أعلنت الحكومة المصرية أنّ القوات الجوية المصرية حلقت مساء أمس فوق سماء مدينة درنة الليبية وقصفت مجموعة من المواقع والمعسكرات التابعة ل«تنظيم الدولة الإسلامية» في ليبيا، ردًّا على الحادث الذي تعرضت له حافلة كانت تقلُّ مجموعةً من الأقباط في مدينة المنيا المصرية، عندما اعترض مسلحون الحافلة وأطلقوا الرصاص على كلّ من فيها بعدما أجبروهم على نطق الشهادتين. في الحقيقة ليست هذه هي المرة الأولى التي يرتبط فيها اسم ليبيا بحوادث «إرهابية»، حتَّى وإن كانت الحكومة المصرية لا تعطي أدلة صحيحة أو صريحة بشكلٍ علنيّ على أن من ذبح المسيحيين المصريين في ليبيا العام الماضي أو من نفذ حادثة المنيا هذا العام على علاقة بتنظيم «داعش» في ليبيا، فهناك الكثير من الهجمات الإرهابية التي أثبت أن من نفذوها تلقوا تدريبات قبلها في ليبيا. ليبيا.. قاعدة داعش للتخطيط لعملياتها ثلاث حوادث إرهابية استهدفت أبرياء في ثلاثة أماكن متفرقة في العالم «سوسة، وبرلين، ومانشستر» كان بين تلك الحوادث رابط مهم؛ جميعها خُطِّط لها في ليبيا. فتح «صفي الدين رزقي» النيران على مجموعةٍ من السياح في أحد الشواطىء الخاصة بمنتجع سياحي في مدينة سوسة التونسية، لتنتهي العملية بسقوط 38 شخصًا. كانت الحادثة في يونيو (حزيران) عام 2015 أي بعد 5 أشهر من تسلُّل صفيّ الدين الحدود التونسية الليبية من أجل أن يصل إلى أحد المعسكرات التدريبية التابعة ل«داعش» في مدينة صبراتة الليبية، وكان ذلك في يناير (كانون الثاني) من نفس العام، ومن المؤكد أن صفيّ الدين تدرَّب على كيفية حمل واستخدام الرشاش الآلي بشكلٍ جيد، حيث إنه لم يستغرق الكثير من الوقت حتى يتمكن من إصابة عدد كبير من السياح في الحادثة. في 17 يناير (كانون الثاني) عام 2017، نفَّذت القوات الجوية الأمريكية غارة جوية على معسكر تابع لتنظيم الدولة غرب مدينة سرت الليبية، وفي مؤتمر صحفي بعد العملية أعلنت الولاياتالمتحدة أنَّها فجرت هذا المعسكر لأن له علاقة بحادث برلين حيث قام قائد شاحنة يدعى «أنيس عامري» بدهس مجموعة أشخاص داخل إحدى أسواق الكريسماس بمدينة برلين الألمانية يوم 16 من ديسمبر (كانون الأول) عام 2016، وقالت السلطات الألمانية إنَّها بعد أن تفحَّصت هاتف أنيس عامري وجدت أرقام تواصل معها أنيس من ليبيا من خلال تطبيق سري على الهاتف، وفي وقتٍ لاحق قالت السلطات الألمانية إنَّ بعضًا من أقارب رفيق أنيس عامري في السكن انضموا لداعش في سورياوالعراق وليبيا. بعد يومٍ واحد فقط من عودته من ليبيا؛ فجَّر «سالمان عابدي» نفسه في حفلة مطربة البوب الأمريكية أرينا في مدينة مانشستر البريطانية، ولم تكن هذه المرة الأولى التي يذهب إليها سالمان إلى ليبيا؛ فقد سافر إلى هناك في عام 2011 أثناء اشتعال الأمواج الأولى للثورة الليبية، ولكنه لم يمكث هناك كثيرًا وعاد إلى بريطانيا، وفي عام 2014 عاد مرة أخرى سالمان في بداية تكوين داعش في ليبيا وحارب معهم إلى أن أُصيب وسافر إلى تركيا لتلقي العلاج. وبعد تنفيذ حادثة مانشستر بيومين قُبض على «هاشم عابدي» شقيق سالمان الأصغر في طرابلس، فقد اشتبهت فيه السلطات أنّه جاء إلى ليبيا كي يتدرَّب على تنفيذ عملية مسلحة أخرى، وبعد القبض عليه اعترف بهذه التهم كما اعتراف أنَّ أخيه قدم إلى ليبيا لكي يتدرب على كيفية صناعة القنابل التي استخدمها في تفجير نفسه داخل حفل مانشستر. ما هي «قوَّة» داعش في ليبيا؟ أصبحت ليبيا مؤخرًا مقصدًا لأبناء التنظيم، وذلك بسبب تعرض التنظيم لخسائر كبيرة في سورياوالعراق، كما يُشجِّع التنظيم الذين يريدون الانضمام إليه من خارج سورياوالعراق أن ينضموا إلى داعش في ليبيا، مما قد يُلهم أنّ ليبيا هي خطة التنظيم القادمة في حالة خسارتهم الموصل والرقة في العراقوسوريا. لا توجد إحصائيات مُتفق عليها تدلُّ على الرقم الحقيقي لمحاربي «داعش» في ليبيا، الأممالمتحدة تقول إنَّ عدد الذين يقاتلون تحت رايته من ألفان : 3 آلاف مقاتل، وطبقًا لمصادر فرنسية هناك ما يقرب من10 آلاف محارب لدى التنظيم في ليبيا، بينما الولاياتالمتحدة تقول إنهم من 5 آلاف : 6 آلاف مقاتل فقط. تختلف تلك المصادر في أرقامها لعدَّة أسباب أهمَّها أنَّ كثيرًا من المُنتمين للتنظيم في ليبيا هم فقط في محطة إعداد قبل أن ينضمُّوا إلى التنظيم في سوريا أو العراق، أو بعضهم هناك للتدريب على تنفيذ عمليات في أوروبا وفي بلاد المغرب وهذا بسبب موقع ليبيا المُتميّز الذي جعلها في القلب بين الدول العربية التي تناهض حكومتها تنظيم الدولة، وتقع على ساحل البحر الأبيض المتوسط على بعد 200 ميل فقط من دول الاتحاد الأوروبي. وساعدت حالة الفوضى السياسية التي تمرّ بها ليبيا «داعش» في النمو، فبعد سقوط القذافي أهمل النظام السياسي الحاكم مدينة سرت -مسقط رأس القذافي- وبعض القرى المجاورة لأنَّها لوقت قريب كانت تقع تحت سيطرة مجموعة من القبائل التي كانت موالية للقذافي في حكمه وأثناء الثورة، وفي 20 فبراير (شباط) 2015 أعلن تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا السيطرة على مدينة سرت، ولم يكلفهم هذا الكثير من الوقت لأن المدينة لم تقاوم زحف التنظيم كثيرًا، وبعد هذا الانتصار سيطر التنظيم على بعض القرى المجاورة لمدينة سرت بسهولة، مثل مدينة هراوة التي فضلت الاستسلام عن بحور الدم التي قد تحدث في حالة مقاومتها. انضم لداعش في ليبيا واحصل على ألف دولار أمريكي على خطى معمَّر القذافي، يجند تنظيم الدولة في ليبيا مرتزقة من دول تشاد والسودان ومالي، مقابل أن يحصل الجندي على 1000 دولار، وهؤلاء الجنود قد يعملون في بلادهم يومًا كاملًا مقابل دولار واحد، وبالتالي ألف دولار قد تكفيهم لمدة عام كامل أو أكثر. ويحاول التنظيم أيضًا تجنيد الشباب والمراهقين من ليبيا وتونس، حيث إنَّ التنظيم يصدِّر فيديوهات دعائية يدعو فيها هؤلاء الذين لا يملكون وظيفة لكسب رزقهم كي ينضموا إلى تنظيم الدولة في ليبيا، من أجل أن يدافعوا عن الإسلام وفي نفس الوقت كي يحصلوا على أموال كثيرة في المقابل. وفي عام 2015 زارت وكالة CNN الإخبارية مدينة القصرين التونسية القريبة من ليبيا، والشهيرة بارتفاع معدَّلات البطالة والفقر، وبعد الاستقصاء وجدوا أن هناك مسجدًا صغيرًا في المدينة اسمه «شارع الجهاد»، ووجدوا أن هذا المسجد ما هو إلا مركز سري لتجنيد الشباب صغار السن وإرسالهم إلى ليبيا حتى ينضموا إلى تنظيم الدولة. محمد صلاح عبد الجواد – ساسة بوست.