أوردت قناة الجزيرة القطرية عبر برنامج «من الناس» حكاية مؤثرة عن مفقود سوداني يُدعى إبراهيم بلال وهو مواطن سوداني يعمل برعي الغنم في إحدى المحافظات العراقية منذ أكثر من عشرين عاماً لقد تقطعت بإبراهيم السبل وفقد أوراقه الثبوتية وانقطع اتصاله بذويه في السودان بسبب تعقيدات حياتية فاقمتها ظروف الحرب الأمريكية على العراق ومن ثم أصبحت عودة إبراهيم إلى السودان في عداد المستحيلات! بتاريخ 2/1/2010م قدمت قناة الجزيرة القطرية حلقة جديدة عن قصة إبراهيم بلال فقد رتبت له لقاء مفاجئاً عبر الصور التلفزيونية الحية مع أفراد عائلته في السودان ، وتقابلت صورة إبراهيم بلال من العراق مع صورة أفراد عائلته من السودان وبعد تبادل التحايا المرتبكة بين إبراهيم وأحد أبنائه احتبست العبارات وانهمرت الدموع وبكى الأب والابن وما أكبر الألم وما أعمق الوجع حينما يبكي رجال السودان! لقد استرسل إبراهيم - رد الله غربته - في شكر الجالية السودانية ببغداد التي أكد سكرتيرها أنه اتصل بالسفارة السودانية في الاردن واستخرج أوراقاً ثبوتية لإبراهيم وأن بعض الخيرين السودانيين قد تكفلوا بقطع تذكرة سفره إلى السودان كما أكد أن المواطن إبراهيم بلال سيتمكن في القريب العاجل من العودة إلى ذويه في السودان بالسلامة! ولكن القصة يجب ألا تنتهي عند هذا الحد ، فهناك آلاف مؤلفة من المفقودين السودانيين الذين انقطعت أخبارهم عن ذويهم في السودان منذ سنوات طويلة واختفوا في العديد من دول العالم بعد أن دفعتهم ظروف الحروب الأهلية والأزمات الاقتصادية والفصل والتشريد من العمل في السودان إلى اللجوء إلى تلك الدول ، وعلى سبيل المثال لا الحصر هناك أعداد لا حصر لها من المفقودين السودانيين في ليبيا وفي الولاياتالمتحدةالأمريكية وفي العديد من دول أوربا الغربية وتكاد كل مواقع الانترنت السودانية تحتوي على مناشدات حارة من أمهات وآباء وأخوان سودانيين يطلبون المساعدة في العثور على أبنائهم أو إخوانهم الذين اختفوا في المنافي والمهاجر البعيدة منذ سنوات طويلة ، كذلك نجد أن المحاكم السودانية تكتظ بقضايا التطليق للغيبة وخوف الفتنة وهي قضايا تُرفع ضد مفقودين سودانيين في الخارج عديمي العنوان، وعادة ما تصدر ضدهم أحكام غيابية بعد إصدار إعلانات بالنشر لا يستطيعون قرائتها! ومن المؤكد أن الوضع القانوني للإنسان المفقود لا يسر حتى العدو فالمفقود تًطلق زوجته غيابياً للغيبة وخوف الفتنة ويصدر حكم بأعتباره ميتاً فلا يرث في أي تركة وإذا كان له أي مال في السودان فيوزع على ورثته باعتباره متوفي ، ولنا أن نتخيل المشاكل القانونية المعقدة التي يواجهها المفقود إذا تم العثور عليه أو عاد أو أعيد إلى السودان وأثبت أنه لم يمت بعد! والسؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا لا تقوم سفارات السودان وجاليات السودان بالخارج بالتنسيق مع وزارة الداخلية بالسودان ومحاكم السودان وحصر أعداد السودانيين المفقودين في الخارج وإعداد قوائم لهم وتكوين آلية رسمية تستعين بالمنظمات الدولية للبحث عنهم ؟! ألا تستحق إعادة لم الشمل السوداني بذل هكذا جهود نبيلة؟! ثم ألا يُعد القيام بذلك واجباً أصيلاً من واجبات السفارات والجاليات السودانية بالخارج ؟! إن هكذا مهام إنسانية نبيلة يجب ألا تترك للصدف أو للمجهودات أو المبادرات الفردية الخيرة لأن الصدفة أو المجهود الفردي قد ينجحان في إعادة هذا المفقود أو ذاك إلى أحضان ذويه بالسلامة ولكن الآلية المنتظمة قد تنجح في إعادة آلاف المفقودين السودانيين في الخارج إلى أحضان ذويهم في السودان الذين لا يعرفون مصير أقربائهم المفقودين ويجهلون تماماً ما إذا كانوا أحياء يرزقون أم أنهم ماتوا وشبعوا موتاً منذ عشرات السنين! الدوحة/قطر