انطلقت أمس الحملة الانتخابية الأولى منذ ما يقرب من ربع قرن، وهي انتخابات بات يحمل فيها الرئيس عمر البشير صفة «المرشح البشير» بدلا من «الرئيس»، حسب ضوابط الحملة الانتخابية. وعلى الرغم من المخاوف والإرجاء مرتين، فإن هذه الانتخابات الرئاسية والتشريعية والإقليمية التي ستجري خلال الفترة من 11 إلى 13 أبريل (نيسان)، تبدو الآن على مسارها الصحيح. وما كان يبدو نزهة للرئيس عمر البشير، تحول إلى سباق حواجز نتيجته غير محسومة سلفا. ويواجه الرئيس البشير 11 مرشحا في الانتخابات الرئاسية، من بينهم ياسر عرمان عن الحركة الشعبية الحاكمة في الجنوب وشريك الحكم في الشمال، والصادق المهدي زعيم حزب الأمة القومي الذي أطاح به البشير سنة 1989. وأعلنت مفوضية الانتخابات في السودان مجموعة من الضوابط التي تنظم الحملة الانتخابية التي ستستمر، 56 يوما، تضمنت توزيع الفرص على المرشحين في وسائل الإعلام الرسمية من إذاعات قومية وولائية إلى قنوات فضائية ووكالة السودان الرسمية للأنباء، وتعهدت بإتاحة الفرص لكل الأحزاب للترويج لبرامجها الانتخابية بعدالة. ويخوض سباق الانتخابات السودانية 14 ألفا و535 مرشحا، منهم 12 للسباق الرئاسي، والباقي للانتخابات في المستويات الأخرى. وتتميز الانتخابات السودانية هذه بالتعقيد، حيث يواجه الناخب داخل المركز الانتخابي عددا من صناديق الاقتراع، منها اختيار مرشحه للرئاسة، ومرشحه لحاكم الولاية الذي يوجد فيها، وممثليه للمجلس الوطني، (البرلمان المركزي) وممثليه للمجلس الولائي، وتزداد الصناديق عددا في الجنوب، حيث يصوت الجنوبيون أيضا لرئيس حكومة الجنوب. وسيخوض السباق 66 حزبا. وأعلن حزب المؤتمر الوطني الحاكم أن الرئيس عمر البشير سيدشن حملته وحملة حزبه الانتخابية مساء السبت عبر احتفال كبير يقام في استاد فريق الهلال لكرة القدم، بدأ الترويج له منذ عدة أيام. وتحظر مفوضية الانتخابات، استخدام العنف أو اللجوء إلى الكراهية وتنبذ القبلية. وحسب الخطة، فإنه تم تخصيص مدد محددة في ساعات الصباح والمساء في وسائل الإعلام الرسمية، على أن يتم توزيع الفرص بالقرعة للمرشحين لكل المستويات. وحددت الخطة حتى محاور الأسئلة التي ستوجه للمرشحين في المقابلات التي تجرى معهم عبر هذه القنوات، وحضت الخطة الصحافة السودانية، وهي تتراوح بين مستقلة وأخرى تتبع الأحزاب، على الالتزام بميثاق الشرف الصحافي. وتم تأسيس وكالات نيابة للنظر في المخالفات الانتخابية، في الولايات الشمالية كافة. وتطالب الأحزاب السياسية مفوضية الانتخابات بتخصيص تمويل للقوى السياسية لمواجهة الصرف على الانتخابات، كما هو معمول به في أغلب الدول، وقال المرشح الرئاسي الدكتور كامل إدريس ل«الشرق الأوسط» إن المرشحين يطالبون بهذا التمويل ولكن المفوضية حتى الآن لم تقل شيئا حول الأمر. وقال إن هذا التمويل مهم لمواجهة الصرف على الحملة الانتخابية، ومن شأنه أن يخلق المناخ للتنافس الشريف». وتشرف على الانتخابات السودانية 10 دول من بينها جنوب أفريقيا واليابان، ووفود من الاتحاد الأوروبي والأممالمتحدة والاتحاد الأفريقي. وينطلق الرئيس البشير في حملته الانتخابية مستفيدا من نقاط كثيرة، إذ إن حزبه اجتهد في تسجيل الناخبين على اللوائح الانتخابية في نوفمبر (تشرين الثاني)، وديسمبر (كانون الأول)، وسجل أكبر عدد ممكن من أنصاره. كما أن معظم سكان مخيمات دارفور (غرب) التي تعتبر مناهضة لحكومة البشير قاطعوا عملية التسجيل، ولن يشاركوا بالتالي في الاقتراع. وإضافة إلى ذلك، تخشى المعارضة من أن يعتمد البشير على أجهزة