كلما مضت عقارب ساعة السودان نحو توقيت الإنتخابات العامة المزمع إقامتها في إبريل من العام القادم، كلما تشعبت وجهات النظر حولها وحول الكثير من الأولويات والإلتزامات التي يجب الوفاء بها قبل ذلك الموعد، وواحدة من هذه الالتزامات قانون الإنتخابات نفسه الذي ظل على طاولة البرلمان يثير الجدل لفترات طويلة، لما يمثله من اهمية للخطوة ذاتها، والأسبوع الماضي لوحت عدة أحزاب بإمكانية مقاطعتها الإنتخابات حال إجازة القانون بالأغلبية الميكانيكية. ولعل هذا وغيره جعل عدداً من الأصوات الإعلامية والأكاديمية وحتى ذوي الخبرة في المجال ينادون بتأجيل الإنتخابات عن موعدها المحدد لتلافي الكثير من الإشكاليات، ولكن التأجيل ربما يترتب عليه إن حدث الكثير سلباً وإيجاباً؟ فهل هو ممكن من حيث المبدأ؟ وماذا يمكن ان تكون نتائجه؟ قيامها ضرورة ? يؤكد كثير من المراقبين أن قيام الإنتخابات في موعدها ضروري ولا يمكن الحياد عنه لدعم خط التحول الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة المفترض حدوثه وفقاً للإتفاقيات ولتطلعات الأحزاب وجماهيرها، وقد نحا أتيم قرنق نائب رئيس المجلس الوطني في هذا الإتجاه في حديثه ل (الرأي العام) حيث قال إن عوامل كثيرة تتعارض مع الإتجاه نحو تعديل موعدها أهمها ان أي تعديل قد يعني ان المؤتمر الوطني والحركة الشعبية يريدان أن يبقيا في الحكم مما يهز مصداقيتهما ومصداقية الإتفاقيات، ويبدو وكأنه محاولة للإلتفاف على جديتهما في التحول الديمقراطي. ولذلك فإن الشريكين حريصان على ان تقوم في موعدها لأن البلد في حاجة إلى تصويت الشعب وإجماعه حول من يفوض، وأعتقد «والحديث لقرنق» أنه إذا قامت الإنتخابات سيكون إستفتاء على الإتفاقيات وبالتالي تسهل حركة من يأتي به الشعب حتى لو كان الوطني والحركة الشعبية أو غيرها. ويفترض بعض المراقبين ان أسباباً كثيرة تجعل من تأجيل الإنتخابات «حال حدوثه كارثة تعيد السودان للمربع الأول.. ويقول قرنق إن إتفاقية السلام ونصوصها مرتبطة بالإستفتاء في جنوب السودان وأي تأجيل سيقود لتأجيل الإستفتاء الأمر الذي قد لا يوافق عليه الجنوبيون. ويخلص قرنق إلى أن قيام الإنتخابات في موعدها أفضل من عدمه لأن الأحزاب التي ستأتي بالأغلبية هي المقبولة للشعب وبالتالي تستطيع تسيير الأمور بأمان. قيام مشروط والواضح ان أغلب الأحزاب كانت قد أعلنت جهوزيتها لخوض الإنتخابات في موعدها المعلن خاصة الأمة والإتحادي الديمقراطي والشيوعي والشعبي حتى ان مولانا محمد عثمان الميرغني أكد الشهر الماضي في حوار للشرق الأوسط تمسكهم في الحزب الإتحادي بقيام الإنتخابات في موعدها إحتكاماً لصناديق الإقتراع. لكن مولانا الميرغني يعود فيقول في حواره ذاك أنه لا مانع من التأجيل إذا بحث مؤتمر المائدة المستديرة للقوى السياسية للوفاق «حال إنعقاده» أمر قيام الإنتخابات واتفق حوله. ويؤكد هنا علي السيد القيادي بالتجمع الوطني الديمقراطي عدة الشروط لقيام الإنتخابات أولها ضرورة أن يسير قانون