وكفى اسماعيل حسن مولد النبي صلى الله عليه وسلم * درجت كل يوم جمعة على الخروج عن المألوف في الأعمدة الرياضية ونشر مقال ديني ليكون بمثابة استراحة روحانية تغسل عن نفوسنا رهق الحديث المتواصل عن الرياضة.. إلا أنني اليوم تزامناً مع أعظم حدث في الكون منذ بداية الخلق رأيت أن أكتب اليوم الخميس عن مولد الحبيب المصطفى صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين باعتبار أنه يوم مولده صلى الله عليه وسلم .. * صبيحة يوم الاثنين التاسع من ربيع الأول، لأول عام من حادثة الفيل، الموافق للعشرين من أبريل من سنة 571م ولد نبي الرحمة والرسول الكريم وخاتم النبيين وأشرف المرسلين وأكرم الخلق: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي ابن غالب. * وذكرت بعض الروايات أن أمه آمنة بنت وهب لم تجد في حملها ما تجده النساء عادة من ألم وضعف، بل كان حملا سهلا يسيرا مباركا، كما روي أنها سمعت هاتفا يهتف بها قائلاً: "إنك قد حملت بسيد هذه الأمة، فإذا وقع على الأرض فقولي: إني أعيذه بالواحد من شر كل حاسد، وسميه محمداً * ولما وضعته بالفعل خرج معه نور أضاء ما بين المشرق والمغرب، حتى أضاءت منه قصور بصرى بأرض الشام وهو المولود بمكة * بيئة النبي – صلى الله عليه وسلم – ونشأته كانت الجزيرة العربية التي كانت تنتشر فيها في ذلك الوقت عبادة الأصنام والأوثان، والإيمان بالخرافات والجهالات، كما انتشرت الأخلاق الوضيعة والعادات السيئة والتقاليد القبيحة مثل: الزنى، وشرب الخمر، والتجرؤ على القتل وسفك الدماء، وقتل الأبناء ووأد البنات – أي دفنهن حيات – خوفا من الفقر أو العار.. كما كان يسود التعصب القبلي الشديد الذي يدفع صاحبه إلى مناصرة أهل قبيلته بالحق أو الباطل، والتفاخر بالأحساب والأنساب، والحرص على الشرف والمكانة والسمعة الذي كان كثيرا ما يفضي إلى حروب ومعارك بين القبائل تستمر لسنوات طويلة، وتسفك فيها الدماء رخيصة، على الرغم من تفاهة الأسباب التي تشتعل بسببها تلك الحروب. * ورغم نشأة النبي الكريم محمد – صلى الله عليه وسلم – في هذه الأجواء الجاهلية إلا أنه منذ صغره لم يتلوث بأي من هذه الوثنيات والعادات المنحرفة، ولم ينخرط مع أهل قبيلته في غيّهم وظلمهم، بل حفظه الله من الوقوع في أي من ذلك منذ نعومة أظفاره. * وينتسب الرسول الكريم محمد – صلى الله عليه وسلم – إلى أسرة عريقة ذات نسب عظيم عند العرب، فقد كان أجداده من أشراف العرب وأحسنهم سيرة. * ولد – صلى الله عليه وسلم – يتيمًا فقيرًا، فقد توفي والده عبد الله أثناء حمل أمه آمنة بنت وهب فيه.. وكان من عادة العرب أن يدفعوا أولادهم عند ولادتهم إلى مرضعات يعشن في البادية لكي يبعدوهم عن الأمراض المنتشرة في الحواضر، ولتقوى أجسادهم، ويتقنوا لغة العرب الفصيحة في مهدهم.. ولذلك دفعت آمنة بنت وهب وليدها محمد – صلى الله عليه وسلم – إلى مرضعة من بني سعد تسمى حليمة… وقد رأت حليمة العجائب من بركة هذا الطفل المبارك محمد – صلى الله عليه وسلم – حيث زاد اللبن في صدرها، وزاد الكلأ في مراعي أغنامها، وزادت الأغنام سمنًا ولحمًا ولبنًا، وتبدلت حياة حليمة من جفاف وفقر ومشقة ومعاناة إلى خير وفير وبركة عجيبة، فعلمت أن محمدًا – صلى الله عليه وسلم – ليس مثل كل الأطفال، بل هو طفل مبارك، واستيقنت أنه شخص سيكون له شأن كبير، فكانت حريصة كل الحرص عليه وعلى وجوده معها، وكانت شديدة المحبة له. * وعندما بلغ النبي الكريم محمد – صلى الله عليه وسلم – ست سنوات توفيت أمه، فعاش في رعاية جده عبد المطلب الذي أعطاه رعاية كبيرة، وكان يردد كثيرًا أن هذا الغلام سيكون له شأن عظيم، ثم توفي عبد المطلب عندما بلغ النبي – صلى الله عليه وسلم – ثماني سنوات، وعهد بكفالته إلى عمه أبي طالب الذي قام بحق ابن أخيه خير قيام. * في صغره كان النبي الكريم محمد – صلى الله عليه وسلم – يعمل في رعي الأغنام، ثم اتجه للعمل في التجارة حين شب، وأبدى مهارة كبيرة في العمل التجاري، وعرف عنه الصدق والأمانة وكرم الأخلاق وحسن السيرة والعقل الراجح والحكمة البالغة. .. وكان نبي الرحمة محمد – صلى الله عليه وسلم – ينأى بنفسه عن كل خصال الجاهلية القبيحة، فكان لا يشرب الخمر، ولا يأكل من الذبائح التي تذبح للأصنام، ولم يكن يحضر أي عيد أو احتفال يقام للأوثان، بل كان معروفًا عنه كراهيته الشديدة لعبادة الأصنام وتعظيمها، حتى أنه كان لا يحب مجرد سماع الحلف باللات والعزى وهما صنمان مشهوران كان العرب يعظمونهما ويعبدونهما ويكثرون الحلف بهما.. * ولم يكن نبي الرحمة محمد – صلى الله عليه وسلم – يشارك شباب قريش في حفلات السمر واللهو ومجالس الغناء والعزف والخمر، وكان يستنكر الزنى واللهو مع النساء.. كما كان يمتاز في قومه بالأخلاق الصالحة، حتى أنه كان أعظمهم مروءة، وأحسنهم خلقًا، وأكثرهم حلمًا.. فاشتهر عنه مساعدة المحتاجين، وإعانة المبتلين، وإكرام الضيوف، والإحسان إلى الجيران، والوفاء بالعهد، وعفة اللسان، وكان قمة في الأمانة والصدق حتى عرف بين قومه ب "الصادق الأمين" * ألف رحمة ونور عليك يا حبيبنا وشفيعنا الأمين المصطفى..