وزيرالخارجية يقدم خطاب السودان امام مؤتمر القمة الإسلامية ببانجول    مشار وكباشي يبحثان قضايا الاستقرار والسلام    وزير الخارجية يبحث مع نظيره المصري سبل تمتين علاقات البلدين    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    راصد الزلازل الهولندي يحذر مجدداً: زلزال قوي بين 8 و10 مايو    (تاركو) تعلن استعدادها لخدمات المناولة الأرضية بمطار دنقلا والمشاركة في برنامج الإغاثة الإنسانية للبلاد    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الأحد    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    انتفاضة الجامعات الأمريكية .. انتصار للإنسان أم معاداة للسامية؟    بوتين يحضر قداس عيد القيامة بموسكو    أول اعتراف إسرائيلي بشن "هجوم أصفهان"    "الآلاف يفرون من السودان يومياً".. الأمم المتحدة تؤكد    برشلونة ينهار أمام جيرونا.. ويهدي الليجا لريال مدريد    وفاة بايدن وحرب نووية.. ما صحة تنبؤات منسوبة لمسلسل سيمبسون؟    وداعاً «مهندس الكلمة»    النائب الأول لرئيس الاتحاد ورئيس لجنة المنتخبات يدلي بالمثيرأسامة عطا المنان: سنكون على قدر التحديات التي تنتظر جميع المنتخبات    الجنرال كباشي فرس رهان أم فريسة للكيزان؟    ريال مدريد يسحق قادش.. وينتظر تعثر برشلونة    الأمعاء ب2.5 مليون جنيه والرئة ب3″.. تفاصيل اعترافات المتهم بقتل طفل شبرا بمصر    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة لها مع زوجها وهما يتسامران في لحظة صفاء وساخرون: (دي محادثات جدة ولا شنو)    شاهد بالصور والفيديو.. رحلة سيدة سودانية من خبيرة تجميل في الخرطوم إلى صاحبة مقهى بلدي بالقاهرة والجمهور المصري يتعاطف معها    غوارديولا يكشف عن "مرشحه" للفوز ببطولة أوروبا 2024    ريال مدريد ثالثا في تصنيف يويفا.. وبرشلونة خارج ال10 الأوائل    تمندل المليشيا بطلبة العلم    ((كل تأخيرة فيها خير))    الربيع الامريكى .. الشعب العربى وين؟    الإتحاد السوداني لكرة القدم يشاطر رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الأحزان برحيل نجله محمد    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    مستشار سلفاكير يكشف تفاصيل بشأن زيارة" كباشي"    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    قائد السلام    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    العقاد والمسيح والحب    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التحالف القضائي للحصانة المطلقة والنجاة من العقاب!!
نشر في حريات يوم 25 - 04 - 2017

تداعى إلي الخرطوم في مفتتح شهر إبريل الجاري رؤساء القضاء في الدول الإفريقية لمؤتمر خاطبه رئيس دولة المؤتمر الوطني وانتهى في مخاطبته إلي الدعوة لتحالف قضائي إفريقي. و حول ذاك المؤتمر أجرت الأستاذة لينة يعقوب حواراً في إحدى الفضائيات السودانية مع زميلة المهنة والدراسة سعادة )مولاتنا( القاضية سوسن سعيد شندي، لها التحية والاحترام. تركز حوار التلفزيوني المذكور على أهداف لقاء القضاة المؤتمرين في الخرطوم، و تميزت أسئلة المحاورة النابهة في بالموضوعية و العمق والرصانة. و قد فطنت إلي غرابة شعار المؤتمر (التحالف القضائي) فسألت ضيفتها عن المقصود بالتحالف القضائي بحسبان أن لفظة التحالف، كما أشارت محقة، أقرب إلي دلالة الفعل السياسي منه إلي دلالة الفعل القضائي. فنفت "مولاتنا" سوسن شندي قصد دلالة التحالف المتبادر إلي الذهن للوهلة الأولى، و– بحسها المهني – أوضحت لمضيفتها بأن المرتجى هو وقوف القضاة على تجارب بعضهم البعض و تبادل الخبرات النظرية والتطبيقية فيما بينهم، لترقية وتطوير المهنة … إلخ. وهو أمر مشروع ومطلوب بالطبع. و يجدر بي ذكر أن التشديد على لفظ التبجيل "مولاتنا" مقصود بقرينة تمسكي به، استقباحاً و استنكاراً للفظ التذكير "مولانا" المستخدم، رغم استبطانه الانتقاص من حقوق النساء و انطوائه على استكثار حقهن في ولاية الوظائف العامة ومنها القضاء بدلالة مخاطبة الواحدة منهن بلفظ ينفي كينونتها الجندرية، و في تقديري أنه مستفز و مشحون بعنف معنوي، بل يعتبر (نابي) عند إطلاقه، على من تشغل كرسي القضاء من النساء.