الإنتخابات سيراً طبيعياً وان يكون لرئاسة الجمهورية كلمتها فيما يلي الخلاف، كما انه لا يمكن قيامها في ظل القوانين المقيدة للحريات لذلك لابد أن يتبع قانون الإنتخابات إلغاء قوانين الامن الوطني والصحافة والمطبوعات ونقابات العاملين والإجراءات الجنائية وتعديل قانون العقوبات حتى يتسنى إجراء إنتخابات حرة ونزيهة، ويقول علي السيد انه من الضروري الإسراع بإجازة قانون الانتخابات قبل إنتهاء هذه الدورة. وأكد أن المؤتمر الوطني يسعى بكل ما لديه لإجراء الإنتخابات في ظل هذه القوانين ليكتسحها. وعاد علي السيد ليفترض أن الشريكين يسعيان إلى حد ما لتأجيل الإنتخابات خاصة الوطني وهذا الامر يتطلب تعديل الدستور الذي لابد من موافقة الشريكين عليه ويقول: (يبدو انهما يعملان منذ الآن على تعديله ليستمر البرلمان إلى نهاية الفترة الإنتقالية، الشريكان يريدان ان يحملا احزاب المعارضة تأخيرها او عدم إجرائها) ولكنه عاد وأكد ان مصلحة الأحزاب في قيامها في موعدها مع ضرورة ان تسبقها التعديلات المطلوبة لأن الأحزاب ستفشل إذا قررت أن تخوضها في ظل هذه القوانين وستخسر إذا رفضت أن تخوضها! أفضلية التأجيل ويمضي معظم المراقبين في إتجاه أن قيام الإنتخابات في ظل ظروف غير مواتية سيقود إلى نتائج غير مقبولة ستفتح الباب أمام الاحتمالات كافة.. كما ان الوقت المتبقي ليس كافيا للأحزاب للإستعداد لها، ويرى د. صفوت فانوس المحلل السياسي المعروف ان أهمية قيام الإنتخابات واضحة لضرورة الإحتكام إلى الشعب، ولكن فيها حساسية كبيرة تنبع من ضرورة أن يكون هناك إجماع بين أغلب القوى السياسية الفاعلة على قانون الإنتخابات، ومع ذلك فإن رأيي الشخصي «والحديث لفانوس» أنه لو لم يتم تراضٍ وإتفاق حول القانون فإن عدم قيامها أفضل من قيامها وسط هذه الخلافات لأن ذلك سيزيد حدة الصراع، فالصراع الحالي تحت السيطرة. ونقطة اخرى وهي أن الأحزاب لو خاضت الإنتخابات وهي غير مستعدة فإنها ستفشل، فما فائدة قيام إنتخابات لا تأتي بالإستقرار السياسي؟ وبرأيي ان يكون تأجيل لعام واحد وليس تأجيلاً لا نهائياً. ولكن أتيم قرنق لم ير داعياً لربط الإنتخابات بإستعداد الأحزاب لأنها قرأت الإتفاق وتعرف كل ما يتعلق بالإنتخابات منذ فترة مبكرة وعليها ان تهيئ نفسها، وأهم شئ في الإنتخابات أن تكون هناك فرصة لمفوضية الإنتخابات لتعيين موظفيها وتدريب منسوبيها وغيره، وذلك مربوط بإجازة القانون لذا يجب ان يجاز بسرعة. وكيفما كان الامر فإن جملة المسوغات التي يسوقها المطالبون بالتأجيل تبدو منطقية وواقعية لكنها تصطدم بمطالب بعض القوى السياسية الطامحة لإيجاد نهاية لسلطة الشريكين الإنتقالية، وإلى تحول ديمقراطي يفضي إلى إجماع حول حزب أو مجموعة أحزاب تمتلك الشرعية عبر صناديق الإقتراع مما يجعل قيام الإنتخابات القادمة في موعدها آخر محطات الصبر التي لا يعرف أحد ما سيحدث بعدها! وإلى أن يحدث إجماع حول كافة القضايا المعلقة يبقى التأجيل خياراً مطروحاً لكنه الخيار الصعب..