كابتن طائرة (سودانير) الشاب ياسر محمد الصفي أصبح حالة سودانية جديرة بالاحترام لأنه أتى بما لم يستطعه الأوائل، فقد كان كل ما فعله جديداً علينا ونحن نتأمل المآلات والنتائج المفرحة التي انتهى إليها عطب الطائرة.. فالشاب ياسر استطاع أن يحول الأزمة وما لازمها من قلق وفزع إلى فعل ينتج التميز والتفاؤل ويعيد ثقتنا في أن الكفاءة الوطنية بمجال الطيران مازالت بخير، وأن في (سودانير) (حالة مختلفة) تحتشد بكثير من البشارات وتخالف السائد في إرث الكوارث والحوادث والأيام السوداء. وحينما استضافتني النيل الأزرق في برنامج (بعد الطبع) الاثنين الماضي، كنت محتفياً جداً بما فعله ياسر، ولكني كنت حريصاً على الإشارة إلى (المفرح) في أرضية مطار الخرطوم وجهد الطيران المدني وسعيد بهذا التحالف الذي أنتج فعلاً وطنياً مشرفاً. شجاعة ياسر وقدرته الفائقة على إدارة الأزمة واتخاذ القرار الصعب كلها عناصر كانت ستذهب أدراج الرياح إن كان مطار الخرطوم غير مهيئ لاستيعاب مجهوده، انعدام الرغوة التي هبطت عليها الطائرة - مثلاً - كان بالامكان أن يحبط محاولاته لانقاذ الركاب ناهيك عن بقية الترتيبات المتعلقة باستعدادات الدفاع المدني لمثل هذه الحوادث. لقد ظللت منذ فترة طويلة أتابع جهود الباشمهندس المهذب محمد عبد العزيز مدير الهيئة العامة للطيران المدني فيما يتعلق بتأهيل بنية مطار الخرطوم وتعزيز مفاهيم السلامة الجوية وتطوير أداء الدفاع المدني، وبالعودة الى مناشط دُعيت لحضورها خلال الفترة الماضية، اكتشفت أن ما فعله (ياسر) كان محصلة لتحالف جهود متصلة بذلتها هيئة الطيران المدني. منذ فترة طويلة كنت أرى تنفيذ مشروعات في مجال السلامة الجوية بمطار الخرطوم، ما كان يغريني بمتابعة هذا الملف ان كل ما يتم فعله كان تحت لافتة (موجهات المنظمة العالمية للطيران المدني) - الايكاو -، وفي مثل هذا المنحى استلهام لتجارب متطورة في مجال يُحظى بتجريب دائم وتجويد مستمر، ولقد علمت أن الباشمهندس محمد عبد العزيز هو أول مدير طيران مدني سوداني يشارك في اجتماعات المنظمة. ولعل وحدة السلامة التي أُنشئت بمطار الخرطوم واستوعبت (24) عربة مطافئ و(6) سيارات اسعاف كانت جزءاً من منظومة الاستعداد لليوم الأسود، كما أنّ مطار الخرطوم شهد ولأول مرة توافر (الرغوة) التي هبطت عليها الطائرة، وقد علمت أنه تم شراؤها بمبلغ (600) ألف دولار. ولابد من الإشارة إلى التدريبات بمطار الخرطوم وهو يشهد قيام (38) تمريناً افتراضياً لهبوط وسقوط طائرات مختلفة الطراز، إلى جانب عقد (11) ورشة عمل حول السلامة والطوارئ في المطارات. في مجالات حساسة مثل الطيران لابد أن يكون هنالك تواصل مع المحيط الإقليمي والدولي لاكتساب الخبرات والاسهام في عمليات التطوير المستمرة، السودان كذلك استضاف العام المنصرم الملتقى الإقليمي للسلامة الجوية، وهو ملتقى يسهم كثيراً في توسيع دائرة النظر إلى إمكانياتنا قياساً بالآخرين، لكن تنظيمه يتطلب على الأقل أن يكون السودان مؤهلاً لتنفيذ برامج السلامة الجوية. على كل ما حدث في مطار الخرطوم يستحق الإشادة، خاصةً وأنّ السودان ظل يدفع ثمناً باهظاً لموت مواطنيه (سمبلة) بفعل أخطاء الطيران. بقى أن أقول إن متابعة مواطني الخرطوم لحركة الطائرة مثّل (اختباراً) لقدرات الطيران المدني وهي تختار أن يكون المطار (على المكشوف) بعد أن أسهمت التحديثات الأخيرة في تحطيم الجدر وإزالة الطوب الذي كان يخنق الرؤية ويضاعف من (ضبابية المشهد). برا?و ياسر محمد الصفي ... ومزيداً من التوفيق للهيئة العامة للطيران المدني.