*( إذا كنت تحمل غصناً في قلبك فأعلم أن عصفوراً سيقف عليه ويغني..) - مثل صيني - ..يعاتبني الله عن تقصيري في العبادة وأداء الفرائض فأستسمحه بقول الحسن بن هانيء الملقب ب (النواسيّ) : (إن عظمت ذنوبي كثرة فإني علمت بأنّ عفوك أعظم). تعاتبني طليقتي عن عدم الجواب وابنتي عن عدم السؤال وجاري عن عدم التحية ونفسي عن عدم الاهتمام. فأسكت مثل سكوت وأمضي دون سلام ولا تسليم. يعاتبني أحبتي على عدم الاكتراث فأكترث وعلى عدم السماع فأعتب. يعاتبني الأصدقاء عن شكّي في الصداقة ويعاتبني الأعداء عن شكّي في العداوة... ويعاتبني العاتبون فأصمت مثل عتبة. أمّا حبيبتي... فتعاتبني بعدم عتابها وتجعلني أعتذر عمّا سأقترفه وأسكت مثل متّهم أمام أدلّة دامغة. العتاب قبلة أخرى، شهيّة، ولكنها صامتة وتكاد تقضم الشفاه... العتاب حب لا بدّ منه... العتاب نظرة لا تقوى على مواجهتها... العتاب فن الذين يواجهون الخجل بالخجل... العتاب قصيدة لا تصفرّ ولكنها تحمرّ من الحياء.... العتاب حرب دافئة. لا يعاتب إلا محب، لا يغازل إلاّ جريء ولا يشتم إلاّ مدّاح. أجمل القصائد هي تلك التي ردّ فيها المعاتبون على المعاتبين، اجمل المصنّفات هي تلك التي أستهلّها أصحابها بتوطئة.... أمّا أجمل العتبات فهي تلك التي لم ندسها بعد. هل علينا أن نتذكّر المتنبي (صديقي الشخصي) في قصيدته الموجّهة إلى سيف الدولة الحمداني: ( يا أعدل الناس إلا في معاملتي فيك الخصام وأنت الخصم والحكم أعيدها نظرات منك صادقة أن تحسب الشحم في من شحمه ورم) هل علينا أن نستحضر الفردوسي صاحب الشاهنامة في علاقته مع مليكه؟، هل علينا أن نتذّكر لسان الدين بن الخطيب في الأندلس الغابر وقصائد الأعشى في الشرق الحائر وصداقة الخيّام ونظام الملك وحسن الصبّاح في سمرقند. حديث العتاب قاله يوليوس قيصر لبروتوس بعد فوات الأوان ولم يتفوّه به الإمام علي بن أبي طال في مصافحته لعبد الرحمن بن ملجم قائلاً: ( أهلاً بقاتلي). حديث العتاب يتفوّه به الكبير للكبير. ولا يسمعه إلاّ الكبير من الكبير. إنه الخطاب الذي لا يقوي عليه إلاّ الأقوياء ولا يخرج إلاّ من أفواه الأقوياء ولا يتقبّله إلا الأقوياء... إنّه همس الكبرياء للكبرياء... سأقول لحبيبتي التي أدمنت معاتبتي انظري كم نحن خطّاؤون... فقط كي نجعلكنّ معاتبات..... انظري كم نحن معاتبون... فقط كي نجعكنّ مخطئات... انظري كم أنا على خطأ كي تكوني على صواب كي تمتطي الخطأ؟!. العتاب حمّام من مشاعر وقدرة هائلة على عدم الكراهيّة.... العتاب قدرة العاجزين عن عدم المواجهة وقلّة شجاعتهم... العتاب صابون الروح ورغوتها... العتاب لا يؤذي إلاّ عيون الذين لا يبصرون بعيداً.