في واحدة من أخطر المحادثات بين الرئيس جمال عبد الناصر مع القيادة السوفيتية في 30 يوليو 1970م في موسكو، كشف الأستاذ محمد حسنين هيكل أن عبد الناصر سارع مباشرة للرد على تساؤلات لم تطرح من جانب القيادة السوفيتية ومنها احداث السودان الساخنة في اعقاب اعصار أوانقلاب 25 مايو 1969م، وبعد احداث الجزيرة أبا، وكانت القيادة السوفيتية حريصة ومتابعة للحزب الشيوعي السوداني، وسفر او نقل رئيس حزب الأمة السيد الصادق المهدي وسكرتير عام الحزب الشيوعي السوداني السيد عبد الخالق محجوب الى مصر، انه - اي عبد الناصر - قام بنقل عبد الخالق محجوب والصادق المهدي الى القاهرة في تلك الظروف لتهدئة الاجواء، فالسودان لا يحتمل حرباً أهلية ولا توتراً ولا حدة من أي نوع، وانما يحتاج الى وحدة وطنية واستقرار، وفي سياق التذكير فان افتتاحية جريدة (الرأي العام) في مايو 1970م وإبان زيارة عبد الناصر للخرطوم للمشاركة في احتفالات 25 مايو تساءلت كيف تحقق لمصر مواجهة المؤامرات والصمود والاستقرار؟ فجاء رده امام الجماهير الحاشدة باستاد الخرطوم على سؤال (الرأي العام) مباشرة بتماسك (الجبهة الداخلية) و(الوحدة الوطنية)، وان الوحدة الوطنية ضرورية وحيوية في السودان لمواجهة كافة التحديات. وعودة للأستاذ هيكل وما نقله على لسان عبد الناصر للقيادة السوفيتية أنه طلب من مكتبه السيد سامي شرف، أن يبلغ عبد الخالق محجوب أنه في مصر غير معتقل ولا محتجز وانما هو ضيف كريم وبمقدوره ان يتحرك وان يبقى كما يشاء، واذا اراد السفر الى أوروبا الشرقية فإن كافة احتياجاته من تذاكر وغيرها ستلبى دون ابطاء، كما انه أوفد هيكل الى السيد الصادق المهدي لينقل إليه أيضاً انه ضيف كريم في مصر وبمقدوره احضار اسرته والبقاء كما يشاء وان يتحرك بحرية تامة واذا اراد السفر الى أي بلد آخر فستلبى طلباته دون تأخير، وأنه هنا - أي في القاهرة - لابعاده عن اجواء التوتر التي طوقت الخرطوم، ولقد نقل لى السيد الصادق المهدي شهادته بالنسبة لهذه الواقعة التي سجلتها في كتاب (عبد الناصر والسودان) الطبعة الأولى 1992م، «أنه نقل بالفعل الى القاهرة بعد احداث الجزيرة أبا، وأن جمال عبد الناصر تدخل لحمايته وبعث مندوباً عنه لينقل إليه أنه في بلده في مصر، وانه غير معتقل ولا محتجز ويستطيع ان يتحرك كما يشاء وان يحضر أسرته، ويستطيع زيارة مكتبته التي تحتوي كتباً ومرجعيات وفيرة، وأنه اذا اراد مغادرة مصر الى اي بلد آخر فستلبى رغبته دون ابطاء».. لقد نقل الأستاذ هيكل هذه الواقعة وعلى لسان جمال عبد الناصر في أخطر محادثات مع القيادة السوفيتية وفي اشارة اتسمت بالايجاز، ولكنها وافية من ناحية الدقة، وقد تابعت هذا الجانب، واظهرت المحادثات البراعة ووضوح الرؤية السياسية والعسكرية والفكرية لعبد الناصر ومصر مقبلة على حرب التحرير، حيث نقل عنه ضرورة استرداد الأرض العربية وكسر نظرية أو استراتيجية اسرائيل بأن جيشها او قدراتها لن تقهر أو تهزم، وللتذكير في ان هذه الوقائع والمحادثات الخطيرة تمت بعد أقل من ثلاثة اشهر من رحيله المفاجيء في 28 سبتمبر 1970م، وقد يفيد نقل شهادة السيد محمد عثمان الميرغني رئيس الاتحادي الديمقراطي عن عبد الناصر وكذلك السيد الصادق المهدي، وايضاً آخر حديث أجراه معه صحافي عربي أو سوداني وهو الأستاذ محجوب محمد صالح ليعرف جيل اليوم اي طراز من القيادة كان عبدالناصر.