كنت في طريقي إلى ألمانيا بعد أن قضيت فترة مضنية بامدرمان الشحباء وكم تعبت لأسباب عدة منها، وطئة الحرّ ودأب العمل المضني مع المهندسين الألمان الذين جاءوا لمسح مساحات بمدارسة الفلاح خلف استاد المريخ والتحضير لمشروع أوربي عملاق بها، سوف نفصح عنه حين يحين الوقت.
ودعت امدر بغبارها وغبشتها واذبلتها المترامية وودعت أيضا من أحب وأصطفي قاصدا بسيارة أخي المتهلهلة "مطار الخرطوم الدولوي". ما أن وطئت قدماي عتبة المطار حتى بدت وظهرت لي هامة أعرفها، وآنس حركتها ودأبها على سطح الأرض، سيما وعندما تحمل تلك الآلة المعروفة بها.
الأستاذ محمدية بجلالة قدوره في المطار؟ لم أزعجه وكنت أرفل وراءه في الصف، تحا ورحا، قاصدين اكمال اجراءات السفر، من تفتيش ووزن وما إلى ذلك من شرور لا بد منها.
أولا إستغربت بأن الأستاذ محمدية لم يدخل بصالة كبار الزوار؟ ترى هذا الرجل الذي أعطى وما فتأ يجري وراء الصفوف ككل فرد من أعضاء نادي العماري الثقافي من العوام. سألت نفسي لماذا لم تعطِ الحكومة لرجل مثله جواز سفر دبلوماسي؟ لماذا لا يرسلون له أحد يخلص قضاياه المتعلقة بالسفر. لقد شاهدت أماسي الخرطوم عندما حضرت الفنانة الأردنية (نسيت اسمها) وكان الكل "يقوم ويقعد فيها". هل محمدية يقلّ عنها في شئ؟ سبحان الله يا ناس!
من هذا المنبر أناشد المهتمين بأمر الثقافة والموسيقى وأهلها؛ بالله قدروا هؤلاء الرجال، من سفراء بلادنا في مهامهم الصعبة. محمدية كان بصحبة نخبة من العازفين الكبار والفنانة منار. لقد كانوا في طريقهم لمدينة كانو بنجيريا للاحتفاء بأعياد استقلال جمهورية نجيريا. منذ أن فتحت عيناني على الدنيا وأنا أرى الأستاذ محمدية يمتطي كمنجته. إن كانت ثمَّ هناك موسوعة لعرض موسيقى السودان لسميتها، موسوعة محمديّة، ولسميت شارع باسمه ومدرج بمعهد الموسيقى والمسرح أيضا. ولكرّستُ جائزة للإبداع الفني للصغار في مجال العزف الوتري وسميتها جائزة الأستاذ محمدية.
لولا هذا الرجل ولو لا معرفته بتراثنا لم خرجت حلقات أغاني وأغاني بهذا البهاء موثقة لحقب هامة في تأريخ الألحان، الأشعار الموسيقية والأشخاص الذين ظهروا بها. الأستاذ محمدية شعلة نيرة في سماءات أمدر وهو سفير بدون مقاسم للثقافة السودانية بالخارج. فاحسنوا مقام الرجل يا أهل الأماسي فلولاه لصارت الأماسي مآسي.