بيد أن فرط احتفاء أبواق دعاية النظام الإعلامية، بالمؤتمر القضائي، و مدى تكثيفها الدعاية له على شاشات تلفزة فضائياتها الحزبية المعلومة، مصحوبةً بإعلان من سيخاطبون جلسته الافتتاحية، قد أثار ظنون وهواجس و شكوك المراقبين الخبيرين بسلوك حكام السودان اليوم، المعروف بنزوعه دائماً لدس وإخفاء خبث نواياه و أهدافه التآمرية، تحت ركام فرقعات التهريج الغوغائي، وصخب ضجيج الخطب الإنشائية عديمة المعنى. و كمواطن و مهني معاً، معني بأمر تطبيق القانون و حسن أداء الجهات المختصة بتدابير إدارة العدالة، بالدرجة الأولى، تساءلت أولاً: عما إذا كانت الهيئة القضائية السودانية هي حقاً الداعية لانعقاد مثل هذا المؤتمر ؟؟. وثانياً: عما ترومه فعلاً بالدعوة لمثله و ما تقصده بشعاراته؟؟. و لم يطل عجبي كثيراً، فسرعان ما بطل مفعوله، بمجرَد معرفة السبب، وذلك حين دعا رئيس دولة المؤتمر الوطني، المؤتمرين عند مخاطبته جلستهم الافتتاحية، لضرورة تأسيس محكمة عدل افريقية بديلة للمحكمة الجنائية الدولية، التي وصفها بأنها أداة استعمارية!!. اذن فالمحكمة الجنائية الدولية، هي مربط فرس، الداعين للمؤتمر، سواء كانوا، سياسيين متنكرين، في ثياب قضاة، أم العكس. و هب أننا قبلنا افتراضاً حجة أن المحكمة الجنائية أداة استعمارية فكيف يريد صاحبها اقناعنا بتطهره من التعامل مع أدوات الاستعمار ونظامه يولى وجهه شطر مركز الاستعمار نفسه (أمريكا و وكالة مخابراتها المركزية)، وتحج وفوده إلي عاصمته ليل نهار؟! و لا تدري إذا كانوا يعتبرون مثل هذا الحج أداة تقرب إلي الله!!
في تقديري أن ما ترومه الشعوب الإفريقية في القضاء، سواء كان وطنياً أو دولياً، هو العدل والحيدة والاستقلال والاستقامة والنزاهة، والالتزام الصارم بحكم القانون ومرجعيته، وخضوع الجميع له على قدم المساواة دون تمييز. ولا شك أن انعقاد المؤتمر في بلد هو صاحب أسوأ سجل في انتهاكات حقوق الانسان، وفريد و لا مثيل له، في تسيس كامل جهاز الدولة بشقيه العسكري والمدني بما في ذلك الأجهزة العدلية ينفي نفياً قاطعاً أن يكون انعقاد المؤتمر لأي مما ترومه شعوب اقريقيا. و من حيث العموم، فإنه ليس من المتوقع في ظل أنظمة الحكم الإفريقية السائدة الأخرى والقائمة أغلبها على القهر والاستبداد والطغيان والفساد، أن يسمح قادتها بنشوء إدارات قضائية عادلة ومحايدة و مستقلة ونزيهة، وهذا ما يغري سماسرة نظام الخرطوم لشراء ذمم رؤساء القضاء الأفارقة، إذا ما استطاعوا لذلك سبيلا، في صفقة شبيهة بشرائه قادتهم السياسيين لتسخيرهم لخدمة مصالحه و مواقفه السياسية الداخلية والخارجية.
بيد أنَ ما فات على نظام الخرطوم هو أن تحكم وطغيان تلك الأنظمة لا ينفي وجود قضاة أفارقة شجعان وذوي ضمائر حية و استقامة مهنية و خلقية رفيعة تدفعهم إلي التمسك بقيم العدل و سيادة حكم القانون واستقلال القضاء في كل الأحوال ومهما كلفهم ذلك من ثمن وتضحيات. و تُعول شعوب افريقيا، التواقة إلي العدل والنصفة والمساواة، على أمثال هؤلاء – ونماذجهم هم قضاة جنوب إفريقيا وكينيا ونيجيريا وبوركينافاسو غيرها – و هم بالطبع غير القضاة صنائع أنظمة الاستبداد والظلم و القمع الذين ارتضوا أن يكونوا أدوات في أيدي أولياء نعمتهم الحكام (محض رقيق مهني مجلوب) في سوق النخاسة ومعروض للبيع والشراء، و مبذول (برخصة التراب) لمن يدفع أكثر، و هم من يعول عليهم الحكام الطغاة لا الشعوب التي علمتها التجارب ألا ترمي بسهم أفوق ناصل أو تراهن على الجواد الأخسر.
طعن بعض الحكام في المؤسسات العدلية الدولية عامة، والمحكمة الجنائية الدولية خاصة، و اتهامها بعدم الحياد و بالانحياز إلي أجندة سياسية و غيرهاً، ليس جديداً. وبما أن المؤسسات العدلية الدولية هي جزء من أجهزة منظمات الرقابة الأممية، فإن من حق الشعوب – لا الحكام الضالعين في تسيس قضاء بلادهم – أن تطالبها بل وتلزمها بالحيدة والنزاهة والاستقامة، والتجرد لمحض خدمة متطلبات العدالة والانصاف دون أدنى درجة من الخضوع لاعتبارات فكرية أو معتقدية أو مذهبية أو سياسية. و تعرف الشعوب جيداً أن نوايا ومقاصد الحكام الطاعنين في نزاهة الجنائية ليست خالصة لسيادة حيدتها والنزاهة و استقلالها و عدالتها بل لالتماس الحصانة من المساءلة، كما أسلفنا القول. ولذلك فإن طعنهم بعدم الاختصاص أو التسيس وفقدان الحياد هو رد فعل لمجرد اتهامها لهم بالتجاوزات والانتهاكات الفظة لحقوق بعد أن طالتهم يد العدالة الدولية. علاوةً على ذلك فإن الطاعنين أنفسهم ضالعون في تسيس أجهزة القضاء والعدالة في بلادهم. و إذا أخذنا دولة المؤتمر الوطني مثالاً فإن خضوع إدارة القضاء والنيابة العامة للنظام الحاكم وتنفيذها لمشيئة و رغبات جهازيه السياسي والتنفيذي مما سار بخبره الركبان و لا سبيل لإنكاره أو نفيه. و يكفي أن قد أعلنته من قبل لجنة شكلها النظام بنفسه برئاسة تابو مبيكي. وكان ذلك حينما اضطر رئيس دولة المؤتمر الوطني، بعد طول إنكاره و نفيه المتطاول لوقوع تجاوزات ومجازر في دارفور، لتشكَيل لجنتين بدعوى التحقيق و التحري في جرائم وفظائع دارفور، إحداهما برئاسة رئيس القضاء الأسبق مولانا دفع الله الحاج يوسف، والثانية برئاسة رئيس جنوب إفريقيا الأسبق تابو مبيكي، فتوصلت اللجنتان إلي نتيجة واحدة هي ثبوت وقوع جرائم وفظائع في دارفور، لذا انتهتا إلي توصيات بتقديم المسئولين عنها إلي المحاكمة والمحاسبة. و ذهبت لجنة تابومبيكي لأبعد من ذلك فوصت بتكوين محاكم هجين من قضاة سودانيين و أجانب وسببت ذلك بأن قضاء السودان فاقد للحياد بسبب خضوعه للسلطة السياسية والتنفيذية. و ثبت عملياً ما ذهبت إليه لجنة مبيكي عملياً فلم تطل المحاكمة و الجزاء أحدا من المسئولين عن قتل آلاف المواطنين، وبدلاً من تقديم الضالعين في التجاوزات التي رصدتها اللجنتان، درج النظام لمحض ذر الرماد في العيون، على إعلان تشكيل نيابات ومحاكم، بين الفينة والأخرى، ليس لمحاكمة من زهقوا أرواح المواطنين، بل لمحاكمة أفراد وعصابات نهب وقطع طريق واتجار بالبشر وسرقة مواشي أو خطف مواطنين أو أجانب لابتزاز ذويهم بمطالبتهم بدفع الفدية… إلخ.
