان    مشاد ترحب بموافقة مجلس الأمن على مناقشة عدوان الإمارات وحلفائها على السودان    مركز الملك سلمان للإغاثة يدشن تسليم الدفعة الثانية من الأجهزة الطبية    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    شمس الدين كباشي يصل الفاو    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    بعد أزمة كلوب.. صلاح يصدم الأندية السعودية    الإمارات وأوكرانيا تنجزان مفاوضات اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة    المؤسس.. وقرار اكتشاف واستخراج الثروة المعدنية    القلق سيد الموقف..قطر تكشف موقفها تجاه السودان    الداخلية السودانية: سيذهب فريق مكون من المرور للنيجر لاستعادة هذه المسروقات    مدير شرطة ولاية النيل الأبيض يتفقد شرطة محلية كوستي والقسم الأوسط    السودان..مساعد البرهان في غرف العمليات    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    تدرب على فترتين..المريخ يرفع من نسق تحضيراته بمعسكر الإسماعيلية    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    تجارة المعاداة للسامية    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    سوق العبيد الرقمية!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور محمد شحرور : الجهاد والقتال مفاهيم مغلوطة
نشر في حريات يوم 10 - 08 - 2015


الجهاد والقتال مفاهيم مغلوطة
الدكتور محمد شحرور
ينشغل العالم بمكافحة الإرهاب، وتشن الحروب وتعقد المؤتمرات تحت مسميات عدة، محورها الأساسي هو هذا الهدف، وبغض النظر عن المخططات والمشاريع والمستفيد والمستهدف، نجد أنفسنا كمسلمين مؤمنين بالرسالة المحمدية، معنيين بشكل أو بآخر، كون الإرهاب المقصود إسلامي المصدر، سواء كان هذا القصد في محله أم لا أساس له من الصحة، هذا عدا عن كوننا نحن السوريون لم نخرج بعد من سلطة مستبد أحرق الحرث والنسل، ووجدنا أنفسنا في مواجهة مع أطراف عدة، حولت سورية إلى مستنقع لتصفية الحسابات من كل حدب وصوب، وكل طرف من هذه الأطراف يسمي حربه "جهاداً" ضد "إرهابيين" وقتلاه "شهداء".
اليوم لم تعد الغيرة على النظرة للإسلام فقط هي الحافز لتصحيحها، بل ما آلت إليه حالنا، فالثقافة الإسلامية الموروثة مسؤولة عن أخطاء جمة شائعة في فهمنا لمصطلحات أساسية شكلت وعينا الجمعي، بحيث أصبحنا شعوب تقدس الموت بدل الحياة، وتعتبره غاية يسعد من يصل إليها، في حين أغفلت هذه الثقافة غاية رئيسية من خلق الإنسان وهي حرية الناس في اختيار عقائدهم.
ومن هنا، وانطلاقاً من القناعة بأن التنزيل الحكيم نص مقدس صالح لكل زمان ومكان، كاف وواف وغير منقوص، أكمل الله لنا من خلاله ديننا، علينا البحث فيه عن تلك المفاهيم التي تحرك آلاف الشباب، وتحولهم وفق فهم مغلوط إلى قتلى أو قتلة باسم الله، ونحن آخذين بالاعتبار أن هذا التنزيل يضم بين دفتيه، نبوة محمد (ص) كنبي، ورسالته كرسول، وأن آيات النبوة نص تاريخي، تخص عصرها ونأخذ منها العبر فقط، ولا يؤخذ منها أية أحكام تشريعية، أما آيات الرسالة فتحوي على الأحكام وفيها من المرونة ما يجعلها تتحرك ضمن حدود دنيا وعليا، لتتطابق مع الظروف الموضوعية للمجتمعات الإنسانية، وأن السنة النبوية هي الاختيار الأول للإطار التطبيقي الذي نفذه محمد (ص) تجسيداً للرسالة، من خلال ظروف مجتمعه، لكن هذا الاختيار ليس الأخير، وإنما الواقع الموضوعي هو الذي يفرض تفاعل المسلمين عبر العصور مع كتابهم المرسل من الله تعالى.
