في إطار ما نقله الاستاذ محمد حسنين هيكل في برنامجه «تجربة حياة» عن أهم وأخطر محادثات اجراها الزعيم جمال عبد الناصر مع القيادة السوفيتية وملابسات استضافته للسيد الصادق المهدي رئيس حزب الأمة والسيد عبد الخالق محجوب سكرتير عام الحزب الشيوعي السوداني في مصر بعد احداث الجزيرة أبا حفاظاً على حياتهما من جهة ولتخفيف الاجواء الحادة ودعوته للوحدة الوطنية لأن السودان لا يحتمل عنفاً ولا حرباً أهلية، وفي كتاب عبد الناصر والسودان «الطبعة الأولى 1992م» نقلت شهادات السيد محمد عثمان الميرغني رئيس الحزب الإتحادي الديمقراطي والسيد الصادق المهدي وآخر حديث أجراه معه صحفي عربي او سوداني هو الاستاذ محجوب محمد صالح، وفي زيارة عبد الناصر الأخيرة للسودان في 25مايو 1970م شددّ على لقاء السيد محمد عثمان الميرغني، لأنه في زيارة يناير 1969م طلب لقاءه أو زيارته في مقره دون طائل، ولكن في هذه المرة أي مايو 1970م فقد تم اللقاء في القصر الجمهوري، وعندما أحس اعضاء مجلس قيادة مايو آنذاك ان الاجتماع استمر إلى أكثر مما يتوقعون، جاء الرائد أبو القاسم محمد إبراهيم إلى مكانهما، وصافح الميرغني وجلس، وتوقف الكلام، وعندما أحس عبد الناصر أن الرائد أبو القاسم لم يستأذن في الانصراف التفت إليه ضاحكاً: «احنا اصحاب من زمان» وبعدها انصرف الرائد أبو القاسم، وواصلا الحديث ويقول الميرغني: ان عبد الناصر لم يكن سعيداً ولا مرتاحاً لما حدث في مايو 69لعدة أسباب: * إنه في أعقاب ثورة 1964م وعودة الاحزاب السياسية وصل إلى صيغة تفاهم صحيحة مع القوى السياسية، وبشكل خاص مع الحزب الاتحادي الديمقراطي بحكم أهدافه المعلنة في الاتحاد مع مصر. * إنه تأكد له بعد ثورة أكتوبر 1964م التي أطاحت بالنظام العسكري النوفمبري ان الشعب السوداني لا يطيق ولا يقبل ولا يتوافق مع الانظمة العسكرية. * إنه اعتقد -أي عبد الناصر -ان النظام الجديد «52 مايو» طرح شعارات ثورة 23يوليو 1952م ليجعله في موقع المرتبط به. * والواقع والحديث على لسان السيد الميرغني، ان العكس هو الصحيح أي أن النظام الجديد سبب له قلقاً وازعاجاً بأكثر مما سبب له الارتياح أو الاطمئنان إذ أظهر في مرحلته الأولى نزعة يسارية متطرفة، كما أنه اتخذ اجراءات وقرارات غير مألوفة ولا مقبولة لدى السودانيين، وكان لبعضها ردود فعل وآثار سالبة على المستوىين الاقليمي والدولي. * ظهر له، أي عبد الناصر، الفارق الكبير بين القيادة السياسية المحنكة ذات الخبرة التي تعامل معها منذ عام 1965م إلى عام 1969م والقيادة الجديدة التي انساقت خلف الشعارات وأفرطت في مصداقية التمثيل الحقيقي لشعب السودان، وموروثاته وخصائصه المتميزة، كما انها القيادة التي آزرته ووقفت إلى جانبه وعززت الصمود والتصدي بقرارات القمة العربية عام 1967م. * وأضاف السيد محمد عثمان الميرغني والحديث على لسانه عن اللقاء الأخير معه في القصر الجمهوري مايو 1970م: كان عبد الناصر وقتها يعاني من اجهاد واعياء مزدوج، جانب منه سببه تركيز جهده وفكره في معركة مصيرية ضد العدو الاسرائيلي واسترداد الأرض العربية والقدس، وجانب آخر متعلق بتماسك الجبهة الداخلية في مصر، أما الجانب الآخر الذي أصابه بالاجهاد فهو أحداث مايو 1969التي تفجرت دون توقع سابق وأدخلته في متاعب لا حصر لها!