لم يعرف السودان في تاريخه من قام مثل حكام الخرطوم اليوم بتسيس كامل جهاز الدولة بما في ذلك القضاء. و من العار – بمعيار الانسان السوي الذي يستحي من أن يلحق بنفسه النقص و الصغار – أن تعيب وتستنكر على الآخرين سلوكاً، تداوم على فعله أنت بنفسك ليل نهار. وهو ما نهت عنه عبارة بسيطة مأخوذة من حكمة شاعر عربي قال:
لا تنه عن خُلقٍ وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم
و من حيث مبادئ العدل و الانصاف فإن أبسط قاعدة في مبادئ الانصاف والعدالة والوجدان السليم، الذائعة في القانون العام، تقرر أنه لا يجوز لمن كانت يده ملوثة بآثامه أن يلجأ إلي حماية العدالة و الانصاف، و تقرأ في أصلها الانجليزي: (He who comes to equity must come with clean hands ) و ترجمتها هي (أنه يجب على من يلجأ لقواعد الإنصاف والعدالة أن يأتيها بأيدي نظيفة).
أسفر دستور السودان الانتقالي لسنة 2005م عن وثائق برتوكول مشاكوس و اتفاقية نيفاشا و الموضوعة و المجازة كلها بواسطة النظام الحاكم في السودان اليوم لمفرده، ( إذا أخذنا في الاعتبار أن الحركة الشعبية، شريكته في صنعه وإجازته قد انفصلت بجنوب السودان عام 2011م)، وقد انتهى إلي صفقة تحاصص بموجبها طرفا الاتفاقية حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان (الأصل) السودان أرضاً وحكماً وثروةً وموارداً و وظائفاً بنسب اتفقا عليها في نصوص الدستور المذكور، شكَلت أبرز نقاط عيوبه وقصوره الكثيرة. و رغم ذلك فلا ننكر أن دستور 2005م قد اشتمل على باب كامل عرف بوثيقة الحقوق لا مثيل له في تاريخ التشريع الدستوري في السودان، من حيث كفالته نظرياً أفضل الحقوق الدستورية والقانونية، كما نص في ختامه على الزامية الأخذ بكل المعاهدات والوثائق الدولية الكافلة و الحامية لحقوق الانسان. ومع ذلك فإن الحقوق الدستورية المكفولة بموجبه، وقعتْ منعدمة الأثر عملياً، و ظلتْ ملغية في التطبيق، إلغاءً مطلقاً، بفعل فاعل هو النظام الحاكم، ليس هذا فحسب، بل هي مجرَمة – ويتعرض كل من تسول له نفسه التمسك بتلك الحقوق لأقصى درجات العنف، بما في ذلك إطلاق النار الحي على مقاتله بقصد محق حياته. فمصير من يتمسكون بحق التظاهر والتعبير عن رفضهم سياسات النظام هو محق حيواتهم بواسطة مليشيات حزبية قتلت طلاب و مواطنين بعد أن اختطفتهم بليل من جامعاتهم ومعاهدهم و من مساكنهم ومن شوارع المدن كما أطلقت الرصاص الحي لحصد أرواح متظاهرين سلميين في أمري و الحامداب والمناصير وكجبار وفي الخرطوم في هبة سبتمبر 2013م. و كل ما تقدم ذكره أصبح من البديهيات التي يمكن أن تأخذ به أية محكمة في السودان، او غيره، علماً قضائياً (Judicial Notice) دون أي حرج أو تردد. و أخذ العلم القضائي ( Taking of Judicial Notice) مبدأ معروف في أحكام وفقه قانون الإثبات السوداني استمده من نظريات القانون العام (الأنجلوساكسوني) و مفاده أن المحكمة لا تحتاج لتلقي البينات حول وقائع ظاهرة و معروفة بداهةً. وتماثلها في البداهة كل وثائق برتوكول مشاكوس واتفاقية نيفاشا ودستورها الانتقالي لسنة 2005م والتي قد تداولتها الدوريات الدولية والاقليمية بل وشاركت في مفاوضاتها المنظمات الدولية والافريقية وممثلين للدول الإفريقية التي شارك قضاؤها في المؤتمر. و لذا فمن العسير على المرء، أن يُصَدِقَ جهل رؤساء إدارات قضاء إفريقيا المؤتمرين في الخرطوم بمحتوى و مضمون تلك الوثائق الدستورية، وأن يُصَدِقَ جهل رؤساء إدارات قضاء إفريقيا المؤتمرين في الخرطوم بسجل نظام السودان في تجاوزات القانون و انتهاكاته الفظة لأبسط حقوق الانسان و حجره و مصادرته الحقوق المنصوص عليها في وثيقة الحقوق في دستوره.
