عبد الواحد، سافر إلى نيروبي عشان يصرف شيك من مليشيا حميدتي    المريخ يستانف تدريباته بعد راحة سلبية وتألق لافت للجدد    هنري يكشف عن توقعاته لسباق البريميرليج    تعادل سلبي بين الترجي والأهلي في ذهاب أبطال أفريقيا في تونس    باير ليفركوزن يكتب التاريخ ويصبح أول فريق يتوج بالدوري الألماني دون هزيمة    كباشي يكشف تفاصيل بشأن ورقة الحكومة للتفاوض    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    مقتل مواطن بالجيلي أمام أسرته علي ايدي مليشيا الدعم السريع    تمبور يثمن دور جهاز المخابرات ويرحب بعودة صلاحياته    تقرير مسرب ل "تقدم" يوجه بتطوير العلاقات مع البرهان وكباشي    حملة لحذف منشورات "تمجيد المال" في الصين    بعد الدولار والذهب والدواجن.. ضربة ل 8 من كبار الحيتان الجدد بمصر    محمد وداعة يكتب: معركة الفاشر ..قاصمة ظهر المليشيا    مصر لم تتراجع عن الدعوى ضد إسرائيل في العدل الدولية    أمجد فريد الطيب يكتب: سيناريوهات إنهاء الحرب في السودان    زلزال في إثيوبيا.. انهيار سد النهضة سيكون بمثابة طوفان علي السودان    يس علي يس يكتب: الاستقالات.. خدمة ونس..!!    عصار الكمر تبدع في تكريم عصام الدحيش    (ابناء باب سويقة في أختبار أهلي القرن)    عبد الفضيل الماظ (1924) ومحمد أحمد الريح في يوليو 1971: دايراك يوم لقا بدميك اتوشح    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



منبر اجراس الحرية (الاسلام والعلمانية – الدكتور عبد الله النعيم) 1-3
نشر في حريات يوم 03 - 01 - 2011


رصدت الندوة واعدتها للنشر: رشا عوض …
استضاف منبر اجراس الحرية مساء الاحد 21/12/ البروفسير عبد الله احمد النعيم في ندوة بعنوان (الاسلام والعلمانية) قدم فيها اطروحته حول علمانية الدولة ادار الندوة الاستاذ الحاج وراق وعقب على الاطروحة الدكتور عمر القراي متبنياً وجهة نظر مختلفة
وشارك في النقاش عدد كبير من الحضور الذين يمثلون تيارات فكرية مختلفة البروفسير عبد الله احمد النعيم هو استاذ كرسي القانون بجامعة اموري بولاية اتلانتا الامريكية تخرج في جامعة الخرطوم كلية القانون ونال درجة الماجستير والدكتوراة من بريطانيا ثم عمل محاضراً بجامعة الخرطوم ثم عمل استاذاً زائراً بعدد من الجامعات في امريكا وكندا والسويد.
ابتدر حديثه بالاشارة الى انه تلميذ للاستاؤ محمود محمد طه معتبراً هذه (التلمذة) شرفاً حياً مستمراً ومسؤولية كبيرة ثم دلف الى موضوع الندوة مشدداً على انه يتحمل شخصياً المسؤولية الكاملة عن اطروحته موضوع الاسلام والعلمانية متشعب ومتعدد الجوانب ساحاول هنا التركيز على جوهر الموضوع واضعاً بعض النقاط ثم استمع الى تعقيب الاخ عمر ثم استمع الى مدخلات الحضور وبعد ذلك نتداول في الموضوع وانا لا اهدف لأن اقول رأياً نهائياً وحاسماً بل اهدف لان اضع امامكم اطروحة – انا على قناعة تامة بها_ ولكن لدى استعداد تام لتغييرها ان ثبت لي بطلانها! فيما يلي نترك المجال للبروفسور عبد الله النعيم ليستعرض أطروحته تفصيلا: التجربة المريرة نحن السودانيين أصحاب تجربة فريدة فقد عايشنا تجربة كاملة فيما لمحاولة تطبيق الشريعة الاسلامية وتطبيق ما يسمى بالدولة الاسلامية والمتابع للأوضاع في السودان في ظل هذه التجربة لا يمكن أن يتصور ان السودان أصبح على مشارف ان يكون نموذجاً كوكبياً! فقد عشنا تجربة كاملة ثبت بطلانها وثبت فشلها.
