هزمتني غِوايةُ البَوْحِ أمامَ صُمودِ تلك المرأةِ ذاتِ العمرِ المُتقلِّب على رمْضَاءِ الصّبر، امرأة تتوشَّحُ بالأصالةِ السودانيةِ، ومكارمِ الأخلاقِ تربت على الطُّهرِ، والعفافِ، وتزوجتْ من رجلٍ موجودٍ مفقود، أخرجَ الزمنَ من ماضيها، وصوَّبه على خاصرةِ مستقبلها فعاشت بلا حاضر! أفنت حياتَها تُنجِبُ، وتُرَبِّي له، وتَخدِمه وأهلَه بدونِ كللٍ أو مللٍ، لا تناديهِ إلا بأبِي فلان، ولا تقابِلُه إلا بغطاءٍ على رأسها تقديراً، واحتراماً له، وهو غافلٌ عنها،غارقٌ في مُتعِ الحياةِ وملذَّاتِها، هائمٌ في عِشقِ الجمال الذي يحيكُ تفاصيلَ أنثى... تزوَّج عليها بعد أن وصَفَها بما لا يليقُ بِها تشويهاً لسماحةِ قلبِها، وشاع الخبرُ، وجاء والدُها لينْبِئَها بالنبأِ الأليمِ مواسياً، ومادحاً لها فقال:- تزوج زوجك !!!!! ومعه حق! فضرَّتُك لا تفوقكِ في الحسنِ، والعلمِ، ولكنها تفوقُكِ في انتعالِ الكعبِ العاليِ، ووضعِ الأصباغِ على وجهها، وتدخينِ السجائرِ، وإجادةَ الرقص، وقفتْ صامتةً تتلو فروضَ الأوجاعِ، وتشهدُ إجهاضَ الكُحلِ من عينيها. لقد ارتطمت ارتطاماً سريعاً بحاجزٍ غيرَ قابلٍ للحركة، كانتْ تجهلُ تعويذةَ النساءِ، كلَّ ما قدَّمَتْه له لم يُغْنِه، ولم يُسْمِنْهُ. فجوعهُ كافرٌ، وأرضها خصبةٌ لكنها لا تُشبع الكفار! بعد عدة سنواتٍ تزوجَ بأخرى، فالعينُ لا يملؤها إلا التراب، والرجلُ إن أرادَ الزواجَ وتعدادَه وجدَ مئاتِ المبرراتِ لنفسهِ، ولمجتمعِه، ولربّما ظلَّت زوجُه المسكينةُ تأكلُ نَفْسها، وتعيش ضغوط الحياة بين شقي رحاه. يعتبر موضوعَ تعدُّدِ الزوجاتِ من الأمورِ المثيرةِ للجدل، والّتي ترتبِطُ في الأذهانِ بكثيرٍ من المفاهيمِ، والأفكارِ، والمعتقداتِ الشائكةِ لدى المرأةِ، والرجل على حدٍ سواء، وهو ليس حكراً على المجتمعاتِ العربيةِ الشرقية، وليس مرتبطاً فقط بالثقافة الإسلاميةِ، ومنهجها الذي يَعتبره عملاً مشروعاً يُمَارَسُ وِفق ضوابطَ ذُكرَت في القرآنِ، والسنة، بل إن بعض المجتمعاتِ البدائيةِ، وبعضَ الطوائف المسيحيةِ تسمحُ بهِ، ولكنَّ الانفعالاتِ النفسية الّتي يمرُّ بها الرجلُ وزوجيْهِ هي التي تُعَقِّدُه، وتُحَوِّلُه لأزمةٍ تَقْتاتُ من سعادة الأسرةِ، فأغلبُ الرِّجالِ يميلُ عنِ العدل، وتراه زوْجُهُ الأولى، وأهلُها صورةً بَشِعَةً للظلمِ، وانتقاصاً للكرامة، والكبرياء. أما زوجُهُ الثانيةُ فإما أن تَنزوي شاعرةً بالذنبِ، أو تتسلحُ بأسلحةِ المواجهةِ لتبدأَ الحرب، فلو تفهمتْ كلتاهما أن تعدُّد الأزواجِ فطريٌ لدى الرجل، وعلاقَتُه مباشرة بالموروثِ الجيني، والثقافي، والتربوي، وليس مرتبطاً بما تملكه أو لا تملِكُهً الزوجُة الأولى من مزايا، وخصالٍ حسنةٍ أو سيئة، لهدأتْ نفْسُها وارتاح جنانَها، فإن كانت ملاكٌ لَرُبّما رغب زوجها في الزواجِ بأخرى، وقد لا يفكر به وإن كانت من الأباليس! إن السعادة تنبعُ من الدَّاخل، ومن الثقة بالله مدبرِ الأمرِ كلِّه، فلْيَتَّقِ الرِّجالُ اللهَ في نسائهم، فقد أوصى بِهِنَّ الرسولُ الكريمُ عليهِ السلامُ خيراً.