فإذا كان النظام بهذا القدر من عدم احترام دستوره و المواثيق الدولية الكافلة والحامية لحقوق مواطنيه، وكان حريصا كل هذا الحرص على اضطهادهم و إذلالهم بانتهاكاته الفظة لحقوقهم الأساسية، لدرجة استرخاص حيواتهم، والترخص في إزهاق أرواحهم لأتفه الأسباب و فيما (لا يستحق قتل خروف) فما الذي يجعل قضاة إفريقيا يأتمرون في عاصمة بلد أقر رئيسه بسقك دماء بعض بنيه فيما لا يستحق سفك دماء حيوان ذبيح؟؟!. وما الذي يجعلهم يهرعون لبلد حازت تجاوزات حكامه قصب السبق طوال ثمانية وعشرين عاما في أجندة كل المنظمات الدولية المعنية بحقوق الانسان؟!. وما الذي يجعل قضاة إفريقيا يهرعون إلي بلد أقرَ قضاته، علانيةً و على رؤوس الأشهاد، بعجزهم عن اخضاع أجهزة دولته ومسئوليه لسلطته الرقابية ناهيك عن إخضاعهم لولايته القضائية و تطبيق القانون عليهم؟!. و هل سأل المؤتمرون من قضاة إفريقيا أنفسهم قبل أن يأتوا لمؤتمرهم في الخرطوم عما الذي أوقع مسئولي السودان في حبائل المحكمة الجنائية الدولية؟؟!. أفلا يعلمون أن مسئولي دولة المؤتمر الوطني، يعتصمون بحصانة مطلقة تجعلهم فوق القانون و لا يخضعون له مهما ارتكبوا من جرائم و فظائع و كبائر و موبقات؟؟.
و يلحظ أن مسئولي النظام السوداني المتهمين دولياً بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية و أفعال إبادة جماعية و تطهير عرقي و اغتصاب، وغيرها من الفظائع في إقليم دارفور وإصدار أوامر قبض في حقهم في العام 2009م لم يتقدَموا أصالةً أو وكالة، منذ اتهامهم وحتى اللحظة بأي دفع موضوعي وقائعي أو قانوني، يتعلق بدحض ونفي وقائع الأفعال المنسوبة إليه بل تركز كل ما أثاروه من دفوع على دفع يتيم إجرائي شكلي ملخصه أن السودان لا يخضع لولاية المحكمة بحسبانه لم يوقع على ميثاق ولم يصادق عليه ويخلص إلي أنها غير مختصة بمحاكمة المتهمين السودانيين. و يفهم ممن يثير مثل هذا الدفع عدم ، بأسبابه وأسانيده اُقِراره ضمنياً خضوعه للقضاء المختص، وطنياً كان أم أجنبياً، و لكن ما نراه هو أنه يتمسك بدفعه، على ضعفه و تهافته وعواره، و يبذل ما استطاع من قوته ونفوذه وجهوده لحجب ولاية القضاء الوطني المختص، ويحول بذلك دون محاكمة المتهمين بالمخالفات والتجاوزات أمام القضاء الوطني المختص، مستغلاً ومسخِراً سلطاته المطلقة. ولا يستنتج من ذلك إلا أمرٌ واحد، هو أنه يقصد بدفع حجب اختصاص الدولية، حجب اختصاص أية محكمة أخرى أيضاً. إذن فهو دفع بحصانته المطلقة، و بالتالي فإنه يعتبر نفسه غير محكوم بأي قانون، محلي أو دولي، و من ثم، غير خاضع لأية سلطة قضائية، محلية كانت أم دولية، و مفاد ذلك، هو أنه يرى نفسه فوق القانون و أنه معفي تماماً عن تبعات أعماله بالمطلق، فلا يسأل أو يحاسب أبداً. وهكذا فإن (الذي يكذب بالدين) يخالف صريح نص الحديث النبوي الشريف (والله لو أن فاطة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) ليس هذا فحسب، بل يضع نفسه فوق مرتبة الرسول عليه الصلاة والسلام الذي لم يدع حصانة بل طالب في المسجد من له مظلمة من المسلمين ضده بالقود منه وأرسل سيِدنا بلال لإحضار السوط من بيت السيدة فاطمة بنت سيِدنا محمَد رسول الله (ص).