ولكن هذه التجربة المريرة والزمن الغالي الذي دفعه في سبيلها هذا البلد يكون بلا جدوى اذا لم نتخذ العبرة مما حدث، فاذا توهمنا ان ما حدث هو مجرد فشل تجربة وليس فشل النموذج نفسه فسوف يتصدى مغامر آخر ويقول سوف أنجح انا فيما فشل فيه الآخرون.
وفي أطروحتي هذه أهدف لأن أقرر الحقائق التالية: الحقيقة الأولى: إن مفهوم إمكانية إقامة دولة اسلامية وهم باطل لا أساس له على الإطلاق من الناحية المفهومية ولا أساس له في التجربة التاريخية او الممارسة العملية، فالمشكلة ليست ان الدولة الاسلامية فشلت في السودان بل فكرة الدولة الاسلامية في حد ذاتها لا يمكن ان تنجح في اي مكان وهي لم تقم على مر التاريخ في اي مكان، والحقيقة الثانية: هي أن الشريعة الإسلامية لا يمكن ان تطبق بواسطة تشريع الدولة فالدولة الاسلامية اذا تصدت للقيام بتفنين الشريعة الاسلامية فسوف يؤدي ذلك إلى إفساد الدولة وإفساد تطبيق الشريعة وإفساد المجتمع كما سأوضح لاحقا، فهذه المحاولة فاشلة من جميع جوانبها ولا ينبغى ان نتورط فيها، الحقيقة الثالثة: في المجتمع المسلم لابد من تناول القضايا من منظور اسلامي ولذلك جاء عنوان هذه الندوة (الاسلام والعلمانية) وهذا الربط ليس تكتيكيا!ً فأنا مسلم وأرجو ان اكون مسلماً في كل جوانب حياتي ولذلك فإنني عندما أعارض مشروع الدولة الاسلامية افعل ذلك من منظور إسلامي فلا يمكن ان يتحقق صالح المسلمين كأفراد أو كمجموعات في ظل ما يسمى بالدولة الإسلامية، فانا اعتقد ان مناهضة الدولة الاسلامية شرط لازم لصحة تجربة المسلم في ممارسته لدينه، فمحاولة اقامة الدولة الاسلامية هي إجهاض لإمكانية ممارسة الإنسان للإسلام بصورة صحيحة لان الانسان لا يصح إسلامه إلا إذا اختاره بقناعة ذاتية واي شكل من القهر والإكراه يغير طبيعة التجربة وطبيعة العمل.
الحقيقة الرابعة: أنا أدعو للفصل المؤسسي الصارم بين الدين والدولة! فلا يمكن ولا يجوز للدولة ان تتخذ اي موقف ديني باختلاف الاديان وليس الاسلام وحده، فهناك ضرورة حتمية لفصل الدين عن الدولة لمصلحتهما معا، ولكن بالرغم من هذا الفصل المؤسسي الصارم بين الدين والدولة يجب عدم حرمان المواطن المسلم من التعبير عن قيم الدين من خلال المؤسسات العامة والسياسات العامة وحتى التشريعات، ولكن ليس من منطلق تطبيق الشريعة، وتبدو هذه الدعوة وكأنها معضلة أو مغالطة ولذلك سأسعى لاحقا لتوضيحها، أي لتوضيح كيفية فصل الدين عن الدولة وفي الوقت ذاته تمكين الشريعة الاسلامية والقيم والاخلاق الاسلامية من التأثير على الحياة العامة، فمن المعروف في التجارب العلمانية للمجتمعات المختلفة أنها تتشدد في فصل الدين عن الدولة بصورة صارمة لا تسمح بأي وجود للدين في الحياة العامة كما هو الحال في التجربة الفرنسية والتجربة التركية وعندما يتخوف المسلمون من العلمانية تكون في أذهانهم مثل هذ التجارب التي تمضي في اتجاه الاقصاء التام للدين من الحياة العامة وأنا أعارض ذلك إذ أن تعريفي للدولة العلمانية هو أنها دولة محايدة تجاه الدين ووفقا لهذا التعريف تركيا ليست دولة علمانية لأنها تتحكم في الدين وليست محايدة تجاهه وكذلك فرنسا، فأطروحتي هي فصل الدين عن الدولة مع تمكين المجتمع من ممارسة معتقداته والتعبير عنها من خلال السياسات العامة والتشريع وتقنين أحكام الشريعة ولكن ليس من منطلق انها شريعة إسلامية بمعنى انه لا يمكن ولا يجوز ان نشرع قانوناً ونطالب بتطبيقه ونقول إننا فعلنا ذلك لأن هذا القانون هو من الشريعة الاسلامية، ففي ذلك خلط بين الدين والدولة! ففي الدولة العلمانية لا