ماذا قدمت جامعة السودان المفتوحة للتعليم خلال مسيرتها منذ العام 2003م ؟ وهل يعتبر التعليم المفتوح الذراع الأيمن لثورة التعليم ، وما هي أهمية القناة الفضائية التعليمية التي سوف تطلقها جامعة السودان المفتوحة في التاسع عشر من فبراير الجاري ؟ وما هي الأسباب الحقيقية التي تقف وراء تدني مستويات التعليم بشقيه العام والعالي ؟ وماذا يتوقع خبراء التعليم من المؤتمر القومي للتعليم الذي سينعقد في غضون الأيام القليلة المقبلة ؟ وكيف نرتقي بالتعليم التقني والتقاني ؟ ولماذا لم تستفد البلاد من آلاف البحوث العلمية المهملة المكدسة داخل مخازن الجامعات والمراكز البحثية المختلفة ؟.. وكيف ننفض عنها غبار النسيان؟ خبير التعليم ، البروفيسور »فيصل عبد الله الحاج« مدير جامعة السودان المفتوحة يجيب عن هذه التساؤلات عبر هذا الحوار: تعليم المستقبل * بعض خبراء التعليم العالي يراهنون على ان التعليم المفتوح يعتبر المحطة الثانية لثورة التعليم العالي .. ما صحة ذلك؟ - هذا صحيح ، فالتعليم المفتوح هو تعليم المستقبل ، لأنه يستعين بكل التكنولوجيا والاتصالات في توصيل المادة للدارسين ، ولكل أفراد المجتمع ، ونعتبره فعلاً ، الثورة الثانية لثورة التعليم العالي ، لتحقيق شعار »التعليم للجميع« .. ذلك لكونه يختلف عن التعليم النظامي في اتاحته للطالب الجامعي ان يتعلم كيفما يشاء ، وأينما يشاء ، وهو يخاطب كل الفئات العمرية ، بدءاً من رياض الأطفال ، وحتى كبار السن ،ولهذا طلابنا أعمارهم تتراوح بين »20-80« سنة ، كما أنه لا يستلزم تفرغا كاملا للطالب ، ويستعين في توصيل المادة للطلاب بالكتاب الجامعي ، والإذاعة ، والموقع الالكتروني ، والقناة الفضائية ، وعبر المرشدين والمشرفين المنتشرين في كل بقاع السودان. * كم وصل عدد المراكز التابعة للجامعة المفتوحة؟ - الجامعة لديها مناطق تعليمية في كل ولايات السودان ، وضمن أية منطقة تعليمية يوجد عدد من المراكز منتشرة في كل أنحاء السودان ، وعددها »300« مركز ، وأهم الأشياء التي تميز الجامعة المفتوحة »المكتبة الإلكترونية ، ففي العام الماضي استفاد منها أكثر من »40« ألف باحث ، وداخل الموقع الإلكتروني للتعليم الإلكتروني أكثر من »80« ألف باحث ودارس. * كم يبلغ عدد طلاب الجامعة المفتوحة الآن؟ - حوالي »27« ألف طالب ، وميزة التعليم المفتوح انه قليل التكلفة مع الجودة ، حيث ان تكلفته حوالي ثلث تكلفة التعليم النظامي .. والجامعة تتيح التعليم لأفراد الشرطة ، والجيش، فلدينا »500« من المنتسبين للقوات النظامية ، معظمهم يدرسون القانون ، وإدارة الأعمال ، وحتى الآن تخرج »23« ألف طالب معظمهم من معلمي مرحلة الأساس ، وذلك منذ انشاء الجامعة في العام 2003م. القناة الفضائية التعليمية 1. علمنا ان الجامعة المفتوحة سوف تطلق القناة الفضائية التعليمية الخاصة بها .. فما هي الفئات التي تستهدفها؟ - القناة الفضائية سوف يفتتحها السيد رئيس الجمهورية ، باعتبارها حدثا كبيرا جداً في تقدم التعليم في السودان ، والافتتاح تحدد له التاسع عشر من فبراير الجاري متزامناً مع مؤتمر قضايا التعليم ، وتعد الأولى من نوعها في السودان ، ومنهجها يعدالأول في المحيطين العربي والأفريقي ، وتستهدف رياض الأطفال ، والطلاب »المتسربين« من المدارس وعددهم حوالي »11« مليونا في السودان ، حيث تم إعداد منهج مضغوط لهم بالتعاون مع معهد بخت الرضا ، كما ان القناة الفضائية تستهدف الدارسين في الجامعات المفتوحة وحفظة القرآن وطلاب الجامعات ، وهي تسهم في تغطية النقص في العلوم الاساسية مثل الفيزياء والكيمياء بمدارس التعليم العام ، وكل من يرغب في التعليم ، وهي تبث على القمر »عربسات« ، على مدار أربع وعشرين ساعة. * ولماذا تم اختيار »عربسات« تحديداً؟ - لأن كل الفضائيات تستقبل من »عربسات«، بجانب تغطيته لكل الدول العربية والأفريقية .. تفوق بلا حدود * هناك جامعات مفتوحة أفريقية وإقليمية اشتهرت في كل العالم ، وتفوقت على الجامعات النظامية .. أين تقف جامعة السودان المفتوحة من نظيراتها النظامية؟ - جامعة السودان للتعليم المفتوح أحرزت المركز الثالث في الجامعات السودانية ، بعد جامعتي الخرطوم والسودان ، وهو تصنيف عالمي ، التصنيف الاسباني للجامعات وبالنسبة للمحيط العربي ، فجامعة السودان المفتوحة تعتبر الجامعة رقم »1« في الدول العربية بالنسبة للتعليم المفتوح ، والثانية في افريقيا بعد جامعة ال »يونيسا«- جامعة جنوب افريقيا المفتوحة .. * ما هي العوامل التي قادت جامعة السودان المفتوحة لهذا التفوق : محلياً ، وعربياً ، وعالمياً؟ - نحن نعمل على الارتقاء بأداء الجامعة وصولاً إلى مرحلة التميز والجودة ، انطلاقاً من أهمية الجودة في الارتقاء بأداء الجامعات ، ونعمل مع هيئة التعليم المفتوح ، والتعليم عن بعد في افريقيا لعمل معايير لضمان الجودة في التعليم المفتوح والتعليم عن بعد ، وهذا يقودنا إلى الاهتمام بالجودة الشاملة في كل جامعاتنا السودانية والعربية ، مع ضرورة قيام هيئة تعنى بالجودة على المستوى القومي ، تتبع لرئاسة الجمهورية ، كما هو الحال في مصر ، والمملكة الاردنية الهاشمية ، وذلك لضبط اداء التعليم عموماً في السودان ، والعملية التعليمية في المؤسسات التعليمية . تحقيق الجودة * ولكن .. ما هو مفهوم الجودة الشاملة في التعليم المفتوح والنظامي ؟ وكيف نحقق هذا المفهوم؟ - هناك نوعان لتحقيق الجودة : جودة على مستوى المؤسسة ، وجودة على مستوى البرامج ، وأهميتها اكتشاف السلبيات في كل العملية التعليمية وتعزيز الايجابيات ووضع الخطط ورؤى التطوير لهذه النواتج للسلبيات والايجابيات بجانب العناية بالمدخلات ، والعمليات ، والمخرجات ، والغرض الرئيسي التحسين والتجويد والمخرجات التي تتلاءم مع حاجة المجتمع ، والمستفيدين وسوق العمل .. المؤتمر القومي للتعليم * كخبير في التعليم عموماً ، ماذا تتوقع من المؤتمر القومي للتعليم ، الذي سينعقد في التاسع عشر من فبراير الجاري بقاعة الصداقة بالخرطوم؟ - المؤتمر يشمل التعليم العام ، والعالي ، والتقني ، ويتوقع منه تصحيح مسار التعليم من أجل التجويد والارتقاء بالتعليم باعتباره استثماراً بشرياً ، واستثماراً في العقل البشري ، وكل الدول المتقدمة توجه معظم ميزانيتها للتعليم والصحة ، مثلاً »27%« من ميزانية المملكة العربية السعودية تذهب للتعليم »176« مليار ريال سعودي«.. ولقد تم عرض محاور المؤتمر في كل ولايات السودان ، وللمختصين، ول الرأي العام، وجميعهم توصلوا لتوصيات سوف تعرض على المؤتمر العام للتداول حولها ، بوجود خبراء من خارج السودان ، في محاور المؤتمر المختلفة التي تعنى بالمعلم والسلم التعليمي ، والمناهج ، والجودة ، والتعليم التقني ، و التعليم المفتوح ، وتدريب المعلمين، وتمويل التعليم العالي. . تدني التعليم * هنالك تدني واضح في مستوى التعليم العام والعالي.. في رأيك ما هي الأسباب؟ - التعليم حلقة متكاملة ، بدءاً من رياض الأطفال ، حتى الجامعة ، وأي خلل في أي مدخل يؤثر على بقية الحلقات التعليمية .. فالتعليم العالي يتأثر بمخرجات التعليم العام ، بجانب الميزانيات الخاصة بكل أنواع التعليم ، فهناك نقص حاد جداً في تمويل التعليم العالي ، فالتعليم يحتاج إلى سند سياسي قوي ، وإلى تمويل كبير لأنه استثمار وليس خدمات. المناهج .. علة التعليم * بعض خبراء التعليم يؤكدون ان علة التعليم الحالية تكمن في المناهج .. فهل أصابوا في رأيهم هذا؟ - المناهج في التعليم العام تتبع إلى »نظرية الشمولية في التعليم«، لكن هذه النظرية تحتاج إلى إمكانيات كبيرة ، وإعداد خاص للمنهج ، وليس باعتباره حشوا لعدد كبير جداً من المقررات ، بل يحتاج إلى توعية خاصة من الكتاب ، فالمؤتمر القومي للتعليم سوف يخرج بقرار بشأن المناهج ، فإعداد المادة التعليمية يحتاج إلى نوع من المعايير .. القبول الخاص * الجامعات الحكومية والخاصة أصبحت لا تتقيد بالحد الأدنى للقبول ، بل سمحت بذلك تحت مسمى »القبول الخاص«، عملاً بنظرية »أدفع وتعلم« .. ألا يعتبر ذلك من العوامل الرئيسية التي تسببت في ضعف مستوى خريجي الجامعات ، خاصة بكليات الطب؟ - أنا اؤمن ان حد القبول في الجامعات يجب ان يكون محدد النسبة ، وفي نفس الوقت اؤمن بدعم التعليم الأهلي والخاص فيما يختص بالبحث العلمي وخدمة المجتمع ، فالتوجه العلمي الآن يسير نحو التعليم الأهلي والتعليم المفتوح ، والتعليم عن بعد ، والتعليم الأجنبي ، لذلك نجد ان ثلث طلاب جنوب أفريقيا يدرسون في الجامعة المفتوحة .. التعليم التقني * كثير من الدول نهضت صناعياً وتكنولوجياً عبر بوابة التعليم التقني .. لماذا أهملنا نحن في السودان هذا النوع من أنواع التعليم؟ - الدولة تحتاج لإعادة السياسة التعليمية للتوجه نحو التعليم »التقني«، و»التقاني« ومنحه التمويل المالي ، والسند السياسي ، فمثلاً في سويسرا يتم تحديد اتجاه الطالب منذ الصف السادس »أكاديمي أم تقني« وصراحة نظرة السودان للتقني أقل من نظرته للجامعي .. نزيف المعلمين * هجرة أو نزيف المعلمين إلى الخارج ، أو إلى المدارس والجامعات الخاصة ، ظاهرة سالبة تعاني منها المدارس والجامعات الحكومية .. كيف نوقف هذا النزيف؟ - أضعف رواتب للمعلمين في كل الدول العربية والأفريقية توجد في السودان ، حتى الصومال ، رواتب المعلمين فيه أعلى من راتب المعلمين السودانيين ، وبالطبع هذا يؤدي إلى نزيف المعلمين وهجرتهم .. * كثير من الجامعات أهملت تدريب المعلمين ، مما انعكس سلباً على أدائهم .. ما هي الآلية المقترحة التي ينبغي للجامعات اتباعها لتدريب وتأهيل وصقل معلميها؟ - هناك بعض الجامعات أنشأت وحدات لتطوير أداء المعلمين ، وعلى سبيل المثال : جامعات الخرطوم ، والسودان، ووادي النيل .. والتدريب من الأهمية بمكان للقيادة الجامعية وكل منسوبيها ، ولهذا نحن في جامعة السودان أنشأنا إدارة خاصة لتنمية الموارد البشرية ، مستهدفين منها طلاب الجامعة وكل منسوبيها ، ولهذا قدنا عملية تدريب كبيرة جداً لإعداد الكتب الجامعية ، وبحمد الله ألفنا حوالي »430« كتابا ، كلها بمعايير جودة ، وخاصة بأغراض التعليم المفتوح .. * ألا يمكن للجامعة المفتوحة ان تلعب دوراً في عملية تدريب المعلمين؟ - أجل يمكنها ان تلعب دوراً كبيراً ومهماً في عملية التدريب ، خاصة التدريب عن بعد. * هل هناك علاقة بانعدام تدريب المعلمين وتجفيف وإلغاء دور معاهد تدريب المعلمين؟ - هناك توصيات مقدمة لإعادة معهد بخت الرضا ليكون تجمعا لتدريب المعلمين وإعداد المناهج ، باعتبارها أهم بوتقة ، والجامعة المفتوحة أساساً قامت لتدريب المعلمين وتأهيل معلمي مرحلة الأساس ، وفي هذا الشأن نستعين بأكثر من »1500« مرشد ومشرف تعليمي منتشرين في كل أنحاء السودان ، ويمكن الاهتمام بدورها ، والتعاون معها لتغطية مجال التدريب ، وحالياً لدينا »350« مركزا بكل أنحاء السودان يضم مرشدين ومشرفين .. البحوث العلمية المهملة * آلاف البحوث العلمية في شتى ضروب المعرفة والتخصصات حبيسة المخازن دون الاستفادة منها وترجمتها لواقع عملي لخدمة المجتمع .. هل يعكس ذلك عدم اهتمام الدولة والمؤسسات التعليمية بالبحث العلمي ، ومخرجاته ؟ - حقيقة لا يوجد اهتمام يذكر بالبحث العلمي ونشر البحوث العلمية في السودان ، فإنفاق السودان على البحث العلمي ضئيل ، ففي أفضل جامعاتنا لا تتعدى ميزانية البحث العلمي »5 ، 2%«، حتى محطات البحوث لا تعطى سوى الفصل الأول »مرتبات«، وإذا عقدنا مقارنة في هذا المجال بالخارج ، نجد مثلاً أن الجامعة الأردنية تصل ميزانية البحث العلمي فيها إلى »10%« من ميزانية الجامعة ، وهناك جامعات ببعض الدول تصل ميزانية البحث العلمي فيها إلى »50%« من ميزانية الجامعة .. * ألا يتطلب الوضع المتأزم للبحوث العلمية في السودان معالجة سريعة لاستفادة الوطن والمجتمع من عصارة أفكار ابنائه؟ - يفترض قيام مجلس قومي للبحث العلمي لتحديد الاحتياجات البحثية وتوجيه البحوث.