منذ العام 2003م، تصدرت تفاصيل تجاوزات النظام السوداني و جرائمه و فظائعه التي ارتكبها ضد شعبه عموماً وفي دارفور خاصةً، أبرز عناوين الأخبار في وسائط الميديا المقروءة والمشاهدة والمسموعة، وتضمينها في كل تقارير و اصدارات ونشرات المنظمات الدولية، المعنية بالحقوق عامةً، حتى صارت في علم كافة المهتمين بالشأن العام ناهيك عن الحقوقيين المتخصصين كرؤساء القضاء الأفارقة. و من فرط ذيوع و انتشار أخبار تلك التجاوزات يستعصي علينا أيضاً، فهم و استيعاب الافتراض بأنها خافية على قضاة إفريقيا. و يضاف إلي ذلك أن القاصي و الداني، يعلم اليوم، أن الحكم القائم في السودان منذ 30 يونيو 1989م هو النقيض المطلق لمبادئ العدالة والمساواة و سيادة حكم القانون و أنه ينتهك قواعد الفصل بين السلطات و ضمان استقلال القضاء على مدار الساعة و يهدر أبسط حقوق الانسان بإصراره على تطبيَقَ نظام صارم للتمييز الأيديولوجي لا يقل سوءا أو بشاعة عن نظام التمييز الديني والعنصري القائم في إسرائيل اليوم أو نظام التمييز العرقي الذي كان سائداً في جنوب إفريقيا قبل إلغائه في عام 1990م، قسم بموجبه السودانيين إلي فئتين: الأولى هي منتسبي الحزب الحكم ومؤيديه و رغم أنهم أقلية، لا تتجاوز في أفضل الفروض، ثلاثة في المائة "3%" من تعداد السكان فإنهم يحتكرون بقوة السلاح كل السلطة والثروة والوظائف العامة، و يتمتعون علاوةً على ذلك بأكثر من الحقوق الأساسية مع ضمانة الحصانة عن الخضوع لحكم القانون. و الثانية وهي أغلبية الشعب السوداني التي كتب عليها بموجب قانون ترسيخ الأبارتايد الأيديولوجي هذا تحمل كافة التزامات و واجبات المواطنة مع تجريدها من أبسط حقوقها حتى أصبح أفرادها أغراباً و أجانب في بلدهم. وهي الظاهرة التي لم يألفها شعب السودان حتى عندما تسلط عليه حكم الأجنبي.
إن على رؤساء القضاء في إفريقيا، من كل بد، أن يسألوا أنفسهم، هل يأتمرون في الخرطوم لمناصرة مثل هذا النظام و مؤازرته لتمكينه من المزيد من اضطهاد وقمع الشعب والتنكيل به وهروب الجناة بعد ذلك، بفظائعهم من المساءلة والمحاسبة أمام أجهزة العدالة الوطنية والدولية؟؟. إذن فليعلموا اليوم قبل الغد، أن شعب السودان الذي مد أياديه البيضاء لكل شعوب إفريقيا وتضامن معهم ضد مستعمريهم في مرحلة التحرر الوطني، ثم ضد حكامهم الطغاة، وناصر حقوقهم في العدل والعيش الكريم سوف يرصد كل من أعان جلاديه – فرداً كان أم جماعة – و سيجعله يدفع الثمن غالياً و يحاسبه حسابياً عسيراً ويعاقبه جزاء وفاقاً لما ارتكبت يداه الآثمتان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.