يكون القانون قانونا لأن الشريعة أمرت به ولكن إذا أمكن تقديم طرح لمشروع قانون أو سياسة عامة تتضمن بعضاً من قيم الشريعة الاسلامية وأحكامها وتم تبرير ذلك بالمنطق العام أي المنطق المدني فلا مانع من ذلك، اي ان لا تستخدم المرجعية الدينية في فرض القوانين والسياسات أو تبريرها، فالذنب الديني ليس جريمة، اذا كان هناك سلوكاً يعتبره المسلم ذنبا وأراد المسلم أن يجرّم هذا السلوك فلا بد ان يقدم أسباباً موضوعية لهذا التجريم دون الإشارة لمرجعية دينية لأن المواطنين حتى اذا كانوا ينتمون لدين واحد يصعب اتفاقهم على رؤية دينية واحدة ، فنحن شركاء في الدولة ولنا الحق في أن نختلف في أدياننا وبالضرورة سوف نختلف فيها حتى ان كنا أصحاب دين واحد وبالتالي لا يمكن أن تكون المرجعية الدينية هي الأساس للسياسات العامة للدولة ولذلك يجب أن تتأسس السياسات العامة للدولة على المنطق العام للمواطنة، فيجب ان نقنع المواطنين بأن المشروع المطروح في السياسة العامة صحيحاً استناداً إلى أسباب موضوعية وليس استناداً الى ان الدين أمر بذلك فقد يكون هناك مواطن لا يؤمن بالدين أصلاً فالمسلمون أنفسهم يختلفون في فهم ما قاله الله وأمر به ناهيك عن غير المسلمين او اللا دينيين، والمواطن الذي لا يعتقد في الاسلام هو مواطن كامل المواطنة وعدم إسلامه لا يقدح في مواطنته أو كرامته الإنسانية مطلقاً ولذلك فإن المواطنين المسلمين إذا رغبوا في طرح مشروع قانون أو سياسة عامة من منطلق قيمة إسلامية فعليهم أن يقنعوا المواطنين الآخرين دون الاعتماد على العقيدة الدينية، هذه الحقائق هي اأطراف الموضوع الذي نحن بصدده، وفيما يلي أود التفصيل في بعض الأمور لتتضح الصورة تماما، فأنا لا أنزعج من الخلاف مع أطروحتي بأي قدر ولكن بشرط ان يختلف معي الآخرون على أساس ما اقول وليس على أساس ما يتوهم الآخرون حول ما أقول: لا أدعو للعلمانية كفلسفة حياة: عندما أدعو للدولة العلمانية يتبادر إلى الذهن أنني أدعو للعلمانية كفلسفة حياة، وأطروحتي ليست الدعوة للعلمانية كفلسفة حياة بل أدعو لعلمانية الدولة بصورة كاملة، لقد ذكرت في بداية حديثي أن الدولة الدينية لا يمكن ان تقوم ولم تقم في الماضي ولا الآن ولن تكون في المستقبل، فالدولة مؤسسة سياسية لا تملك إمكانية الاعتقاد الديني فالإنسان وحده هو الذي يعتقد والجماعة المسلمة هي عبارة عن مجموعة من المسلمين المختلفين وهي ليست كياناً يمكن أن يعتقد فالكيان القادر على الاعتقاد في كل الوجود هو الانسان الفرد والدين هو مسؤولية الانسان منفرداً ومتفردا عن اعتقاده فلا يمكن لمؤسسة أن تعتقد أو تسلك سلوكاً دينياً فعلى حد قول المرحوم جعفر بخيت في السبيعنات وعلى حد قول المرحوم جون قرنق الدولة لا تصلي ولا تصوم ولا تذهب إلى الجامع.. فبداهة الدولة لا يمكن أن تكون دينية ولكن لا يكفي ان ننفي صفة التدين عن الدولة لأن هذا ما ينفر المسلمين من الدعوة للدولة العلمانية، فإذا كانت العلمانية تعني تغييب الدين مطلقاً فهذا غير مرغوب سواء عند المسلمين او عند المؤمنين عموماً من مختلف الأديان ولذلك نحتاج الى صفة إيجابية في الدولة التي نثق في مقدرتها على أن تضمن حرياتنا بالقدر الذي يمكننا من ممارسة معتقداتنا الدينية بحرية وكرامة، فالدولة العلمانية هي الدولة المحايدة تجاه الدين أي التي ليس لها موقفاً سلبياً او إيجابياً من الدين فالدولة مؤسسة سياسية لها وظائف محددة لازمة وضرورية تقتضي حيادها تجاه معتقدات الناس فالدولة وظيفتها توفير الأمن والسلامة وإدارة الاقتصاد والتنمية ولكن لاعلاقة لها بالدين.
