هذا كتاب جدير بالاحتفاء لأنه يضيء مساحة مهمة في فضاء التشكيل السوداني. اذ يأتي بسيرة ابداعية لأحد أعلام التشكيل السوداني المعاصر. حيث يعرض التشكيلي والكاتب علاء الدين الجزولي فن الفنان التشكيلي (موسى قسم السيد كزام) ومدى تداخل هذه الحياة بالانجاز الابداعي للفنان. وفي هذا يتبع علاء الدين الجزولي منهجاً في التوثيق والتحليل يضيئان ابداع الفنان جحا، كما يضيئان المشهد التشكيلي السوداني المعاصر في مساره القومي التاريخي. ويجتهد الكاتب الفنان (علاء الدين الجزولي) في جمع هذه المادة الوفيرة والثرية، كما يجتهد في تحليلها عبر علاقتها الجدلية بين العام والخاص. وهذا ما تؤكده المقدمة التي كتبها الفنان التشكيلي الدكتور محمد عبد الرحمن أبوسبيب، حيث يقول: (هذه محاولة في التوثيق والتاريخ غير مسبوقة، في مجال الحركة التشكيلية السودانية الحديثة، سواء في منهجها أو في موضوعها في اعتماده على مصدر المعلومة الأساسي وصاحب التجربة المراد توثيقها كواقعة تاريخية). وفي كل هذا.. في التوثيق وفي التحليل أتخذ الكاتب منهجاً علمياً دقيقاً. مما جعل المؤلف مدركاً بشكل عميق الهدف الذي من أجله قام كل هذا الجهد.. فقد جمع المؤلف مادته الخام.. من حوار ووقائع ورسومات وصور بحيث يعطي المجموع الذي يؤلف بين عناصر هذه المادة روحاً تكاد تتطابق في صدقها وعفويتها مع المكونات الاساسية التي تكون شخصية الفنان جحا.. بطل هذه السيرة التشكيلية الباهرة. (جحا)، كما يصفه علاء، هو الأصغر سناً بين رهط العصاميين الرواد والأكثر شهرة بين جمهور الحواضر منذ منتصف الثلاثينيات. ويذكر أسباب هذا الرواج بأن تصاوير جحا وجدت لها منفذاً عبر فابريقة حلويات (ريا) وحلويات (سعد). إلى جانب ان تصاوير جحا كانت تعلق على جدران المقاهي والمطاعم في المدن الثلاث. ويقول (علاء) إن هذه التصاوير التي تصور الحسناوات كانت تستمد صفاتها الجسدية من أغاني الحقيبة وهي في ذات الوقت متابعة لتصاوير الأنثى المدينية التي رسمها الفنان علي عثمان على هدى شعر الحقيبة. اعتاد النقد التشكيلي السوداني دائماً أن يكتب عن أعمال التشكيليين الأكاديميين والتطرق الى مدارس التشكيل السودانية الحديثة (مدرسة الخرطوم ومدرسة الواحد والكريستالية والحروفية). مما أدى الى إسراف نقدي في الكتابة عن الحداثة التشكيلية مع إهمال لفترات ساد فيها الفن التشكيلي الفطري غير الاكاديمي، كما هو عند جحا وعيون كديس. كما أهملت فترات تاريخية موغلة في القدم من الانتاج الشعبي، كما هو في فترتي التركية والمهدية مثلاً. أهمية هذا الكتاب هي أنه فتح طريقاً للبحث، جديد الموضوعات وجديد النهج الفكري البحثي النقدي.. وهو دعوة لأن تتجه البحوث النقدية التشكيلية نحو هذه الفضاءات التي لم تضاء حتى الآن. هذا كتاب لا بد من إضافته الى المكتبة السودانية في كل مؤسسة وفي كل بيت.