* على ذمة الاخبار فى بعض الصحف يقضي الشيخ حسن الترابي اوقاته في محبسه في كتابة ما تبقى من مشروعه التفسيري للقرآن الكريم الموسوم بالتفسير التوحيدي الذي وصل فيه إلى سورة (التوبة) وصدر قبل أعوام مجلده الأول ، وهي ليست المرة الأولى التي يقوم فيها د.الترابي بشغل أوقات سجنه بهكذا نشاط، ففي سجن مايو كتب (المرأة بين تعاليم الدين وتقاليد المجتمع)، وقبيل خروجه الأخير (مارس 2009) ذاع مثل هذا الخبر وعن الموضوع نفسه. * وسيدين الشيخ للسجن -الذي أرجو ان يكون أحب إليه مما يدعوه اليه تحالف جوبا في اعتصامه اللحظي الأخير- في إكمال أهم وأخلد مشروع في حياته وهو تفسير القرآن الكريم من مدخل الرؤية التوحيدية؛ حيث تنتظم الآيات المتفرقة في الكتاب الخاتم في ناظم كلي وعبر قضية مركزية. * والترابي مدين للسجن قبيل الانقاذ في اكمال قراءة امهات الكتب ومعاجم اللغة التي يبرع في توظيف كلماتها ونحت مصطلحاتها، ثم ها هو مدين لسجن الإنقاذ في إنجاز بعض مؤلفاته مثل (السياسة والحكم: النظم السلطانية بين الأصول وسنن الواقع)، و (عبرة المسير)، ثم (التفسير التوحيدي) الذي هو الآن على الطريق. *واستثمار السجن للكتابة والتأمل ليس حالة (ترابية) مخصوصة له، بل هو طريق سار عليه كثيرمن المسجونين ممن يوضعون في خانة المفكرين والعلماء، من اشهرهم قديما ابن حزم وابن تيمية، وفي عصرنا الحديث الشهيد سيد قطب حيث كان مؤلفه الشهير (في ظلال القرآن) أحد ثمار سجون الناصرية. * لكن السجن ليس وضعا ماديا فحسب بل هو حالة نفسية ايضا، فالمسجون برغم أنه تتوافر له اوقات الصفاء للتفكر والتأمل والقراءة، يعيش بنفسية الحبيس المحتقنة بالغضب، ويكتب في مناخ (المحنة) السوداوي القاتم، فهل تراها تنجو الأفكار والكلمات من ظلال هكذا حالة؟ لا سيما والشيخ الترابي نفسه كان يصف منتوج سيد قطب الفكري بأنه (أدب محنة)، وهل تبرأ حالة الشيخ الترابي وأفكاره ومؤلفاته في السجن من ذات توصيفه لصاحب (الظلال)؟ *لقد كان الشيخ الترابي يعقد مجلس التفسير جامعاً فيه فقهاء الحركة الإسلامية وعلماءها والمهتمين للتداول والنقاش حول آيات القرآن كلٌّ بما فتح الله عليه من علم ومعرفة، ثم يتحدث الترابي خاتما المجلس مستفيدا -بلا شك- من التداعي الحر لجلسائه ذوي المشارب التخصصية المختلفة، فيعصم افكاره ورؤاه ويمتحنها بأفكار مجموع الحاضرين، ثم تقوم سكرتارية المجلس بتحرير كل ما قيل وتعرضه على الشيخ فيقوم بالضبط والتصويب، وربما اعادة التحرير، فالتفسير التوحيدي -بهكذا طريقة- هو نتاج مدارسة جماعية يفتقدها -حتماً- الشيخ في محبسه. * لقد كان البعض ممن يرجون للترابي (المفكر) ان ينتصر على الترابي (السياسي) ، يظنون ان ما بعد السبعين من العمر احق ان يقضى في انجاز مشروع فكري لم ينجز فيه الترابي غير النزعات من جنس الدعوة لأصول فقه جديدة، فلم يعد في العمر وقت لبدايات جديدة -كما يقول صلاح احمد ابراهيم- ليبددها الدكتور الترابي -اطال الله عمره في طاعته- في سجال السياسة المكرور، فدعا من دعا -سرا وعلانية- الشيخ الترابي لاعتزال العمل التنفيذي الحزبي والإفطار على مائدة الأفكار المعطونة في تجاريب العمل، والمرفودة بكسوب ومجاهدات الحياة العامة، وقال البعض ان لم تستطع الحكومة ان يتسع صدرها للترابي حرا طليقا فأدنى ما يحتمل خاصته اقامة جبرية بمنزله بدلا عن سجنه، وإن كان الظن الغالب ان السياسي يوقن ان السجن أحب اليه فهو من مداخل الخلود، كما قال العقاد: (وكنت جنين السجن تسعة أشهر ? فها أنذا في ساحة الخلد اولد)!