لن أنسى أبداً منظر جدة إحدى زميلاتنا ونحن في منتصف المرحلة الإبتدائية وكنا مقبلين على إمتحانات آخر ذلك العام .. وهي تعيد الى حفيدتها حزمة الأقلام التي عادت بها مكسورة الخاطر وقد كانت حملتها لتقدمهاالى شيخ الطريقة في القرية المجاورة لنا ليقرأ عليها حتى تضمن نجاح تلك الزميلة التي لم تكن مستوعبة إلا لما ظنته بل وتيقنت إنه هوالفعل الضامن لنجاحها ..ولكن الجدة صدمت بما سمعته من الشباب الساخرين وقد أخبروها عند مدخل القرية بأن أبناء وبنات الشيخ نفسه كانوا قد رسبوا جميعا في آخر إمتحان ! كان ذلك الدرس الأول لنا لنتعلم منه أن النجاح يأتي بالإجتهاد ومن ثم التوفيق من الله ..وهكذا وعندما تقدمت بنا الحالة الدراسية في مراحلها العليا ..كنا نقودحملات توعية وسط أمهاتنا و نساء المنطقة بعدم التعويل على أناس هم في النهاية بشر مثلنا ..وإن كان فيهم صلاح فهو لأنفسهم وغيرذلك من حرب شعواء اشعلناها شبابا وشابات ولم تكن تخلومن الإصطدام بسطلة الكبار الذين يصفوننا بالمساخيط ويتوعدوننا باللعنة إذا ما غضب علينا أولئك من كانوا يسمونهم باولياء الله الوارثين للسر الباتع أباً عن جد وهو ما تشهد له كل القباب المنتصبة هنا وهناك! كانت تلك المبادرات قبل عقود ولو أنها أخذت مداها في نشر الوعي دون عرقلة أو إستنكار وتثبيط لتغيرت الكثير من المفاهيم والمعتقدات المغلوطة في مجتمع أنشبت فيه أظافر الجهل وترسخت فيه الى درجة أن الكثير من الشباب أنفسهم جنحوا بكل اسف الى التبطل تحلقا حول كل من يدعي أنه يملك من المقدرات و الكرامات وتحقيق المعجزات الكثير وهوفي حقيقته لا يستطيع قراءة القرأن بصورة صحيحة وليس لديه حصيلة من المعرفة إلا بمقدرا ما يشاع حوله من أكاذيب تُحكى بالوكالة والعنعنة لنحت ذلك الوهم الكبير في أذهان السذج والجهلة بل وبكل اسف وسط بعض المتعلمين.. والأدهى و الأمر أن الحكام انفسهم باتوا يلجأون الى الدجالين والمشعوذين لتحصين سلطتهم بالباسهم خاتما سحريا أوتمليكهم عصاة واقية! وقدتجلى ذلك الآمر في السنوات الأخيرة على سبيل المثال من حكم الرئيس الراحل جعفر محمدنميري الذي فتح بوابات سلطته لهؤلاء الذين نافقوه بما يطربه من القول وهم يحدثونه بمحاسن أفعاله وحصافة أقواله ووفرة شمائله ..حتى صدق الكذبة الكبرى حينما ختم حياته بأن ولاه الأخوان المسلمون وهم أس البلاء الذين وطدوا كل كوارث السودان اللاحقة بأن جعلوه خليفة على المسلمين يخطب في المنابر و يجلدالعلماء والمثقفين بسياط جهله الديني بل ويعدم من أقاموا الحجة على من خدعوه وقارعوهم بها بغض النظر عن صحتها من عدم ذلك وعلقهم في المشانق ضيقا منه بمبدأ الحوار في حد ذاته وقددفعه المنتفعون من ذلك الإقصاء الى ارتكاب واحدة من الكبائر التي حرمها الله إلا بالحق . ولان الطيورعلى أشكالها تتمثل وتقع في ذات الفخاخ لصغر عقلها وليس كل الطيور طبعا ..فقدسار عمر البشير في ذات النهج باحثاً عن شرعيته المفقودة في تنبؤات بلة الغايب وساعيا الى استعادة رضاء الدول عنه بدلوماسية الأمين البنا الذي يزعم أنه شيخ .. ويسخرمنه الناقمون بالقول إن.. (حيرانه من الجكسي ومحايته البيبسي ) الأول لا زال يكيل الثناء على شخص البشير كونه أصلح كل مقلوب في حال البلد وأنه رجل بركة وطمأنه بأن سيحكم لمدة حددها بالسنوات والشهور والأيام ولكنه تواضع أن يحدد الدقائق والثواني وزادمن تواضعه في عدم استعراض كراماته بأنه لم يذكر للبشير بأنه سيعيش عمر الأنبياء الذين مكثوا قروناً قبل أن يقبض الله ارواحهم بعد أن أدواالرسالة على أكمل وجه ! أما الثاني فقد وقع مثلما طار وارتفع على أجنحة من حلقوا به عالياً لتكون سقطته داويةً تكذيبا لإدعائه بحماية الآخرين من شر أعدائهم وهو الذي لم يستطع حماية نفسه أو لبس طاقية الإخفاء ليعودالى الوطن دون أن تراه عين الرقيب المتربص به ! إنها لعمري واحدةمن حلقات التغييب الممنهج حينما يكون تكريس الجهل وإلغاء العقول هوأنجع الوسائل التي تطيل عمر الحكام رغم كراهية البشر والحجروالشجر لصورتهم التي باتت تجلب الغثيان والتقيوء ..فلا غرو أن يطول حكم البشير ويصبح حسبو منازعاً لفرعون وحميدتي مهددا ومتوعدا للإتحادالأوروبي بان يسحب عنه خيمةالأمان إن لم يعترف بدوره في محاربة تجارة البشر ونزوحهم الى أوروبا التي لا يعرف حتى موقعها في الخريطة ! فالعلمُ يرفع بيتاً لا عماد له .. والجهلُ يهدم بيت العِزوالشرفِ .. ولاحول ولا قوة إلا بالله العظيم .. [email protected]