ولعل من أشد المصطلحات تعقيداً مصطلح "الجهاد"، إذ صلح عبر مختلف العصور الإسلامية ليكون أداة بيد كل من تسول له نفسه الاستيلاء على السلطة، وشعاراً براقاً يستدرج العديد من المؤمنين ليكونوا قرابين على مذابح لا ناقة لهم فيها ولا جمل، فالجهاد "فعل إنساني واع لا يقوم إلا بطرفين"، ويكون الطرف فيه فرداً أو جماعة، حيث يبذل كل طرف وسعه في مغالبة صاحبه، وهو مصدر من الفعل الرباعي (جاهد) وليس من (جهد) أي أن الألف فيه أصلية إن سقطت اختلف المعنى، وإذ تحول الجهاد إلى جهد عند أهل اللغة، فقد تحول إلى قتال في سبيل الله عند أهل الفقه، فنرى القسطلاني في شرح صحيح البخاري يقول:
"الجهاد في الاصطلاح يعني قتال الكفار لنصرة الإسلام وإعلاء كلمة الله"
في حين نجد التنزيل الحكيم يضع الجهاد في حديث أبعد ما يكون عن القتال:
{وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا} (العنكبوت 8) و{وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا} (لقمان 15)
علماً أن الشرك هو الثبات وعدم التطور، والثبات لله وحده، والشرك المقصود في الآيتين هو طريقة التفكير الآبائية التي يلزم الأهل أولادهم عليها سواء بالمغريات {على أن تشرك} أو بالإكراه {لتشرك بي}، والجهاد في التنزيل الحكيم معناه المشقة لذا هو تكليف {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (المائدة 35)، والتكاليف وفق الاستطاعة {وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} (الأعراف 42)، والجهاد قد يكون معنوياً، فيدخل ضمنه جهاد النفس، أي تدريبها على التحكم بالغرائز والشهوات، أو الجهاد السلمي لنصرة قضية ما، وقد يكون مادياً فيصبح قتالاً، والقتال هو من أكثر أنواع الجهاد ثقلاً على النفس البشرية، لذا قال عنه الله تعالى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ} (البقرة 216)، و"كُره" بضم الكاف من الكراهية، فهو أكره الحلول في تسوية النزاعات، ولا يُلجأ إليه إلا اضطراراً، وباعتباره نوع من الجهاد فهو تكليف أيضاً، وبترتيل الآيات المتعلقة بالقتال في التنزيل الحكيم نستنتج وجوب وجود ما يبرره، فهو إما دفاعاً عن النفس {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ} (البقرة 190)، أو لظلم أو إخراج من الديار {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ* الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ٌ} (الحج 39 -40)، أو إعلاء لكلمة الله في الأرض برفع راية الحرية، أو محاربة الطغيان بكل أنواعه سواء كان مستعمراً داخلياً أم خارجياً {الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً} (النساء 76).
وهنا لا بد من التوقف عند عبارة "في سبيل الله"، فقد وردت في مواضع عدة من التنزيل الحكيم، واقترنت حيناً بالجهاد {لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً} (النساء 95)، وحيناً بالهجرة {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ —} (الحج 58)، وحيناً بالإنفاق {وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ —} (البقرة 195)، وحيناً بالسفر لأغراض متعددة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً} (النساء94)، وحيناً بالقتال {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ —} (البقرة 190).
وفي جميع المواضع لا تخرج عن معنى واحد هو: ضمن طريق الله ومنهجه، وما زال علماؤنا الأفاضل يفهمونها على أساس: من أجل الله وتقرباً له، وهذا معنى مغلوط، لتعارضه مع دلالات الألفاظ، ولأن الله تعالى ليس بحاجة أصلاً لمن يقاتل من أجله، فالإنفاق لا يكون في سبيل الله إلا إذا جرى وفق ما رسمه الله في منهجه الحنيف بعيداً عن التبذير والإسراف، والصدقات بلا من ولا أذى، والسعي لطلب الرزق هو هجرة في سبيل الله إذا التزم الساعي الصراط المستقيم في سعيه، وفي السفر {تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} معاملة الناس بالحسنى، أما الجهاد في سبيل الله فمهما كان نوعه هو للدفاع عن الحرية الإنسانية، وهي كلمة الله العليا التي سبقت لكل أهل الأرض، وهو جهاد مقدس مختلف الأوجه، ابتداءً من الكلمة وانتهاءً بالقتال، وهو نابع عن عقيدة فردية يعبر من خلالها الإنسان عن التزامه بحريته، وحرصه على الدفاع عنها، وعلى الدفاع عن حريات الآخرين المخالفين له، في حال تعرضها للانتهاك والتعدي من قبل الطغيان، وهو قناعة شخصية لا علاقة له بالولاء والبراء، وبهذا المعنى يكون القتال في سبيل الله.
وهناك نوع آخر من القتال المشروع يتعلق بالولاء الوطني للفرد، وهو الدفاع عن الديار، فهو قتال مشروع لكنه ليس في سبيل الله، ودفاع الإنسان عن وطنه هو دفاع عن نفسه وأسرته وأهله {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (الممتحنة 9) فإن كان هذا الاحتلال يمنع الحريات فقتاله بالنسبة للمؤمنين هو في سبيل الله.
وللقتال قواعد، فأنت تقاتل من يقاتلك {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ ولا تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ}، وإن حاول الطرف الآخر وقف القتال فعليك ذلك {وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (الأنفال 61).
وعلينا هنا الإشارة إلى أن كل آيات القتال التي وردت في التنزيل الحكيم لتغطية أحداث جرت في عصر النبوة مثل غزوة بدر وأحد والخندق وتبوك وفتح مكة وخيبر هي قصص محمدي، كقصص نوح وإبراهيم وموسى، تؤخذ منه العبر لا الأحكام، وبالتالي فإن آية السيف {فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (التوبة 5)، تدخل ضمن سياق الحديث عن غزوة تبوك وضمن أحداث تاريخية معينة، أما أن يُتكأ عليها بالقول أنها نسخت كل آيات العفو والصفح، فهذا إجحاف كبير بحق الإسلام ورسالة محمد {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (النحل 125)، عدا عما تحمله فكرة وجود ناسخ ومنسوخ ضمن آيات التنزيل الحكيم من إجحاف أيضاً بحق كتاب الله كله.
ومن ضمن أخطاء الفقه الموروث أيضاً، الخلط بين مفهوم الإرهاب والإرعاب، فتم الاعتماد على الآية {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ} (الأنفال 60)، لإعداد العدة لإرهاب العدو وترعيبه، مما استدعى تسمية الجماعات الإسلامية التي تمارس العنف "الجماعات الإرهابية"، مع أن الأصح هو تسميتها "الجماعات الإرعابية"، لأن الإرهاب في سياق الآية هو من "الهيبة"، فإذا أرادت الدولة أن تكون مهابة عليها أن تستعد عسكرياً، أما الإرعاب أو ما يسمى بالانكليزية "terror" فهو زرع الرعب في قلوب الناس والمجتمع، وهو ما تفعله الأنظمة القمعية أو داعش.
من جهة أخرى يجب الانتباه إلى أمر في غاية الأهمية هو أن كل معاني الجهاد والقتال في التنزيل الحكيم، لا علاقة لها لا من قريب ولا من بعيد بمعنى الشهادة والشهيد، حيث تتطلب الشهادة وجوداً حضورياً لا علاقة له بالموت، والشهيد لا يسمى شهيداً إلا إذا كان على قيد الحياة، وكل ذكر للشهداء في التنزيل الحكيم لا يخرج عن تقديم شهادة {أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ –} (البقرة 133)، {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً –} (النور 4)، أما ما جرى عبر العصور فهو الخلط بين من قتل في سبيل الله وله مكانته {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} (آل عمران 169)، وبين الشهداء الذين وعدهم الله بمكانتهم قرب الأنبياء في الجنة {وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً} (النساء 69)، فالشهداء هنا هم من قدموا شهادة علنية ساهمت في تقدم الإنسانية، كمخترع البنسلين مثلاً، أما القول بأن الشهيد لا يصير شهيداً إلا إذا قتل في أرض المعركة، وأن جسده لا يبلى إلى يوم القيامة، وبأنه يشفع لسبعين من قومه، فهذا هراء من اختراع الفقهاء، ولا يوجد أكبر من خدعة إيهام الناس أنهم إذا قتلوا فسوف يذهبون مباشرة إلى الجنة، لذا أصبحت الحياة في وعينا الجمعي لا قيمة لها، كالحرية تماماً.
ما أريد قوله أن القتال وفق التنزيل الحكيم هو آخر الحلول، ولرفع الظلم لا للظلم، ولإقامة دولة تحترم معتقدات الناس وتدافعهم لا لإكراههم على دين معين، ولنا في قوله تعالى خير شعار {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ} (يونس 99).
(نقلاً عن موقع السوري الجديد 3\8\2015) .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.