تفوتنا فى بعض الأحيان (فعاليات) لدخولها علينا من بابٍ داخلى، لكنّنا نستطيع اللحاق بها لو لاحقناها من نافذة خارجيّة! إذا سمحتم لى بالكشف عن ملامح ولعى فستجدون المشترك بيننا وغير المشترك... لذلك أكشف لكم أننى أُفضّل الموسيقى البحتة على الموسيقى المشبّعة بالكلام، المشهورة بالغناء... أُفضّل هذا النوع من الأشكال الفنيّة بكل سلالمها وتصنيفاتها وبكل أنماطها وجنسيّاتها بما فيها سودانيّة الجنسيّة! قبل أسبوع استقبلت أمسيات الخرطوم حفل الإعلان عن فرقة موسيقية جديدة، فرقة (تِبْر)... كان الحفل تحرير شهادة ميلاد للفرقة... بالطبع فاتنى حفل التدشين لأنّه دخل علينا من الباب ونحن غائبون، لكنّى لاحقته حتى توصّلت إليه من النافذة! فرقة (تِبْر) بقيادة الموسيقار واسع الأفق الموسيقى الدكتور كمال يوسف، وتقف من خلفه مجموعة مقتدرة ومؤهّلة من العازفين والعازفات، وأعظم ما فى هذه الاوركسترا هو التحاق اثنين بها ليسا سودانيين بل يحملان الجنسيّة النمساوية، وهى شهاة تُجدّد نفسها بأنّ الموسيقى السودانية (المُنََوّتة) يمكن أنْ تلعب عليها كل شعوب الأرض فهى تحمل كل مواصفات الموسيقى المتوافرة عند غيرها، لذلك من السهل النُطق بها بين الناطقين بغيرها! سمعت وشاهدت من فرقة (تِبْر) مقطوعات من بنات الأفكار الموسيقية لقائد الفرقة، مقطوعة امدرمان ومعزوفتا النخيل والعروسة والصورة البصريّة لموسيقى رحلة مَرْكِب بمنطقة السبلوقة فرأيت وسمعت عملا موثقاً لطورٍ موسيقى يتصاعد فى مشهد الموسيقى السوانية، طور كمال يوسف! الموسيقى السودانيّة لها جغرافيا وتاريخ، جغرافيتها هى جغرافية السودان وتاريخها يسير فى ذات مسارات التاريخ السودانى، وهى لا تعانى من مشكلة الأغنية السودانية، مشكلة العُزْلَة، فهى تتحدّث (لهجة) موسيقية يفهمها كل العالم، ولو بحَثت عن التقديم الجاد فستنفتح لها الأبواب الواسعة لكل المسارح فى دنيا الله الموسيقيّة! تحاصرنى مشاعرٌ فنيّة لبث تهنئتى لفرقة (تِبر) وقائدها وأعضاء فرقته على اللياقة الموسيقيّة التى ظهروا بها فى حفل الميلاد الذى كان حدثاً مُهمّاً فى شريط أخبار السودان، فأخبار السودان لا تأتى بها طاولات التفاوض فقط، فقد تأتى من عبقرية موسيقار نجحَ فى تقديم موسيقى مُحوّرة وراثيّاً!!