بعد السخرية من قرار الرئيس القذافي بواسطة ممثل الخارجية الامريكية فطنت الإدارة الأمريكية للخطأ الكبير الذي اوقعها فيه موظف صغير أدلى بتصريح (هايف) وليس ذا قيمة، فطنت الى النتائج الوخيمة التي قد تنتج عنه وتضر بالمصالح الاقتصادية الأمريكية في ليبيا. لذلك سارعت الإدارة بالاعتذار للرئيس وللشعب الليبي ولتعيد الأمور الى نصابها انطلاقاً من العادة السائدة في الادارات الأمريكية وتفكيرها الذي يقول إن (الاقتصاد) دوماً يحكم (السياسة) وان المصالح الاقتصادية تقتضي (لحس) القرارات السيايسة في كثير من الاحيان طالما في ذلك تطويع للأمور الصعبة التي قد لاتطاوعك. عادت الإدارة الأمريكية في هذه الأيام لتكرر نفس المشهد التصادمي مع الحكومة الليبية وان كانت هذه المرة بطريقة غير مباشرة عن طريق الاتهام عبر شركة (BP)، حيث يشاع هذه المرة ان شركة (BP) المتورطة الآن في أزمة خليج المكسيك يشاع انها قامت بعقد صفقة (خفية) (900) مليون دولار مع الحكومة الليبية قامت الشركة بموجبها بالضغط على الحكومة البريطانية بالتدخل لدى الحكومة الاسكتلندية لاطلاق سراع (المقراحي) مقابل ان تقوم الحكومة الليبية باعطاء الشركة ترخيصاً مفتوحاً للتنقيب عن النفط قبالة السواحل الليبية. هذه الاشاعة التي لم تثبت صحتها حتى الآن أثارت غضب الرئيس (أوباما) الغاضب أصلاً من أزمة التسرب النفطي واثارت غضب الكونغرس ومجلس الشيوخ وصعدوا لهجتهم وقالوا اذا صح ما نشر من معلومات وان الصفقة قد تمت فعلاً فإن ذلك يعتبر (فساداً) غير مسبوق وان الأموال التي حققتها الشركة من الصفقة تعتبر أموالاً ملطخة بالدماء (bloody money) وان الحكومة الليبية أيضاً مدانة لخرقها الاتفاقات الموقعة مع الشركات الأمريكية بخصوص منح التراخيص للتنقيب مستقبلاً. هذا الموضوع من جانب آخر القى بظلاله القائمة مرة اخرى على العلاقات الأمريكية البريطانية المتوترة اصلاً بسبب أزمة (BP) في خليج المكسيك ورفع من سقف حرب (الكلمات) الدائرة أصلاً بين الحليفين الأمر الذي دعا الملكة البريطانية للسفر الى نيويورك على عجل ودعا أيضاً رئيس الوزراء ديفيد كاميرون ليسارع اليوم الى البيت الأبيض لتلطيف الأجواء واحتواء الموضوع قبل ان ينعكس سلباً على علاقة الحليفين الطويلة. يبقى السؤال هو لماذا تم فتح ملف قضية (المقراحي) مرة ثانية وفي هذا التوقيت بالذات؟ ولماذا تم اقحام الحكومة الليبية رغم ان النزاع أصلاً بين شركة والإدارة الأمريكية والإدارة البريطانية وليس لليبيا دور فيه؟ للاجابة على هذين السؤالين دعونا نرجع قليلاً الى الوراء عندما دفعت الحكومة الليبية التعويضات وتمت تسوية قضية (لوكربي) ورفع الحصار عنها فتحت ليبيا الباب على مصراعيه للشركات الأمريكية للاستثمار في النفط والغاز والبنية التحتية وحازت تلكم الشركات على نصيب الأسد في الحصة والبالغ تقريبا (60%) من الاستثمارات النفطية في البلاد وتقدر قيمتها ب (10) مليارات دولار آنذاك وان الكثير من هذه الاستثمار حتى الآن في طور التنفيذ ولم تأت أكلها بعد ومن المتوقع عند انتهائها ان تجني الشركات الأمريكية أرباحاً طائلة لا تتوافر في استثمارات أخرى ولا في أي جهة اخرى في العالم حتى ظن الأمريكيون ان ليبيا هي (البقرة الحلوب) التي عوضتهم ما فقدوه في القارات الأخرى وفي الأسواق الأفريقية والآسيوية واللاتنية. لذا للحفاظ على هذه الامتيازات المميزة في ليبيا سارعوا لضرب (BP) مرة اخرى باتهامها (بالفساد) واستغلال (البشر عندما رشحت المعلومات بانها عقدت صفقة خفية للتنقيب فبالة السواحل الليبية الغربية من مواقع الشركات الأمريكية والغرض من هذا الهجوم والاتهام هو تحطيم الشركة نهائياً وإفلاسها وارغامها على الانسحاب من الصفقة رغم انها قطعت شوطاً فيها. أيضاً ان هجومهم ومطالبتهم بالتحقيق مرة اخرى في طريقه اطلاق سراح المقراحي والتهديد باعادته للسجن فيها الكثير من التهديد للحكومة الليبية والضغط عليها للتملص من الصفقة ان وجدت عدم السماح ل (BP) بالاستمرار في التنقيب من هنا وصاعداً وحتى أغسطس. هذا في اعتقادي هو سبب فتح ملف قضية المقراحي مرة ثانية وفي هذا الوقت بالذات وسبب اقحام ليبيا في الموضوع والهدف الاساسي هو المحافظة على مصالح الشركات الامريكية في ليبيا والتي فقدت معظم أسواق العالم في وجه المنافسة الصينية والهندية والبرازيلية إلى جانب الفرنسية والبريطانية. فالفرص التي وجدوها في ليبيا في مجال النفط والغاز والمصافي وصناعة البتروكيمائيات هي بمثابة تعويض كبير لهم لا يمكن ان يسمحوا لاحد ان يشاركهم خيرات البقر الحلوب التي ظلوا يحافظون عليها تارة بالاعتذار وتارة بتلفيق التهم القديمة من جديد.