مراوغة المثقفين يمينا ويسارا وبالتالي فلا علاقة للدولة بالفرد الا كمواطن ولا شأن لها بأن يكون هذا المواطن مسلماً او مسيحياً او بوذياً او ملحداً وهذه هي الصفة الإيجابية التي أعنيها وهي أيضاً لها اشكالاتها فحياد الدولة تجاه الدين لا يحل كل المشاكل ولكن هناك جانب معين من المشاكل عايشناه في السودان بمرارة وقسوة شديدة وفي هذا الجانب لا مفر من مواجهة هذا الأمر بهذا التحديد، مما يحزنني ويؤلمني أن كل قطاعات الرأي العام السوداني حتى المثقفين يميناً ويساراً لم يجرؤوا على مواجهة القضية بهذا التحديد (فاللت والعجن) الذي يدور في هذه القضية سببه أن لا أحد يريد أن يقول صراحة ليست هناك دولة إسلامية وهذه المراوغة هي التي كلفتنا كل هذا العنت خلال العشرين سنة الماضية فيجب ان نتجاوز هذا الوهم وهذه البدعة، فالدولة الاسلامية بدعة.
فخطاب الدولة الإسلامية لا وجود له في التاريخ الاسلامي حتى منتصف القرن العشرين، فإذا بحثنا في كل لغات المجتمعات المسلمة لا نجد مصطلح (الدولة الاسلامية) قبل القرن العشرين، فهذا خطاب مستحدث، أي خطاب ما بعد الاستعمار وهو خطاب قائم على مفهوم استعماري للدولة ومفهوم استعماري للقانون، فالدولة الاسلامية التي تمت الدعوة لها في أواسط القرن العشرين تعتمد على مفهوم أوروبي للدولة وهو مفهوم الدولة المركزية البيروقراطية ذات الحدود السياسية المحددة وذات السيادة الكاملة، فهذه مواصفات أوروبية للدولة أخذ بها الإسلاميون ليوهمونا ويوهموا أنفسهم أن هناك دولة إسلامية يمكن أن تكون بهذه المواصفات.
الخلط بين الشريعة والقانون: القانون ليس شريعة والشريعة ليست قانونا،ً وعندما نتوهم أننا يمكن أن نقنن الشريعة نغير من طبيعتها كنظام وقواعد سلوكية ملزمة للمسلم دينا،ً فتصبح قاعدة قانونية ملزمة للمواطن قانوناً، فالشريعة تعتمد على عقيدة الإنسان في صحة الموقف أو السلوك المعين ومسؤوليته عن ذلك، أما القانون فيعتمد على مقدرة الدولة على إنفاذ إرادتها بغض النظر عن رأي المواطن في صحة أو بطلان القانون، فأنا من ناحية دينية غير مسؤول إلا عما اعتقد بأنه شريعة ملزمة لي، أما قانونا فأنا ملزم بأن أطيع قانون الدولة ايا كان رأيي فيه فإذا كان النظام ديمقراطياً فيمكنني السعي لتغييره ولكن عدم مقدرتي على تغييره لا تعفيني من الالتزام به فطبيعة القانون مخالفة لطبيعة الشريعة.
