أخيراً يصدر توجيه بتمكين المواطنين من سحب أموالهم من البنوك بعد أسابيع من تحديد سقوفات للسحب من المصارف. وبالطبع لن نقلل من الأثر الإيجابي لقرارات امتصاص السيولة وجملة القرارات الأخيرة التي يجب أن نشهد بأنها نجحت في تهدئة جنون الدولار واستدراك التدهور المريع في قيمة العملة الوطنية حين تم الإمساك بسعر الدولار عند سياج الخمسين واقتياده عنوة وربطه من رجله على حائط الثلاثين ليتحرك في محيطها القريب.. هذه نتيجة واضحة لا يمكن إنكارها ولا يمكن أيضاً مغالطة أرقام وبيانات كشف عنها وزير الدولة بوزارة المالية، عبد الرحمن ضرار بأن قيمة الصادرات في الشهر الأول ل(الإجراءات) الخانقة و(الزانقة) للكاش أي شهر يناير الماضي بلغت 631 مليون دولار مقابل 472 مليون دولار لذات الفترة من العام الماضي، كما أن واردات البلاد انخفضت لشهر يناير الماضي إلى 497 مليون دولار مقارنة ب678 مليون دولار لشهر يناير من العام 2017.. هذه أرقام السيد ضرار أمس. لكن وبالمقابل فإن هناك آثارا سلبية لهذه الإجراءات في مجتمع ليس لديه أصلاً رصيد كبير من العلاقة مع البنوك.. مجتمع تجاري واقتصادي اتضح في آخر تغيير حدث في العملة السودانية أن جزءاً مقدراً من كتلة المال والكاش فيه خرجت من خزانات محمولة في (شوالات)، و(مستفة) في كراتين وحقائب حديد.. مجتمع تجاري يعتمد نظرية (الكاش يقلل النقاش)، مجتمع اقتصادي نسبة من التجار فيه لا يمتلكون حتى اللحظة حسابات بنكية من الأساس. ولا يتعاملون بالشيكات ولا يحبون أن (تبيت قروشهم) بعيدة عنهم. هذا المجتمع التجاري الذي كان قد حدث فيه تطور في الآونة الأخيرة وبدأ الكثير من التجار فيه يغيرون قناعاتهم القديمة ويتعاملون بالفعل مع البنوك، هؤلاء ستؤثر هذه التجربة كثيراً وأعني تجربة الإجراءات الخاصة بتحديد سقف السحب، ستؤثر كثيراً في ثقتهم المستقبلية في البنوك.. وقد تحتاج الدولة وجهازها الاقتصادي لوقت وجهد حتى تعيد استكمال ما نقص من ثقة أصحاب المال في البنوك.. تحتاج لإقناعهم بأن ما حدث من إجراءات استثنائية واضطرارية لن يتكرر مرة أخرى. هذه قضية مهمة فما حققته الدولة من مكاسب آنية لصالح استعادة فعالية المصارف وتوجيه الكتلة النقدية للإنتاج قد تفقده مستقبلاً وعلى المدى الطويل بسبب هذه التخوفات الناتجة عن مرحلة وتجربة إمساك البنوك بالكاش.. ولن نقول إن الدولة تحتاج إلى أن (تحلف قسم) بأن لا تكررها مرة أخرى لكنها تحتاج فعلاً لمجهود إعلامي للتوعية بأهمية الإجراءات التي تمت والتوعية بأهمية عدم تفكير المودعين بإمساك كاشهم في أياديهم، في المستقبل، يجب أن تنتبهوا لهذه النتائج ولا تعتمدوا فقط على الدفع الإلكتروني كمرحلة جديدة تظن الدولة أنها ستلزم الجميع بالانتظام في المنظومة المصرفية الإلكترونية.. لأن هذه المنظومة لن تشمل أو تلزم جميع المتعاملين في الأنشطة والمعاملات المختلفة في السوق بها وبالتالي لن تكون ملزمة للجميع وأعني جميع أصحاب المال بتحديد مكان تخزين أموالهم.. شوكة كرامة لا تنازل عن حلايب وشلاتين.