لقد أثارت مسألة ظهور حيوانات شبيهة بالكلاب في بعض المناطق السكنية المحيطة بولاية الخرطوم كثيراً من الجدل بين المواطنين ، وقد سبب هذا الامر قدراً كبيراً من الذعر والهلع في اوساط الجماهير. بداية اود أن اوضح هنا بعض الحقائق والمعلومات عن التوحش والاستئناس ، فكل انواع وسلالات الحيوانات في عالم اليوم كانت حيونات برية أو متوحشة في ازمان غابرة منذ مئات الآلاف من السنين ، وبمرور الزمن وعن طريق الترويض والانتخاب عبرت هذه الحيوانات الفترة بين الاستئناس والتوحش وأستفاد منها الانسان كحيوان لانتاج اللحوم والالبان (الماعز- الضأن- الابقار- الجمال) «أولم يروا انا خلقنا لهم مما عملت ايدينا انعاماً فهم لها مالكون ، وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون» يس الايات( 71-73). واستفاد الانسان ايضاً من اصوافها واوبارها وشعرها وجلودها في بناء مأواه وأوعية لحمل متاعه، كما طوع الانسان بعض الحيوانات لاغراض التنقل بين الاماكن ولتكون جزءاً من مقتنياته واستخدمها كادوات زينة «والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لاتعلمون»( النحل 8) .وقد وردت قصة سيدنا سليمان عليه السلام مع الخيل في سورة ص (30-33) ، والحادثة كما وردت في تفسير الجلالين ان سيدنا سليمان كان يعد الخيل للجهاد وكان من كرائم الخيل الفاً وذات يوم استعرض هذه الخيل بعد صلاة الظهر ومرت امامه تسعمائة منها وحينها غربت الشمس ، ولم يكن قد صلى العصر فاغتم لذلك وعمل فيها تقطيعاً لارجلها وذبحها تكفيراً عن تقصيره في طاعة ربه، فابدله الله سبحانه وتعالى الريح تجري بأمره رخاء حيث اصاب ، ويقال ان بعض هذه الخيل نجت من القتل وارتدت الى التوحش مرة ثانية، ويطلق على هذه الخيل المرتدة الى التوحش مصطلح Mustang(الخيل المتوحشة).الحيوانات التى ترتد الى التوحش (Feral Animals) تشمل ايضاً آكلات اللحوم كالقطط والكلاب ، فالكلاب والقطط قد روضها الانسان واستخدمها في مساعدته بالحراسة ورعي الغنم والتخلص من آفات المحاصيل كالفئران ، ويطلق على القطط والكلاب المستأنسة مصطلح(pet Animals) أي الحيونات المنزلية. ومن المعلوم أن لكل حيوان اليف ما يقابله من الوحوش مثل القط المنزلي والقطط المتوحشة كالاسد والنمر والفهد وبقية القطط البرية ، والكلب تقابله الذئاب والضباع والكلاب البرية ، والبقر يقابلها الجاموس البري ، وكذلك الضأن المستأنس يقابلة الضأن البري (Wild Sheep) والماعز يقابلها الماعز البري (Ibex) ،والحمار يقابلة الحمار المتوحش (Wild Ass) بينما الجمل يقابله الزراف واللاما ... وهكذا. فاذا عدنا لدور الورثة والانتخاب الطبيعي بالنسبة للحيوانات البرية نجد ان هذه الحيوانات البرية قد تميز كل من انواعها بصفات سلوكية وملامح شكلية تختلف عن ما تميزت به حيوانات اخرى في نفس الرتبة ، ولذلك نجد الضبع المنقط تفرد بوجود النقاط على فرائه خلافاً للضبع المخطط الذي تميزت افراده بوجود الخطوط على فروته، كما ان الكلب البري تميز كل افراده بلون معين دالا عليها بحيث لا تخطئه العين من مسافة ، وما دعاني لذكر هذه الحقائق العلمية ان هذه الكلاب التي لاحظها بعض المواطنين - واستطاعت الشرطة قتل افراد منها ، ومنها ما تم تسليمه لقسم علوم الاسماك والحياة البرية بجامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا - فاعتقد ان الكلب ليس نتيجة تهجين بين كلب بري وآخر مستأنس ولم استطع ان الاحظ عليه اختلاط الوان بل تميز بلون موحد ولذلك يستبعد هذا الاعتقاد. قصدت من هذا الطرح بيان ان هذه الكلاب التي تختلف كثيراً عن الكلاب المستأنسة المألوفة لدينا (وكلها كلاب Canines) ربما تكون(Feral Dogs) عاودت السلوك المتوحش مرة ثانية ، كما اود تبيان ان فصائل الكلاب التي تستخدم للقيام بالحراسة ايضاً تشكل خطراً على الانسان وسعيته، واذكر - جيداً انه كانت تنفذ حملات ابادة الكلاب الضالة - وما اكثر الكلاب الضالة في الوقت الحاضر - وذلك حتى العقدين السادس والسابع من القرن الماضي ، كما كانت السلطات البيطرية تقوم بتطعيم الكلاب بلقاح داء السعر - وما اخطره - كاجزاء وقائي ضد هذا المرض الفيروسي الذي تعتبر الكلاب المسعورة العامل الرئيس لنقله بين افراد المجتمع . عليه فإني ادعو- وبكل الصدق والامانة - الدولة والمواطن ومنظمات المجتمع المدني الا يستهينوا بظاهرة تجمعات الكلاب الضالة وان يعملوا على ابادتها والتخلص منها كإجراء من إجراءات الصحة العامة. فالكلب هو صديق وفي للانسان ، وما زلت اذكر قصة الرجل الذي ترك كلبه في حراسة ابنه الصغير، وعندما عاد وجده عند باب المنزل وفمه به آثار دم فقام بقتله على الفور ظناً منه انه اعتدى على الطفل ، ولكن عند دخوله الدار وجد الطفل سليماً وبالقرب منه ثعبان مقتول فندم على فعلته تلك ندامة الكسعي. خلاصة القول ان الكلاب حيوانات مفيدة اذا احسنت رعايتها، غير ان تركها مهملة تجوب الشوارع والازقة يعتبر غفلة ما بعدها غفلة ذلك لانها تنقلب الى كلاب شرسة ومؤذية ويجب محاربتها والتخلص منها ، ولذلك انادي بابادة الكلاب الضالة وتلك مهمة الشرطة وتحصين كلاب الحراسة ضد السعر وهي مهمة اصحابها والادارة البيطرية ووزارة الثروة الحيوانية. والله من وراء القصد ? استاذ علوم البيئة والحياة البرية جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا