حينما بدأت ملامح الانقسامات تطفو على سطح الحركة الشعبية شمال في مارس الماضي بين عبد العزيز الحلو من جهة وعقار وعرمان من جهة أخرى حذرنا من أن تستبشر الخرطوم بهذا الانقسام أو تعتبره مدخلاً لكسر تعنت الموقف التفاوضي للحركة الشعبية وتسهيل طريق التسوية على الأقل مع جناح من أجنحة الحركة الشعبية التي كانت الأمور واضحة بأنها ستنقسم قريباً . وها هو مالك عقار يعلن عن تكوين مكاتبه وتنظيم هياكله للمرحلة الجديدة متمسكاً بقيادته للحركة الشعبية بينما يتحدث الجناح الثاني للحركة عن حركة شعبية يقول إنها واحدة فقط بقيادة الجنرال عبد العزيز الحلو وإن إقالة رئيسها وأمينها العام عقار وعرمان لم يكن بنظرهم إلا تغييرا ديمقراطيا مارسه ما يسمى بمجلس التحرير في منطقتي النيل الأزرق وجبال النوبة . الانقسام الذي تشهده الحركة الشعبية لن يفضِي إلى واقع أفضل في تقييم بقاء الحرب والتمرد في المنطقتين وإمكانية التسوية لأن الحكومة لو وجدت في عبد العزيز الحلو استعداداً أكبر للتفاوض وجدية أكثر في التسوية لكن ذلك سيكون بثمن باهظ جداً هو القبول على الأقل بمناقشة الأجندة الانفصالية لعبد العزيز الحلو والتي تبدأ بمنح الحكم الذاتي لجبال النوبة وتنتهي ببتر طرف جديد من جسد السودان . أما لو تمسكت الحكومة برفض هذا المطلب بشكل قاطع وعادت للتفاوض مع الطرف الذي لا تحب ولا ترغب فيه من الأساس ذلك الذي يمثله عقار وعرمان فإنها حتى ولو توصلت لاحقاً إلى تسوية مع هؤلاء فإنها لن تكون قد فعلت شيئاً لأن وزن القوة العسكرية للحركة ترجحه الآن كفة عبد العزيز الحلو وليس عقار وعرمان، بينما سيكون جناح عقار وعرمان قد قبل بهذه التسوية لو تمت مضطراً بعد أن فقد عملياً قدرته على المواصلة في الخيار العسكري حالياً ولم يبق أمامه في هذه المرحلة سوى إنجاز صفقة سياسية مكلفة جداً للبلاد وتستمر بعدها الحرب في جبال النوبة بنفس حجمها وكلفتها وكأن شيئاً لم يكن ..!! والذي سيحدث في طاولة التفاوض القادمة أن الحركة ستحضر بوفدين يحملان أجندات مختلفة بل هي أجندات غير قابلة للتعايش فيما بينها دعك عن أن تتعايش في قلب اتفاق موحد وواحد ينهي الحرب في المنطقتين . سيكون السيناريو على أفضل التوقعات له أن يتم الاتفاق مع طرف واحد فقط ويعود الطرف الآخر لمواصلة الحرب وفي حالة أن كان الاتفاق مع الحلو فبجانب ما ستدفعه البلاد من ثمن باهظ تحدثنا عنه، ستبقى معركة الطرف الثاني مستمرة وقد ينجح عقار لاحقاً في بناء قوة عسكرية من جديد وبدعم خارجي مستفيداً من كونه الوريث الشرعي لجميع علاقات الحركة الشعبية الخارجية ومنابع الدعم اللوجستي والعسكري الخارجي . شوكة كرامة لا تنازل عن حلايب وشلاتين.