قبل أقل من أسبوعين من انتهاء المهلة الأمريكية المحددة لرفع العقوبات الاقتصادية عن السودان، يقول تقرير اصدرته مجموعة الأزمات الدولية إن رفع العقوبات عن الحكومة السودانية هو أفضل خيار للإدارة الأمريكية من بين عدة خيارات أخرى، وقال التقرير الذي نشر أمس الخميس إن جدوى العقوبات الاقتصادية في عزل السودان أمر مشكوك فيه، خاصة بعد تحسن العلاقات مع جيرانه المباشرين، مقابل تخفيض كبير في علاقات الخرطوم مع طهران، وبالنسبة للتقرير فإنه عزل الخرطوم أصبح بعيد المنال أكثر من أي وقت مضى.. ويمضي التقرير التقرير الذي حظي بتداول واسع أن العقوبات أثرت على الشعب السوداني أكثر من النظام الحاكم". وذكر التقرير الذي جاء بعنوان: "حان الوقت لإلغاء العقوبات الأمريكية على السودان" إن الحكومة السودانية قطعت طريقًا في سبيل بلوغ المعايير الأمريكية فيما يتعلق بايصال المساعدات الإنسانية ووقف الأعمال العدائية في صراعاتها الداخلية. وقال التقرير إن رفع العقوبات "من شأنه أن يكافئ نظامًا يجب أن يفعل أكثر من ذلك بكثير لتحسين الحكم وإنهاء حروبه"، وأن عدم القيام بذلك "يمكن أن يؤدي إلى عكس التقدم المحرز وعدم تشجيع التعاون". وبحسب مجموعة الأزمات فإن من الأفضل لإدارة ترامب التعاطي مع خرطوم متعاونة من أن تعيد الأمور إلى نقطة الصفر، خصوصاً في ظل محاولات الأخيرة الجدية في إعادة علاقتها مع الاتحاد الأوروبي والسعي الحثيث في ترتيب علاقاتها مع دول الخليج، دون أن يهمل الدور الإيجابي للإدارة السودانية في محاربة تدفق اللاجيئن نحو أوروبا أو فيما يتعلق بوجودها كمنصة إيجابية فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب وبالتحديد في ملف (داعش). وقال التقرير إن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لن يكون أمامها خياراً سهلًا عند اتخاذ قراراها المنتظر في 12 يوليو المقبل، وأشار إلى وجود عدم رضا عن الخرطوم، ما دفع بالبعض إلى تقديم خيار بديل لتعليق العقوبات لمدة ستة أشهر أخرى، على أمل في أن تظل قادرة على الوفاء بالشروط المطلوبة كحل وسط بين رفعها أو الإبقاء عليها. في آخر ظهور إعلامي له كان وزير الاستثمار بحكومة الوفاق الوطني رئيس حزب الأمة مبارك الفاضل يقول إن الولاياتالمتحدةالأمريكية ستقوم بإصدار قرار رفع العقوبات بشكل نهائي عند حلول تاريخ الثاني عشر من يوليو.. الفاضل لم يهمل ما تناوله التقرير فيما يتعلق بضرورات السعي السوداني من أجل الاستجابة للشروط الأمريكية فيما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان وبالسعي من أجل إنجاز تسوية نهايئة للقضايا العالقة. لم تكن قضية الحرب غائبة عن الحليف السابق للحركات التي تحارب الحكومة المركزية حين ألمح إلى وجود المرحلة الثانية من عملية استدامة الحوار الوطني، وهي المرحلة التي تهدف بشكل كبير إلى ضرورة إيقاف الحرب في السودان وحمل الحركات المسلحة إلى التوقيع على سلام ينهي مجمل النزاعات السودانية. وبالنسبة إلى التقرير فإن الوضع في دارفور هشاً، وخلال فترة استعراض العقوبات لازال الإبلاغ عن حوادث العنف مستمر، وأشار التقرير إلى مشاركة قوات (الدعم السريع) في معارك بدارفور، لكنه عاد وقال إن سجل الحكومة في هذا المسار بعيد عن أي شيء ولا تشوبه شائبة، فقد أبدت الحكومة ضبط النفس وامتنعت بصفة خاصة عن القيام بأعمال هجومية يمكن أن تؤدي إلى نزوح مدني واسع النطاق. وهو ذات الأمر الذي أشار إليه القائم بالأعمال الأمريكي في الخرطوم حين أكد في زيارته للفاشر أن الأوضاع ما تزال على درجة من السوء وأن كثيرًا من الأعمال يجب إنجازها بغية الوصول إلى سلام شامل يوفر للمدنين ظروف أفضل للحياة، لكن الأمر نفسه تتم قراءته في إطار البنية السياسية الكاملة في الإقليم مقروناً ببدء مغادرة نصف القوة الخاصة باليوناميد من دارفور، وهو ما يصب في اتجاه أن ثمة تحسن نسبي في مسارات الصراع يمكن البناء عليه في سبيل الوصول إلى خواتيم مرضية للجميع فيما يتعلق بملف السلام في الإقليم الملتهب منذ العام 2003 . بالنسبة للمحلل السياسي وأستاذ العلاقات الدولية بالجامعات السودانية البروفيسور حسن الساعوري فإن تقرير الأزمات الدولية يصب في مصلحة السودان ويمكن البناء عليه.. الساعوري يشير، وهو يتحدث ل(اليوم التالي) إلى نقطة رئيسة تتعلق بمجمل النقاط الإيجابية التي وردت فيه مقارنة بالتقارير السابقة، وهو ما يمثل نقطة تحول إيجابية لصالح الحكومة السودانية يمكن البناء عليها من أجل المضي قدماً في طريق رفع العقوبات بشكل كامل، وهو القرار الأقرب للتحقق الآن في ظل ماهو ماثل وفي ظل التحولات الإقليمية والدولية، أو حتى التحولات على المستوى الداخلي. الحكومة تبدو في نقطة قوة لم تعهدها منذ سنوات وكل العوامل تبدو في صالحها مقارنة مع الفاعلين الآخرين في المشهد السوداني في المرحلة الراهنة. بالنسبة لكثير من المراقبين فإن تقرير الأزمات الدولية ومطالبته بضرورة رفع العقوبات عن السودان في هذا الوقت من شأنه أن يخلق تحولاً حتى في المشهد الأمريكي، وربما يعرقل الخطوات والأصوات التي ارتفعت في مطالبتها بعدم رفع العقوبات عن السودان باستخدام ذات التوصيفات القديمة بأنه ما زال مهدداً للأمن والسلم الدوليين، كما أن إعادة البناء على الصورة النمطية السابقة لم تعد ذات جدوى، وهو الأمر الذي يؤكد على أن (المصلحة) تظل هي اللاعب المؤثر على كل شيء، وهي التي ستبصم على القرار في نهاية المطاف، دون أن يعني ذلك اهمال جزءًا رئيسًا يتعلق بالحراك الحكومي السوداني ومؤسسات الدولة في سعيها لتجميل صورتها عبر شركات العلاقات العامة الأمريكية، وربما يكتب هذا الحراك الجملة المنتظرة بعتق الحكومة السودانية من سيف العقوبات الأمريكية المسلط عليها لما يزيد عن العشرين عاماً.