عندما سئلت الروائية البريطانية ساراهول عن السبب وراء ان المرأة في رواياتها تبدو مصادمة جدا بل قاسية، أجابت بلا حذر: « أردت لها مرة ان تكون قدماً ساحقة لا زهرة مسحولة». و هو ما طاف بخاطر اليزابيث غاسكل وهي تسخر إبداعها الروائي الثر وحكائيتها العذبة لمحاولة زحزحة الهيمنة الآحادية، وإستنطاق صرخات الذات الأنثوية المكبوتة في غماط الفكتورية حينها. فاذا بكتاباتها تعتبر امتداداً غير مشروع، وفتقاً رهيباً توجب على الفور رتقه بلا إبرة تخدير. فحرقت أعمالها ومسوداتها، و تم عزلها إجتماعيا لجرأتها التي لا تغتفر في الخروج على فولاذ النظام الأبوي الفيكتوري الصارم، وخرق تراتيبيته العقلية المفترضة. حتى هاريت ستاو الريفية الطيبة وربة المنزل المتفانية، التي كانت تجلس لطاولة الكتابة بايد ملطخة، بعد أن تعجن وتخبز الأرغفة لأسرتها الكبيرة، أصابها ما أصابها وهي تشيد ببراعة مطلقة معمار رواية « كوخ العم توم» المهيب، لترفع به صوتها جهيرا ضد العبودية والامتهان، بسردية رفيعة وخطاب كثيف ومنطق متماسك. ولكن ... تعددت المحاولات والقدر واحد. سقطن جميعا بلا إستثناء في شراك القراءات اللانقدية الموهومة والمتحيزة. وبعد عقود من الزمان، لا زالت الكثير من الأقلام ترزح تحت وطأة تراث راسخ من الوصاية والطمس والطمر والإمحاء. وتتكسر تحت قصف المرجعيات الضيقة والتواطؤ المخجل، والأفكار الضارة التي تتكاثر في دركات العتمة والعطن. لتواجه الذات المبدعة الكثير من العسر والعثار يضاف لعنتها وهي تجهد للإنفصال عن تراث ضخم من الفرضيات المتحجرة والمسبقات السلفية الراكزة. فهاهي سماهر الضامن تلخص التجربة الشائكة لجيل من المبدعات الخليجيات قائلة : « حتما أحسسن بكثير من الغربة في هذا العالم المرتب و المعد سلفا». وتلتقط ذات الخيط الكاتبة السعودية بدرية البشر لتكمل : « كان هناك تيار متشدد يعمل بجهد منظم على كنس مظاهر الكتابة الأنثوية من على السطح الثقافي. فشدد الرقابة، وشكك في النوايا، ورمى التهم جزافا، ليصبح كل أسم نسائي لكاتبة أو أديبة تتملل في عزلتها هدفا يستحق القصف « . وتصرخ مستغانمي ملء حنجرتها « لا موهبة تمر هنا بلا قصاص» !! ويرصد جار الله الحميد أتون نضال نبيل لإقتراح واقع إبداعي آخر بصوت المرأة( الأنسان) لا المرأة( الغرض). وينتبه عيسى الحلو للموقف غير النقدي ازاء ابداعية المرأة فيدون بمداد أسيف « نمتدح إنتاج المرأة الأدبي بفعل سوء الطوية، تماما كما نمدح أفعال الأطفال المتميزين». لعل عيسى الرهيف لم يقو على القول بأن ذلك يشبه زخات التصفيق الحماسي الدهش لحيوان سيرك إستطاع أن يتجاوز تصوراً سائداً و فكرة مسبقة عن إمكاناته الإدراكية المحدودة. أو ربما يشبه أكثر فجاجة الإحتفاء التعويضي الساذج بالتربيت على أكتاف الهامشيين و الضعاف ورفعهم للواجهة لبعض الوقت. لتضيع في كل الأحوال الرؤى النقدية الناضجة والمحايدة في سخام اللافكرة وزحام اللانقد، حتى ليبدو بجلاء أن التصفيق المغرض هو محض تمويه أيديولجي آخر، قمع هاديء وإغتيال صامت بحلوى مسممة، أو بحفنة سماد كيماوي حارق ينثر حول أوراق غرسة مسالمة أرادت أن ترفع رأسها الأخضر، وتمد جذورها في حقل الامكانات والسعة الأنسانية، كنبتة طبيعية ليس بالضرورة أن نترصد بحذر تمخضها عن زهرة أو شوكة.