يكشف واقع المرأة العربية عن تقدم ملحوظ في أوضاعها والسير حثيثاً نحو الإنخراط في المناشط المختلفة التي كانت بعيدة عنها على مدار سنوات طوال. ورغم هذا التقدم المشهود إلا أن المراقبين والمهتمين بقضايا المرأة يرون أنها ما زالت تواجه تمييزاً اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً إذا قورنت بالرجل.. وقالوا إن ما تحقق من تقدم فعلي في حجم مشاركة المرأة في التنمية يقل كثيراً عن ما تضمنته الاتفاقيات الدولية والعربية وما أقرته التشريعات الوطنية في الدول العربية.. --------------------------------------------------------------------- كانت هذه الأوضاع محل نقاش في ملتقى التحديات التشريعية والاجتماعية وتأثيراتها على مساهمات المرأة العربية في التنمية بمبادرة من المنظمة العربية للتنمية الإدارية بجامعة الدول العربية وتنسيق مع اتحاد المرأة السودانية تداعت له نخبة من النساء العربيات من مصر والمملكة العربية السعودية والمملكة المغربية وقيادات نسائية سودانية.. وعرضت القضايا بشفافية متعمقة وكان على رأس المتحدثات في الملتقى مولانا فريدة ابراهيم مستشار رئيس الجمهورية (سابقاً) والتي قالت: إن المرأة العربية ما زالت تواجه العديد من التحديات العالمية والإقليمية والمحلية مما يتطلب ضرورة تمكينها ودعم مشاركتها في عملية اتخاذ القرار وتعزيز وصولها الى مناصب السلطة، وأضافت أن وضع المرأة في الحياة السياسية والاقتصادية ما زال مضطرباً مما حرم المجتمع من أداء المرأة دورها كاملاً في تنمية وتحقيق تقدمه.. واعتبرت أن الدور التشريعي في كثير من الدول العربية يسلب المرأة حقوقها التي أقرتها لها الشريعة الإسلامية منذ (41) قرناً، وما أقرته لها المواثيق الدولية في القرن العشرين مثل ميثاق الأممالمتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية والعديد من الاتفاقيات الدولية فيما يتعلق بمساواتها مع الرجل وتميزها إيجابياً بحكم تكوينها الفسيولوجي أو معتقدها الديني. وأكدت في حديثها أن ما وجدته المرأة السودانية بفضل الاستراتيجية القومية (السودانية) لتمكين المرأة طفرة، فقد نصت على تبني السياسات والتشريعات التي تساعد على مشاركة المرأة في القطاعات التنموية وتحسين أوضاعها وتفعيل التشريعات التي تصون حقوق المرأة وحمايتها من الانتهاك وتعزيز مشاركتها في مواقع اتخاذ القرار، كما قالت إن المرأة في السودان قطعت شوطاً كبيراً في الممارسة السياسية ولدينا الآن عدد من النساء يترأسن أحزاباً سياسية مما يتيح لهن الحق في الترشح لرئاسة الجمهورية، وحثت المرأة السودانية على التمسك بحقوقها التي كفلها لها الدستور والقانون (فما ضاع حق وراءه مطالب). رجاء حسن خليفة الأمين العام لاتحاد المرأة التي أعطت إشارات واضحة لواقع المرأة العربية والسودانية على وجه الخصوص، كان حديثها يميزه الكثير من التفاؤل لما يمكن أن تحققه المرأة من مكاسب ولكنها تعتبر التحديات الاجتماعية والتشريعية التي ما زالت تواجه المرأة دافعاً للعمل والمبادرة والانطلاق نحو الأفضل كما حدث للمرأة السودانية التي ناضلت منذ قرون عبر مسيرة لتحسين أوضاعها وانتزاع حقوقها، وأنها الآن جنت الثمار حينما أقر لها الدستور المشاركة السياسية في الانتخابات لتحتل ما لا يقل عن (52%) من المقاعد التشريعية وهو حدث لو تعلمون عظيم.. بدت رجاء متفائلة حينما اعتبرت أن مجتمعاتنا في السودان والدول