يبدو أن التقرير الذي نشرته (الرأي العام) بتاريخ «11» مارس الجاري، تحت عنوان: (منشآت علمية حيوية فقدتها البلاد)، فتح شهية علمائنا وأزال حال (الطُمام) التي يعانون منها بسبب الاهمال واللا مبالاة.. فقد علمت من بعضهم بوجود عالم الفلك السوداني الشهير الفيزيائي د. محمد عمر سليمان بالبلاد في إجازة قصيرة قادما من روسيا حيث يعمل ضمن كوكبة من العلماء هناك بمعهد الفلك بأكاديمية العلوم الروسية بموسكو، فأجريت معه هذا الحوار العلمي (الفلكي) كشف من خلاله معلومات خطيرة وحقائق علمية مهمة. ------------------------------ محطة سوبا كنت على رأس العلماء الذين أسسوا وأداروا «محطة الرصد الفلكي» بمنطقة سوبا بالخرطوم نهاية السبعينيات.. ما أسباب إغلاق المحطة؟ - العام 1971 أكملت دراستي بموسكو وعدت للعمل بالوطن، فاتصلت بي (أكاديمية العلوم السو?يتية) لبناء محطة للرصد الفلكي بالخرطوم، فبعثت بخطاب إلى البروفيسور «السماني عبد الله يعقوب - رحمه الله - بهذا الخصوص، وكان وقتها يشغل منصب الأمين العام للمجلس القومي للبحوث فوافق، وحضر وفد من العلماء الروس للسودان من أكاديمية العلوم السو?يتية لتشييد المحطة، ووقعت الاتفاقية وبدأ تشييد المحطة في مايو 1971م، وسلمت أول ديسمبر 1971م ، وإستلمنا المعدات وبدأنا تركيبها، وأول رصد للمحطة كان يوم 13 ديسمبر 1971م، بالمحطة في منطقة سوبا جنوب الأبحاث البيطرية، وتحديدا بموقع أبحاث الطاقة الشمسية حالياً.. وقامت المحطة برصد الكسوف الكلي للشمس بحفرة النحاس، ونظمنا عملية رصد له، وتوافد مئات العلماء من الخارج للسودان، واكتسب السودان من ذلك سمعة علمية عالمية لا تقدر بثمن.. وظللت أعمل وادير المحطة حتى أغسطس 1973م،حيث توجهت الى روسيا لنيل درجة الدكتوراة ، وأثناء تواجدي بموسكو فوجئت بالرئيس الأسبق جعفر نميري يصدر قرارا بإغلاق المحطة نهائيا بحجة إنها محطة تجسس، وذلك العام 1977م، وكانت العلاقة وقتها بينه وبين الاتحاد السو?يتي - سابقاً - متأزمة، فعرض عليَّ الروس أن اعمل معهم بروسيا، إلا أنني فضلت العودة للوطن بعد حصولي على الدكتوراة. ونتيجة لخلافات مع مجلس البحوث وطبيعة النظام المايوي بخلطه بين السياسة والخدمة المدنية، والجهل بأهداف البحث العلمي التطبيقي عدت إلى روسيا، وواصلت العمل بمعهد الفلك بأكاديمية العلوم الروسية بموسكو.. وحتى الآن يعاني طلبة المساحة من إغلاقها، إذ انهم يدرسون نظريا فقط لعدم وجود مرصد فلكي. ? ما هي الأهمية العلمية والبحثية لمحطة الرصد الفلكي السودانية التي أغلقها الرئيس نميري؟ - المحطة كانت كبداية لمشروع علمي عالمي يطلق عليه (قوس المساحة) الذي يهدف لايجاد احداثيات أية نقطة في العالم، وذلك يتطلب وجود نقطة مرجعية، وكان هناك مشروع لعمل نقاط مرجعية من القطب الشمالي حتى القطب الجنوبي مرورا بفنلندا، وإستونيا، وموسكو، وكيي?، والمجر، وبلغاريا، وحلوان والخرطوم، وانقولا، وجزر السيشل حتى القطب الجنوبي، جميعها نقاط مرجعية، وأهمية الربط بين كل هذه النقاط يتعلق بإحداثيات المساحة التي يمكن بواسطتها مراقبة ورصد تحرك القارات بواسطة الأقمار الاصطناعية. القبة السماوية الاتحاد السو?يتي - سابقا - أهدى السودان «قبة سماوية»، لكنها لم تصل اطلاقا للبلاد، أين وكيف إختفت تلك القبة السماوية؟ - محطة الرصد الفلكي السودانية بسوبا كانت عبارة عن مرصد فلكي كامل، وعملت لمدة «4» سنوات فقط، ومن بقاياها التلسكوب العملاق الموجود حتى الآن، وأثناء عمل المحطة قامت روسيا بإهداء المحطة «القبة السماوية» وكان قطرها يبلغ «8» أمتار بنفس حجم قبة مسجد القوات المسلحة، وتكمن أهميتها في معرفة ورصد حركة الكواكب حول الشمس، وكيفية حدوث الكسوف والخسوف ومتابعة حركة المذنبات، ومهمتها علمية تثقيفية، ولكن للأسف تم إهداء القبة السماوية لبلد آخر بعد إغلاق محطة الرصد الفلكي بسوبا، وضاعت على الوطن تكنولوجيا فضائية متقدمة. خطر على الأرض ? ما طبيعة عملك الآن بمعهد الفلك بأكاديمية العلوم الروسية بموسكو؟ - أعمل حاليا في عملية منع اصطدام الأرض بالاجسام القادمة من حزام الأجسام الواقع بين الأرض والمريخ، وهو يحتوي على أجسام تأتي احيانا قريبا للأرض، فنقوم برصدها ومعرفة الوقت الذي ستصطدم فيه بالارض. ? هل هناك احتمال اصطدام أجسام كبيرة (مدمرة) بالارض؟ - هناك أجسام كثيرة وكبيرة في الفضاء وإحتمال إرتطامها بالأرض واحداثها لدمار وارد ، وأكبر تلك الاجسام اكتشفه الانجليز مؤخراً، وهو جسم هائل الحجم (نيزك) ويحتمل إرتطامه بالأرض العام 9202م، أي بعد (12) عاماً من الآن، وسوف يحدث دمارا كبيرا بالأرض إذا لم يتم تغيير مساره. ? وكيف يتم تغيير مسار مثل هذا الجسم الضخم؟ - هناك إقتراح بإرسال صاروخ لتفجيره، أو تغيير مساره، لكن هناك نقاط قانونية معقدة في حال تغيير مساره، مثلا إذا كان يفترض للجسم السقوط في الأرض الأمريكية، وتم تغيير مساره ليسقط في أفريقيا مثلا، لكن الاتجاه توجيهه للسقوط في البحر، لكن بعض العلماء يتخوفون ان ذلك يمكن ان يتسبب في تسونامي مدمر، ولذلك الاحتمال الأقوى تغيير مساره ليسقط في الصحراء الكبرى.. ولخطورة هذا الجسم وما يمكن ان يحدثه من دمار للأرض والحياة فيه، فقد ثبت علميا ان الديناصورات إنقرضت نتيجة لسقوط جسم غريب وضخم على الأرض، تسبب في غبار هائل غطى الشمس لمدة سنتين كاملتين، مما أدى لهلاك النباتات التي كانت تتغذى عليها الديناصورات. مدني بقلب الصحراء ? هل تقومون برصد الزحف الصحراوي في العالم، ومن بينها السودان؟ - يتم رصد هذا الجانب، وأظهر ان هناك زحفاً صحراوياً من (2-41) كيلومتراً سنويا، نحو الجنوب بالسودان حيث وصل معدل الزحف الصحراوي في فترات الجفاف إلى (41) كيلومتراً سنويا، وإذا إستمر هذا المعدل للزحف الصحراوي بالسودان، فإن مدينة ودمدني - كمثال - ستكون داخل الصحراء تماما بعد حوالي (05) عاماً. نفايات فضائية ? هل هناك خطورة على الأرض والحياة عليها من بقايا الأقمار الاصطناعية التي تسبح في الفضاء؟ - هي في الحقيقة ليست بقايا بل (نفايات) الأقمار الاصطناعية، فهناك عشرات الآلاف من بقايا الأقمار الاصطناعية ناتجة من تفجير الصواريخ التي تحمل هذه الأقمار لطبقات الجو العليا، وبعضها ينتج من انتهاء وقود الاقمار الاصطناعية الخاصة بالاتصالات. ? وما هي معالجة نفايات الأقمار الاصطناعية؟ - يفترض ان ترفع إلى طبقات أعلى وأحيانا تعمل وتترك لتسبح في مجالها، وفي بعض الأحيان تهوى لأسفل وتدخل الغلاف الجوي فتحترق، لكن بعضها يصل إلى الارض وهذه اشكالية، إذ ان هذه البقايا أصبحت تتسبب في (تشويش) الاقمار الاصطناعية الخاصة بالاتصالات، ولذلك تعتبر نفايات ملوثة للفضاء وللأقمار الاصطناعية العاملة. والأمريكان غالبا ما يسقطون أقمارهم الاصطناعية في المحيط، ومن ثم يقومون بانتشالها بواسطة السفن. الفلك ليس ترفاً ? أحد الوزراء في حكومة سابقة صرح ان الفلك بالنسبة للسودان (ترف).. ما تعليقك على ذلك الرأي؟ - المعرفة، سواء كانت فلكاً أو خلافه لا يمكن أن تكون ترفاً، والفلك من العلوم التي لا تأتي بنتائج سريعة وملموسة، ولا ننسى الفائدة العلمية التي حققها السودان من كسوف الشمس في حفرة النحاس، وما كتب عنه وعن السودان في الاصدارات العلمية ووسائل الاعلام العالمية. والاستشعار عن بُعد هو الناحية التطبيقية لعلم الفلك، ويعد أكثر المجالات ربحا ويأتي بأرباح تصل إلى (2000%)، كرصد الصحارى والغابات ومناطق الجفاف والأبحاث الجيولوجية، وإكتشافات الثروات المعدنية والبترولية الكامنة في باطن الارض، وهذه العمليات تحتاج لميزانيات كبيرة، لكن عائدها في النهاية كبير جدا، فالأمريكان الآن يعرفون كل الثروات الطبيعية الموجودة بكل دول العالم من خلال تكنولوجيا الاستشعار عن بعد، لكنهم لا يكشفون ذلك. فالعالم المصري «أحمد زويل» الحائز على جائزة نوبل إكتشف بواسطة الإستشعار عن بُعد وجود أنهار جارية تحت الصحراء، إستفادت منها الشقيقة مصر فقامت بتحويل الصحراء إلى بساط أخضر.. كما أن الاستشعار عن بعد كشف مدينة (ارم ذات العماد) وكانت تحت الارض على عمق «3» أمتار. كما أن الروس إستفادوا من الاستشعار عن بُعد في صيد الاسماك، حيث يقومون بتحديد مواقع أسراب الاسماك، وايضاً استفادوا منها في تحديد مواقع الحرائق بالغابات، خاصة في سيبيريا، ولذلك الدول المتقدمة تنفق أموالا طائلة على الأقمار الاصطناعية وعلم وأبحاث الفلك لاقتناعهم أن الدخل منها كبير جداً.