لقيام اي مشروع لابد من اجراء دراسة علمية لمعرفة جدواه الاقتصادية مقابل مايصرف عليه من اموال مقارنة بامكانية افضلية خيارات بديلة تكون افيد واجدى من ناحية اقتصادية ولابد من الاخذ في الاعتبار آثار المشروع السلبية على البيئة وعلى مشاريع قائمة سلفا حتى نتوصل الى نتيجة بان خيار قيام المشروع هو الافضل وهذه هي ابجديات قيام اي مشروع ومن هذا المنطلق يتبادر الى ذهننا السؤال البديهي وهو ماهي اصلا اهداف قيام مشروع سد مروي؟ هل هو مشروع لتوليد الكهرباء وتوفير مياه الري لمشاريع زراعية جديدة تدعم الاقتصاد وتوفر حياة كريمة لمواطني المنطقة وتوقف سيل الهجرة الجارف نحو المدن؟ وقد صاحب قيام السد وحتى افتتاحه زخم اعلامي كبير جعل الناس تتفاءل وتعتقد بان قيام السد سوف يجعل من الشمالية جنة الله في الارض وقام السد وكانت اول كوارثه تهجير سكان المناطق التي سوف تتأثر بقيام السد الى اراضي صحراوية تعتبر الزراعة فيها مكلفة فضلا عن ملوحة التربة وحاجتها الى المعالجة المستمرة بالاسمدة مما يزيد تكلفة الانتاج وظهرت مؤخرا مشكلة شح المياه فهجر معظم المهجرين الزراعة وقراهم واصبحوا يبحثون عن اعمال اخري توفر لهم لقمة العيش وكانت الكارثة الاكبر بعد قيام السد وتخزين معدلات كبيرة من المياه بغرض التوليد هي شج مياه الري من النيل في كل المنطقة التي تقع بعد السد حتى حلفا مما اضطر الناس لحفر ابار جوفية لري محاصيلهم والبعض الآخر استعان بطلمبات اضافية(كلتود) لسحب الماء بالمناولة لطلمبات الري ولاشك بان كل ذلك يؤدي الى زيادة التكلفة والجهد وادى كذلك الى هجر الكثيرين للزراعة والبحث عن بدائل اخرى خارج الولاية مما فاقم ايضا من مشكلة توفر عمالة الزراعة وتقلص عدد السكان بالولاية الشمالية ليصبح حوالي 600 ألف نسمة بعدما كان حوالي 2 مليون خلال ثمانينات القرن الماضي اما الكارثة البيئية فماظهر من نتائجها حتى الآن نتيجة للرطوبة هو ما اصاب اشجار النخيل وثماره من امراض لم تكن مألوفة من قبل وربما يخبيء المستقبل مشاكل بيئية اخرى للزراعة والانسان والحيوان لم يضع لها حساب عند دراسة الجدوى واذا افترضنا ان اهداف قيام سد مروي التي يكتنفها الغموض كانت لتوليد الكهرباء والمقدرة ب1250 ميقوات (غير معروف التوليد الفعلي) فهل كانت النتائج المذكورة مأخوذة في الحسبان من اجل 1250 ميقوات فضلا عن التكلفة الكبيرة والتي قيل بانها تجاوزت ال4 مليار دولار والتي كان في الامكان تغطيتها تكلفة لمحطة كهرباء حرارية تنتج اكثر من الكهرباء المنتجة من سد مروي اما اذا كانت عملية قيام ترع على ضفتي النيل لزيادة الرقعة الزراعية من ضمن اهداف قيام السد فلا يلوح في الافق حتى الآن مؤشر لحفر تلك الترع والتي يقال بانها تحتاج الى مبالغ طائلة تزيد عن العشرة مليار دولار بالطبع لايمكن توفيرها في ظل ماوصلت اليه الحال الاقتصادية بسبب الحروب والتخبط والعشوائية في تخطيط السياسات وتحديد الاولويات بسبب سياسة التمكين التي افرغت الخدمة المدنية من الكفاءات واتت باصحاب الولاء وكانت النتيجة مانراه من تردي في كل مرافق الدولة وكل ذلك يدل على ان قيام مشروع سد مروي كان مرتجلا ولم يضع في الاعتبار تلك النتائج المشار اليها والنتائج المستقبلية والتي ربما تكون تبعاتها اسوأ بعد قيام سد النهضة فالزراعة في الشمالية موعودة بشح في مياه الري ظهر مبكرا هذا العام وفي موسم الفيضان بسبب شح الامطار في الهضبة الاثيوبية والتوازن فيما بين تخزين المياه الكافية للتوليد واطلاق المياه لري المحاصيل وسوف يكون الوضع اسوأ خلال اشهر الشتاء والصيف لانحسار النيل الطبيعي ونحن نتحدث عن توطين القمح في الولاية الشمالية وهناك مشاريع تعتبر امتدادات للمشاريع القديمة بالولاية في مناطق مروي والدبة والقولد ودنقلا وحلفا خاصة وتوجد اراضي خصبة لاتبعد كثيرا عن النيل ولكن للاسف فقد صاحبت عملية قيام تلك المشاريع عشوائية متوقعة من اناس غير مؤهلين للاطلاع بعملية التخطيط السليم لقيام تلك المشاريع على الاقل لحل جزء من مشكلة الري بالنسبة للمشاريع التقليدية الصغيرة ولايكف توفير طلمبات الري للمشاريع وللاسف تفتقر تلك المشاريع الي ابسط اسس وقواعد التنظيم والتي تتمثل في وضع نظام لادارتها يتكون من موظفي الحكومة وملاك المشاريع ثم تزويدها بمكاتب فنية في مجال التربة ووقاية النباتات وغيرها من المعينات التي ترشد وتوجه المزارعين للطريقة المثلى للاستفادة من تلك الحواشات مع تزويدها بالتيار الكهربائ وتحسين ترع الري وللاسف فقد اهملت تلك الجوانب ولم تتطور تلك اامشاريع من النواحي الكمية والكيفية والتي كان في الامكان رفد الخزينة العامة والولاية بمبالغ طائلة خاصة والولاية متاخمة لجمهورية مصر العربية التي تحتاج الى الكثير من محاصيل الشمالية من فاكهة وخضر خاصة وقد تم افتتاح الطريق البري مؤخرا ليربط بين البلدين وهناك غياب كامل لدور السلطات المحلية في الناحية الاعلامية لعكس اهمية تلك المشاريع بالنسبة للمستثمرين من ابناء المنطقة خاصة المغتربين والذين لم يسمع معظمهم بتلك المشاريع والتي اصبحت الاراضي فيها مرتعا خصبا للسمسرة تباع وتشترى ومازالت معظم اراضيها غير معمرة مع ان المياه متوفرة ففي مشروع عقبة الكاسنجر بمحلية مروي والذي يعتبر من انجح المشاريع بسبب حسن الادارة هناك مازالت اراضي كثيرة لم تعمر ومن هذا المنبر ادعو كل الاخوة من ابناء المنطقة للاقبال على هذا المشروع لان المياه متوفرة والاراضي خصبة وهي افضل بيئة للنخيل والمانقو والموالح والخضر وتربية الماشية حتى يساهم الجميع في وقف نزيف الهجرة لان الولاية الشمالية موعودة بمستقبل واعد اذا احسن التخطيط وتوفرت الكوادر المقتدرة للقيام بذلك فهيا شمروا سواعدكم ولاتأملوا في فعل حكومي والله المستعان .