آن أوان التحرر من الأوهام: الخطاب الإسلامي في أواسط القرن العشرين أوهمنا أن هناك شئ اسمه الدولة الإسلامية وهي في الواقع نفس الدولة الأوروبية القائمة على المنهج الأوروبي والتي لم يكن لها وجود قبل الاستعمار، فطبيعة الدولة المعاصرة هي طبيعة أوروبية وليست إسلامية، وطبيعية القانون الصادر عن السلطة التشريعية في هذه الدولة مغايرة لطبيعة الشريعة الإسلامية، فمن طبيعة الرؤية الدينية أنها لا تقبل الحسم بالتقاضي، الحق والباطل ليس مسألة تحسم بالتصويت أو بالقوة فطبيعة الحق والباطل ديناً مسألة لا يمكن أن تحسم إلا في ضمير المؤمن نفسه فطبيعة الموقف الديني لا تقبل ان نحمل الانسان على غير قناعته بينما طبيعة الموقف السياسي المقدرة على طاعة القانون المجاز بالأغلبية.
فالمسألة مغالطة ووهم باطل وأنا أسميه بدعة ولكن هذا الخطاب نجح في أن يوهمنا بأنه حقيقة موضوعية واقعة فلم يعد بمقدرتنا تصور بديل له.
دولة المدينة لم تكن دولة اسلامية: إنني أعمل في هذا المشروع منذ عشر سنوات وقد طفت محاضراً حوله في مختلف الدول في افريقيا واسيا ودائماً يوجه لي السؤال التالي: إذا لم تكن هناك دولة اسلامية فما هي دولة المدينة ؟ دولة المدينة هي دولة سياسية وليست دينية، هي معادلة سياسية بين قطاعات وقوى سياسية واجتماعية في واقع معين ودولة ابو بكر الصديق ليست دينية ووجوده في قيادتها كان سياسياً وليس دينياً، أما حالة النبي صلى الله عليه وسلم فهي حالة متفردة لا سبيل لتكرارها فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يتلقى الوحي وهذا لا يقارن بأي موقف آخر وابتداء من ابي بكر الصديق الدولة سياسية فيها ما فيها من التنازع والاختلاف .
جانب الممارسات المعاصرة: السعودية وإيران مثلا ليستا دولتين إسلاميتين والسودان لم يكن دولة إسلامية في يوم من الأيام لا في عهد المهدية ولا في عهد الانقاذ، فهذا وهم باطل والادعاء بأن الدولة إسلامية لا يجعلها كذلك! مثلاً السعودية وإيران الاثنان على طرفي نقيض ويكفران بعضهما البعض فكيف تكونان دولتين إسلاميتين؟ فصفة الدولة الاسلامية صفة عشوائية تماماً وليس لها اساس موضوعي ولقد أفرطنا في وصف الأشياء بالإ سلامية الدولة الاسلامية , البنك الاسلامي, وهذا عبث ولذلك غاب علينا مواجهة من يحدد ماهية هذه الصفة وفي هذا السياق تحضرني تجربة باكستان التي أسست لكي تكون دولة للمسلمين، ففي عام 1953 أقامت الدولة لجنة مفوضة لتعريف من هو المسلم هذه اللجنة قامت باستجواب مئات العلماء والمفكرين الإسلاميين وتوصلت الى قرار أنه لا يمكن تعريف من هو المسلم! ففي الحقيقة وجدت هذه اللجنة ان كل طائفة من المسلمين في باكستان محكوم عليها من قبل طائفة أخرى بأنها خارجة عن الدين!! فالدولة مؤسسة سياسية فقط والوصول الى هذه القناعة ليس سهلاً وبالتوصل لهذه القناعة نستطيع إغلاق باب في منتهى الخطورة في مسألة السياسة وهو تكفير الناس بسبب الاختلاف في الرأي، فلا يوجد فهم ديني موضوعي فكل فهم ديني فردي وذاتي فما هو دين عندي هو دين عندي انا فقط.
اي رأي ديني ذاتي ولذلك نقاش السياسات العامة لا يجوز أن يكون نقاشاً دينياً ففي هذا المجال (كل حزب بما لديهم فرحون) اما النقاش الموضوعي للسياسات العامة فيجعل بالإمكان تغييرها وتبديلها دون حرج .
فقوانين سبتمبر 1983 وهي وهم باطل وتناقض وجهل وتنطبق عليها كل الصفات السيئة لم نتمكن من الفكاك منها بسبب الوهم بأنها شريعة اسلامية وهي ليست كذلك ويمكن الغاؤها بجرة قلم، فيجب أن نتحرر من هذا الوهم ونلتفت لقضايانا الحقيقية الكبيرة في التنمية والمسؤولية المحاسبة ، فهذا الوهم أضاع علينا الكثير من الزمن الغالي العزيز.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.