يحكى أن عجوزاً ذهبت إلى الطبيب، فقالت له إنها تعاني باستمرار من خروج "الغازات" من بطنها ، وما يحيرها أن ذلك يتم بدون صوت ولا رائحة.. وقالت له: تصور يادكتور إنني خلال هذه الجلسة معك أطلقت"الريح" اكثر من خمس مرات، ولكن لا صوت ولا رائحة! هز الطبيب رأسه وكتب لها علاجاً، وطلب منها أن تعود بعد أسبوع. ولما عادت اليه، قالت له يا دكتور ما الذي فعلته؟ دواؤك هذا جعلني اشم رائحة، هنا ابتسم الطبيب وقال لها: الآن حللنا مشكلة عدم الشم لديك.. ولنحاول مع السمع! فليعذرني قرائي الكرام على إيراد هذه القصة التي قد يراها بعضكم غير لائقة للتداول العام ، لكني لم أجد غيرها مناسبا لتصف احوال كثير من المسؤولين الذين يطلون علينا ، يوماً بعد آخر في أجهزة الاعلام ، وحالهم يشبه حال هذه العجوز، في مصابها "الشمي والسمعي" وهم ينفون وجود فساد في دولة "العدل والشريعة" . والسؤال هو: كيف لم "يشم " هؤلاء رائحة الفساد التي ازكمت أنوف الشعب السوداني ؟، ألم يسمعوا بأخباره التي تنشرها الصحف بقصصه ورواياته وأبطاله الذين يتجولون بين الناس ،و"يأكلون " طعامهم على عينك يا تاجر ؟ ألم يسمعوا عن الفئة "المجاهدة " التي اختزلت أسواق السودان في صفقاتها وعمولاتها واحتكرتها بإعفاءاتها الضريبية وجماركها المجانية . ألم يروا أحوال عدد من المسؤولين في الدولة ومنهم وزراء ومستشارون ومديرون قد نزلت عليهم "ليلة القدر" فجأة، وأصبحوا بين يوم وضحاه من أصحاب الشركات و العقارات والمليارات والأرصدة الضخمة داخل وخارح البلاد، والسيرة الذاتية لبعضهم تقول إنهم لم يكونوا يجدون قوت يومهم قبل أن تعلن "دولة عمر بن العزيز " قيامها . وهل نحدثهم عن بعض القطاعات الحكومية التي تحولت إلى استثمارات عائليه وجهوية ،لن يحلم محمد احمد بوظيفة فيها إلا إذا احضر فحص ال"دي إن أي " الذي يثبت علاقته الأسرية والقبلية ، ما أسهم في جعل ثلث الشباب السوداني عاطلاً عن العمل، وارتفعت بسبب ذلك معدلات الكساد والفساد. وماذا يريد هؤلاء بيِّنة للفساد أكثر من بيع مشروع الجزيرة "عمدة اقتصاد" السودان، ومن ثم تحويله إلى "مزرعة خاصة" يديرها مجهولون، ومسلسل صفقات الخطوط الجوية السودانية ، التي لا يعلم سرها إلا علام الغيوب ،وارتداد البيعة اثر البيعة ثم الإصرار على عرضها وخصخصتها. وحلم مشروع مطار الخرطوم الجديد ، الذي حلق بنا في سماء الوهم ، والخطوط البحرية التي نسفت في اليم نسفاً ولم نسمع لها ركزا، ونهاية فيلم "ترعتي كنانة والرهد " الذي لم يبدأ.و..و....وكثير من المآسي التي توجع القلب ، وتدفع أمثالي إلى "الفليق" في الشوارع. أن رائحة الفساد بين ظهراني الدولة ،وتفاصيلها وتلافيفها ومدخلاتها ومخرجاتها ، قوية نفاذة لا تخطئها الأنوف ، وتراها العيون ويدرك الناس نتائجها ويعانون لحظة بلحظة من آثارها.وإن لم يشمها المسؤولون أو يروها ،أو يسمعوا بها ، فإن أنوفهم هي العليلة وبصيرتهم هي العمياء وآذانهم هي الصماء ومن هذا المنبر، أصالة عن نفسي ونيابة عن الشعب السوداني، أطلق نداء إلى كل الأطباء المختصين في الأنف والأذن والحنجرة ,أن يفعلوا خيرا ببني وطنهم، و التقدم بشكل عاجل لعلاج هؤلاء المسؤولين من هذه الحالة الخطيرة.