احتفت عددٌ من الوسائط الإعلامية أمس بخبر منسوب إلى د. علي الحاج القيادي بحزب المؤتمر الشعبي المعارض، نقلته عنه مصادر من مقر إقامته بالعاصمة الألمانية، أكد فيه ضرورة تعجيل مساعي الوفاق بين حزبي المؤتمر الوطني الحاكم والمؤتمر الشعبي المعارض، لما تقتضيه المرحلة المهمة - حسبما نقل الراوي -. والحديث عن وحدة الإسلاميين، وعلى وجه الدقة وحدة حزبي المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي، لم ينقطع طوال أربعة عشر عاماً هي عمر انشقاق المؤتمر الشعبي عن حزب المؤتمر الوطني بعد الخلاف بين رئاسة الجمهورية والمجلس الوطني الذي اشتهر بخلاف القصر والمنشية ومفاصلة الرابع من رمضان. وتمسك د. حسن عبد الله الترابي رئيس المجلس الوطني وقتها بتمرير الإصلاحات التي اقترحها المجلس ورفضها الرئيس عمر البشير، وانتهى الخلاف إلى الإطاحة بالدكتور الترابي رئيس المجلس وتجميد عمل المجلس. ولم يكتب النجاح لكل مبادرات الصلح ولم شمل القصر والمنشية مرةً أخرى، كما فشلت مساعي لجنة رأب الصدع التي قادها بروفيسور عبد الرحيم علي لطي صفحة الخلاف ولم الشمل، إلى أن أسس الترابي حزباً معارضاً جديداً (المؤتمر الشعبي). ومنذ تأسيس الحركة الإسلامية في تكوينها الكبير بالسودان، انتاشتها سهام الخلاف والتصدع والانشقاق، وكان أشهرها خروج شيخ صادق عبد الله عبد الماجد عن جلباب جبهة الميثاق الإسلامي وتأسيس جماعة الإخوان المسلمين في العام 1980م وموالاة التيار العالمي للإخوان المسلمين، وقطع الطريق أمام أية محاولة للم شمل الإسلاميين، كما قطع كمال عمر الأمين السياسي لحزب المؤتمر الشعبي شعرة الأمل ? التي كان يمكن أن تكون قائمة - للم شمل الشعبيين مع الحاكمين. وقال كمال في حديثه ل (الرأي العام) عبر الهاتف، إن المسافة السياسية بين الشعبي والوطني تباعدت جداً، بل غدت في عداد المستحيل، وأضاف بأن ما يمنع لم الشمل والوفاق هو الاختلاف والخلاف حول موضوع إطلاق الحريات العامة، وقضية الشورى لجهة أن الوطني يعتبر الشورى معلمة فيما هي أمر ملزم حسبما يعتقد الشعبي، وجوهر الخلاف حول كيفية جعل الإسلام نموذجاً يُحتذى للحكم، واستند كمال في حديثه على مخرجات الاجتماع السابع لهيئة القيادة العليا للحزب وهو في قيمته وأهميته في اتخاذ القرار يأتي بعد المؤتمر العام. وفي ذلك الاجتماع فصلت هيئة القيادة أمرين: لا حوار مع المؤتمر الوطني ما لم يوافق ويقبل فكرة تشكيل الحكومة الانتقالية بوضع انتقالي كامل لا تكون الكلمة فيه للوطني، بالإضافة إلى أنّ أيِّ حوار يجب أن يتجاوز الحوار بين الإسلاميين، إلى الحوار مع كل مكونات القوى السياسية بمن في ذلك حاملي السلاح، ويرى كمال ان الساحة السياسية الراهنة ليست في حاجة الى وفاق الإسلاميين مثلما هي في حاجة الى وفاق كل أهل البلاد. والوضع كذلك عند الشعبي، فإنّ كثيراً من المراقبين يتفقون في أجزاء كثيرة مما ذهب إليه كمال عمر، خاصةً في ظل الظروف الحالية التي يمر بها السودان عقب انفصال جنوب السودان، وتأرجح الأوضاع في إقليم دارفور، والوضع الأمني الذي فرض نفسه أخيراً في ولايات كردفان، وتنامي الأصوات المطالبة بالإصلاح، وتباعد الخُطى بين الفسطاطين. ويتفق بروفيسور صلاح عبد الرحمن الدومة أستاذ العلاقات الدولية بجامعة أم درمان الإسلامية في بعض ما أفاد به كمال، ويقول في حديثه مع (الرأي العام) أمس، إنّ الحديث عن فرص للوفاق بين الشعبي والوطني ضيقة وتكاد تكون معدومة، لجهة أنّ الإنقاذ بدأت أيديولوجية ثمّ تحوّلت إلى جهوية وفي الوقت الراهن أصبحت عرقية، لذا فإنّ احتمالات أي وفاق أو وحدة بعيدة. بيد أنّ د. ربيع عبد العاطي عضو القطاع السياسي بالمؤتمر الوطني، يذهب عكس ذلك تماماً، ويرى أن فرص الوفاق والوحدة بين الشعبي والوطني كبيرة، لجهة المرجعية الإسلامية التي تجمع الطرفين، ويقول إنّ الخلاف ليس جوهرياً وهو خلاف حول الهياكل والتقديم والتأخير وعلى بعض الأشخاص، وفيما يتعلّق بالفكرة يوضح عبد العاطي إمكانية الاتفاق حولها بحكم أنّ الخلاف حولها ليس مذهبياً أو أصولياً، ويرى عبد العاطي أن التحديات الماثلة والمتمثلة في بناء علاقات وطيدة مع دولة جنوب السودان، بجانب تحركات حاملي السلاح، والمتغيرات السياسية الجارية في الإقليم كلها كفيلة بتضييق شقة الخلاف بين الطرفين، ويستطرد بأن هذه اكبر فرصة للم شمل الإسلاميين. هذه العودة، ولم الشمل الذي يأمله البعض، ويرى أن فرصه متساوية، يحتاج بالضرورة إلى اشتراطات يجب توافرها على أرض الواقع، وتنازلات ومرارات يجب تجاوزها - كما أشار د. علي الحاج القيادي بالمؤتمر الشعبي في تصريح ل (الرأي العام) قبل أيام، حيث ذكر أن على الجميع تجاوز مرحلة المرارات ? كما فعل هو - لجهة أن القضية قضية وطن وهوية. كل ذلك لخلق الأرضية المناسبة لخلق هذا التقارب والوحدة التي تقود بدورها ? ربما - إلى توحيد كل أهل السودان حول رؤية موحدة لإدارة البلاد. ويضع د. الدومة عدداً من الشروط، ويقول إنّ أية فرص للوفاق مرتبطة بمدى استجابة الوطني للشروط التي طرحها الشعبي والمتمثلة في إطلاق سراح معتقلي الحزب ومحاكمة المفسدين، وتقديم المطلوبين للعدالة للمحاكمة، وحسب الدومة فإنّ الوطني بحديثه عن محاربة الفساد، وإنفاذ الوعود التي أطلقها الرئيس عمر البشير بأن آخر العام سيشهد طي ملف الحرب بمنطقة جنوب كردفان، وحل قضية اقليم دارفور، حال نزلت على أرض الواقع، ربما تمهد للحوار والحل الشامل، بيد أنّ الدومة قال: لا نتوقع أية حلول ناجعة لجهة أن كل الوعود التي أطلقت من قبل لحل القضايا والحوار ظلت حبيسة في وسائل الإعلام.