منذ اول تبادل دبلوماسي بين الخرطوم وطوكيو في العام 1961، اتسمت العلاقات السودانية اليابانية بتطور مضطرد، وثبات في كل الحقب، رغم ان العلاقات في المسرح الدولي عرضة لتقلبات السياسة والمصالح الدولية، ويعد عقد الثمانينات من القرن الماضى من افضل فترات العلاقات السودانية اليابانية وتميزت بالتعاون في مختلف المجالات، ورغم ان علاقات السودان في التسعينات تدهورت بالعالم الغربي وحلفائه، ولكن ظلت علاقات اليابان بالسودان مستمرة وإن شابها الفتور النسبي، وسرعان ما استعادت العلاقات زخمها بعد توقيع إتفاقية السلام الشامل لتواصل اليابان جهودها في تعزيز السلام في السودان، من خلال المنح التي قدمتها لمنظمات انسانية ودولية عديدة عاملة في المناطق المتأثرة بالحرب حيث بلغت المساعدات للجنوب «200» مليون دولار، وتوجت تلك الجهود بفتح مكتب الوكالة اليابانية للتعاون الدولي (جايكا) في السودان بعد إنقطاع دام «14» عاما. وقال السفير اليابانيبالخرطوم يويشى إيشي في حديث لوكالة السودان للأنباء الى ان (جايكا) يقوم بتنفيذ بعض الأنشطة التنموية مثل مشروع تأهيل مركز التدريب المهني في مدينة جوبا. وفي مجال التدريب والمساعدات الفنية ذكر أن اليابان تقدم سنويا العديد من المنح الدراسية لنيل الشهادات فوق الجامعية للطلاب السودانيين في مختلف المجالات العلمية، مشيرا إلى أن هناك أكثر من «300» طالب يتلقون تدريبات ودراسات في اليابان في مختلف المجالات، مضيفاً في حديثه إلى أن اليابان ما زالت تتولى رعاية وتأهيل مستشفي إبن سيناء التخصصي بالخرطوم الذي أنشئ بدعم مالي وفني من اليابان ويتم كذلك تدريب العديد من الكوادر الطبية في اليابان. ترافق هذا التعاون في مجالات التنمية وتعزيز السلام مع تبادل للزيارات بين كبار المسؤولين، وعرض من اليابان بإمكانية إعفاء ديون السودان لديها، واعلان نيتها إرسال قوات غير مقاتلة للعمل في السودان ضمن القوات الهجين لحفظ السلام في واحدة من المرات النادرة التي ترسل فيها اليابان قواتها خارج الحدود، فعلت ذلك في العراق قبل ان تسحبها رغم اختلاف ظروف العراق عن السودان، وكان رئيس الوزراء الياباني ياسو فوكودا قد اعلن الاسبوع الماضي عقب اجتماعه مع الامين العام للامم المتحدة بان كي مون في طوكيو ان بلاده سترسل مسؤولين عسكريين للعمل في بعثة الاممالمتحدة لحفظ السلام في السودان، ولم يحدد فوكودا حجم القوات وتفويضها وترك ذلك للبرلمان والاجهزة المختصة، وقال فوكودا للصحافيين في مؤتمر صحفي مشترك مع بان «نقلت رسالة للامين العام مفادها تصميم اليابان بوصفها بلدا يدعم السلام على المساهمة بصورة شاملة في السلام والتنمية في المجتمع الدولي». ويذكر ان دستور اليابان يقيد مشاركتها في انشطة عسكرية خارج البلاد ويحظر عليها استخدام القوة لتسوية نزاعات دولية. ولبحث إمكانية إرسال القوات، اوفدت طوكيو وفداً من لجنة الأمن بالبرلمان الياباني التقى في الخرطوم بلجنة الأمن والدفاع بالمجلس الوطني (البرلمان) وبحث الجانبان جهود دعم عملية السلام بالسودان وإسهام اليابان بالتعاون مع بعثة الأممالمتحدة في بناء السلام. وأكد الجانب الياباني الاهتمام بإعادة التعمير للمناطق التي تأثرت بالحرب والإسهام في دعم جهود السلام وتشجيع الحكومة السودانية في هذا المجال. وفي ملف قضية دارفور تتطابق رؤية طوكيو للحل مع الخرطوم، حيث أوضح السفير أن بلاده تؤيد بشدة ضرورة تشجيع الحوار بين جميع أبناء دارفور أنفسهم، لأن حل المشكلة لن يتم إلا سياسياً، ودعا كذلك إلى ضرورة أن يتم بناء الثقة بين جميع الأطراف وأن يسعى الجميع إلى تحقيق السلام في دارفور عن طريق المشاركة الشعبية. وأكد على دعم اليابان الكامل لكل المجهودات المشتركة بين الأممالمتحدة والإتحاد الافريقي لحل هذه الأزمة في أسرع وقت ممكن. ويظل التقارب الياباني السوداني المتصاعد اقتصادياً وسياسياً، يثير عدة أسئلة، حول التكالب الآسيوي على السودان في ظل فتور العلاقات السودانية مع الغرب عموماً، ويرجع مراقبون التوجه الياباني الى حالة التنافس الآسيوي بين الصين وماليزيا التي تُحظى بنسبة كبيرة من الإستثمارات في السودان وتكاد تحتكر قطاع صناعات النفط في السودان، وتسعى الدول الآسيوية المتنافسة من تكثيف حضورها التجاري والسياسي في السودان توطئة للإنتشار في القارة الافريقية، في إطار تنافس أوسع مع الولاياتالمتحدة والإتحاد الأوربي حول أسواق واستثمارات وموارد القارة الافريقية، ويرى مراقبون ان سعي اليابان الى إرسال قوات الى السودان هو جزء من التنافس الآسيوي الدولي على افريقيا وهو يدعم في الوقت نفسه طموح اليابان في الظفر بمقعد دائم لها بمجلس الأمن الدولي.