يرتفع ستار مسرح صور السياحي بعد ايام عن أوبرا عايدة العمل الذي شهدت الاوبرا المصرية القديمة قبل 125 عاماً افتتاحه الاول. و(عايده) ستكون على رأس برنامج مهرجانات صور للعام (2003) مع ليالي الزجل اللبناني، وسيمبوزيوم النحت، ونبيل شعيل وفرقة فنية تراثية كويتية، والعرس التراثي الشعبي. والمعروف هو ان الموسيقار الايطالي جوزيبي فيردي (1813 – 1901) هرب من الروس فوقع في غرام (عايده) وكان قد وضع موسيقى أوبرا (عايده) مقابل 150 الف فرنك من الذهب الخالص دفعها اسماعيل باشا خديوي مصر وكان يرغب في تقديمها في حفلة افتتاح قناة السويس ودار الاوبرا الخديوية. وعلى الرغم من ان فيردي نجح في انجاز عمله في الموعد المحدد فان عدم وصول ملابس وديكورات العمل التي صنعت في باريس وكلفت 250 الف فرنك من الذهب لسبب حصار القوات البروسية للعاصمة الفرنسية ادى الى استبداله (عايده) بعمل اوبرالي آخر لفيردي هو اوبرا (ريفو ليتو) المأخوذة عن قصة لفكتور هوغو عنوانها (الملك بلمو) يوم الاول من تشرين الثاني 1869 في حفلة حضرتها الامبراطورة اوجيني زوجة نابليون الثالث والامبراطور فرانسوا جوزف عاهل النمسا وولي عهد بروسيا . ففي هذه الحفلة امتلأت مقصورات دار الاوبرا الخديوية وصالتها بالامراء واقطاب السياسة وأهل الفكر في اوروبا. ممن حرص الخديوي اسماعيل على دعوتهم للمشاركة في احتفالات افتتاح قناة السويس. والثابت، هوان تقديم (عايده) للمرة الاولى في العالم في 24 كانون الاول عام 1871 على خشبة مسرح دار الاوبرا المصرية القديمة واحترقت في ما بعد بعدما بلغت من العمر نحو مئة عام . في ليل الافتتاح الاول قاد الاوركسترا المايسترو جيوفاني بوتزيني واستمر العرض في القاهرة موسمين كاملين فيما كان لفيردي حق استغلال (عايده) في اي مكان في العالم ما عدا مصر، وذلك وفق شروط العقد المبرم بينه وبين ممثلي الخديوي اسماعيل. وصف اوبرا عايده جاء على غلاف الترجمة العربية القديمة لاوبرا عايده انها قطعة تياترية تشتمل على مناظر معجبة ومراقص مستغربة يتخللها اغاني موسيقية طربية متوزعة على ثلاثة فصول وسبعة مناظر ومضيفة بأمر سعادة خديوي مصر لقصد تصويرها في تياتروا الاوبرا بمصر القاهرة . قصة اوبرا عايده، مجد الصراع بين الواجب والعاطفة وهي من اربعة فصول للموسيقار الايطالي جيوسيبي فيردي والذي احتفل العالم منذ ايام بالذكرى (106) سنوات على رحيله . وقصة عايدة كتبها مارييت باشا، وهو عالم اثار فرنسي كان يعمل في مصر مستنداً الى وقائع تاريخية كشفت عنها الحفريات في منطقة منف في مصر، وصاغ القصة شعراً الايطالي انطونيو غيالانزوي وهي تحكي قصة انتصار مصريين على الاحباش ويقصد بهؤلاء سكان الاجزاء التي تلي شلالات النيل وقصة الحب التي نشأت بين (عايده) الاسيرة الحبشية وراداميش قائد الجيش المصري الذي لم يجد فرعون مصر في النهاية مناصاً من ان يحكم عليه بالاعدام بعدما ثبت تورطه مع عايده في محاولة للهرب الى الحبشة . وتقديم (أوبرا عايده) في اطار مهرجانات مدينة صور لهذا الصيف يعد اكبر عمل تتصدى له لجنة مهرجانات صور منذ تأسيسها حتى اليوم . ويقال: انه ستتولى تنفيذ العمل فرق مصرية على رأسها اوركسترا القاهرة السيمفونية، وفرقة باليه وكورال القاهرة، والفنيون جميعهم مصريون، وجميع اللوحات، اختيارات أو مستوحاة من نصوص الفنون المصرية، او من اناشيد في العهد القديم التي تحمل اصداء لانشودة اخناتون الشهيرة الى الإله (أتون). احب الفنون الشعبية يذكر انه في عصر الباروك اصبحت ايطاليا مركز العالم الموسيقي، حيث افتتحت اول دار للاوبرا في فينيسيا (البندقية) عام 1637 برعاية الامراء والاغنياء. وقد ادت الروح الديموقراطية التي سادت المجتمع بعد ذلك الى فتح ابواب المسارح للجمهور بما يعني استهلال عهد جديد اصبحت فيه الاوبرا احب الفنون الشعبية الى قلوب الجماهير يمكن القول ان اوبرا (عايده) تعتبر بداية لشكل جديد للدراما الغنائية ذات الاربعة فصول وسبعة مشاهد . كذلك نجد ان عايده شخصية (درامية) ضعيفة البناء الفني وقد صاغ المخرج الفنان عبد المنعم كامل نسقاً تشكيليا جمالياً في تكوينه للمشهد المسرحي الدرامي فنرى جزءاً من تكريمه جزءاً من الشمس ينقشع لتبدأ منه الاحداث الدرامية وبرموزها التشكيلية والجمالية للشعب والجنود. يبدأ العرض برقصة قصيرة رمزية للقائد (رادامس). ولد المايسترو الايطالي جوزيبي فيردي عام 1813 وكاد ان يموت حين اغار الروس على مدينته عام 1814، ولكن امه اختبأت معه داخل جرس الكنيسة العملاق. احب الموسيقى منذ طفولته فأهداه ابوه عام 1820 بيانو صغيرا. ان أوبرا عايده تعتبر بدايةلشكل جديد للدراما الغنائية ونهاية لعصر تمتد جذوره الى التقاليد الشعبية في الموسيقى . اعجوبة هندسية وخشبة المسرح التي نفذها احد المهندسين في مهرجانات صور بتقنياتها الميكانيكية وآلياتها، تعد احدى اعاجيب العلم الهندسي التي انجزها المسؤول عن هذا المهرجان الفخم، بكل هذا الاتقان والانضباط، انه فنان حساس يملك السيطرة الابداعية الباهرة على ادواته الفنية. كذلك استطاع المخرج استغلال تعدد مستويات خشبة المسرح التي صممها بإبداع ماهر استقلالاً جمالياً درامياً يتميز بالبساطة والثراء الابداعي، فتعدد المستويات منح الخشبة العديد من مناطق القوة والجمال ولم تعد هناك مناطق (ضعيفة) على نحو ما كنا رأينا في مسارح جبيل وبعلبك وبيت الدين، فالمسرح المفتوح هنا يرتج بالعواطف وزلزال الحب من العمق الى المقدمة ومن اليسار الى اليمين دون خلل او انكسار * د. فاروق الجمال رئيس مركز عائشة بكار للفنون والثقافة. د. فاروق الجمّال