العربية ستقبل المشاركة العادلة للمرأة طوعاً وقناعة بدورها وحينها لن نحتاج لتدابير تشريعية أو تمييز إيجابي ولكنها رهنت ذلك بأن تبذل المرأة جهوداً كبيرة لردم الفجوة في كثير من القضايا التي تواجه النساء كالتعليم والصحة ومحو الأمية، ولم يكن حديث د. عادل عبد العزيز مستشار المنظمة العربية للتنمية الإدارية بعيداً عما أشارت إليه المتحدثات بأن مثل ما تحقق من تقدم فعلي في حجم مشاركة المرأة والضمانات القانونية المتوافرة لتكريس حقها في المشاركة السياسية والاقتصادية وقال إن أدوار النوع الاجتماعي النمطية المترسخة بعمق تحد من فرص التحاقها بالعمل ومشاركتها في اتخاذ القرارات. واضاف: واعترافاً من المجتمع الدولي بدور المرأة الحيوي في تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز دورها في البيئة والتنمية اصدر العديد من الاتفاقيات والاعلانات الدولية التي تؤكد على هذا الدور، ولكن واقع المرأة العربية يقل كثيراً عن ما تضمنته هذه الاتفاقيات والتشريعات الوطنية. اضاف: ان البيانات المستخلصة من الدراسات التي تقدم من المؤسسات المهتمة بأوضاع المرأة ان اكبر نسبة أمية تسود بين النساء حيث تصل الى «80%» وتبلغ نسبة البطالة ضعف بطالة الرجال بين الشباب العربي.. واعتبر أن هذا الوضع الذي تواجهه المرأة العربية لابد أن تقابله مجهودات لمواجهة التحديات بدراسة وتحليل تطور دور المرأة العربية وحدود مشاركتها وتوفير الحماية لها من اي تمييز ضدها.. ووضع العديد من المعالجات للتحديات التي تواجهها وتحد من مشاركتها في التنمية المستدامة.. ودراسة وتحليل بعض التجارب والخبرات العربية الناجحة للاستفادة منها. وركزت قمر هباني امين امانة حقوق الانسان باتحاد المرأة في حديثها عن كيفية تفعيل آليات حماية حقوق الانسان الدولية والاقليمية وحقوق المرأة على وجه الخصوص وسردت الاتفاقيات الدولية والمحلية التي اعطت حقوقاً ومكتسبات عظيمة للمرأة ولكن الكثير من هذه الاتفاقيات كما أوضحت لم تنفذ، وواجهت المرأة العربية تحديات كبيرة لتحقيقها وبذلت جهود كبيرة من قبل منظمات جامعة الدول العربية لتعزيز تمكين المرأة ووضعت خطط واستراتيجيات للنهوض بالمرأة كانت نتائجها تصعيد عدد من السيدات الى مواقع ادارية قيادية في الامانة العامة لجامعة الدول العربية.. واعتبرت منظمات المجتمع المدني آلية مهمة لحماية وتعزيز حقوق المرأة، وقد عملت منظمات عديدة لتمكين المرأة اقتصادياً وسياسياً. وحسبما ترى قمر هباني، ان ما بذل على الصعيدين القطري والاقليمي في العالم العربي لتمكين المرأة ساعد على توافر ارادة سياسية واضحة بمعظم الدول العربية داعمة لهذا الهدف، إلا أنها ترى أن الاوضاع السياسية الاقليمية المتمثلة في الحروب والصراعات تؤثر سلباً على إستدامة العمل على تمكين المرأة فضلاً عن تذبذب القدرة على توفير المال يخصص لمثل هذه البرامج واعتبرته أكبر تحدٍ يواجه المرأة. ومهما يكن من جهود بذلت لتعزيز مكانة المرأة اقتصادياً وسياسياً وحمايتها من التمييز السلبي يبقى الاهم تعزيز قناعة المجتمعات على الصعيد العالمي والاقليمي والمحلي بأهمية الادوار التي تقوم بها المرأة وقناعة الجميع بأن غياب المرأة عن المشاركة في التنمية واتخاذ القرار يعني تغييب قدرات نصف المجتمع.. وبينما يصل الجميع لهذه القناعات لن تحتاج المرأة لتدابير تشريعية ودساتير قانونية تميز المرأة إيجابياً وتعطيها حقوقها كاملة.