الدولة واستخباراتها في معركته الانتخابية. في هذا السياق، قال مبارك عبد الله الفاضل مرشح حزب الأمة - الإصلاح والتجديد، لوكالة الصحافة الفرنسية، إن «المؤتمر الوطني (حزب البشير) يعول على جهاز الدولة وأموال الحكومة، والسؤال يكمن في إمكانية تحييد إمكانات الدولة». وأعلن الفاضل أمس عودته إلى صفوف حزب الأمة الذي انشق عنه في 2002. وقال الفاضل: «توصلنا إلى اتفاق مع الصادق المهدي لتوحيد الحزب. سنوحد برنامجنا السياسي ومرشحينا للانتخابات». وأكد هذا النبأ المتحدث باسم الصادق المهدي. وعلى الرغم من كل الإمكانات المتاحة للبشير، فإن الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر «رجح» ألا يفوز الرئيس السوداني في الجولة الأولى من الاقتراع. في سياق الاستعدادات الانتخابية، نظم البشير تجمعا كبيرا مساء أمس لإطلاق حملته الانتخابية في أول امتحان انتخابي منذ 21 سنة قضاها في السلطة. من جهة ثانية، تعتزم أحزاب المعارضة تنظيم تجمع في أم درمان المجاورة للخرطوم في وقت لاحق من الشهر الحالي، في خطوة تشكل اختبارا للقانون الذي يحظر التظاهرات غير المرخصة. وأكد مسؤول في المعارضة «نتوقع إبلاغ الشرطة ولن نطلب منها ترخيصا». وتجري الحملة الانتخابية وسط ازدياد انعدام الأمن في جنوب السودان، وفي ظل «حال الطوارئ» التي ما زالت مفروضة في إقليم دارفور المضطرب. واتهم طلاب في الخرطوم السلطات السودانية بخطف وتعذيب وقتل زميل لهم من دارفور في الوقت الذي يزداد فيه التوتر مع بدء حملة الدعاية الانتخابية. وقالت الشرطة التي سلمت جثة الطالب محمد موسى (23 عاما) للمشرحة إنها عثرت على جثة الشاب في الشارع، ونفت أن يكون قد قبض عليه. وقال مصدر أمني إنه يعتبر مقتل موسى جريمة عادية، مضيفا أن الشرطة ألقت القبض على أربعة طلاب من دارفور يوم الخميس في المشرحة بعد أن تسببوا في «الإخلال بالنظام العام». وتجمع العشرات من طلاب الجامعة من دارفور في المشرحة حدادا يوم الجمعة. وقال شهود عيان شاهدوا الجثة إن يديه محروقتان وفي رأسه وجسده آثار ضرب وجروح قطعية وتورم وملابسه غارقة في الدماء. إلى ذلك، قال مسؤول كبير في الأممالمتحدة إن السودان يجب أن يعدل تشريعاته الأمنية لحماية حرية التعبير والتجمع بمنطقة دارفور التي تمزقها الصراعات وذلك قبل انتخابات عامة في أبريل (نيسان). وأبلغ ديمتري تيتوف مساعد الأمين العام للأمم المتحدة لعمليات حفظ السلام مجلس الأمن أن حرية التعبير والتجمع «ضروريتان لحملة انتخابية فعالة» في أول انتخابات ديمقراطية يشهدها السودان منذ 24 عاما. وقال تيتوف لمجلس الأمن الذي يضم 15 دولة: «في الوقت الراهن تواجه هذه الحريات الأساسية قيودا بموجب قوانين الطوارئ لعام 1997 التي تم رفعها في جميع أنحاء السودان ولكنها ما زالت تطبق في الولايات الثلاث بدارفور». وأضاف: «من المهم تعديل قانون الأمن القومي الذي يسمح لأجهزة الأمن الحكومية باعتقال أشخاص من دون سبب أو تعطيله قبل بدء الانتخابات في ال11 من أبريل». وأشار تيتوف أيضا إلى التقارير التي أفادت بأن كثيرا من النازحين الذين يعيشون في مخيمات المشردين في دارفور قاطعوا عملية تسجيل أسماء الناخبين. وأضاف: «يبدو أن أعدادا صغيرة نسبيا من النازحين سجلوا أسماءهم». وتقول الأممالمتحدة منذ أشهر إن ملايين النازحين في دارفور قد لا تشملهم العملية الانتخابية. وفي بيانه الذي كان متحفظا، انتقد تيتوف على ما يبدو الخرطوم لعدم عمل ما فيه الكفاية لضمان المشاركة الكاملة للنازحين في دارفور. وقال: «من بين الإجراءات التي كان يجب اتخاذها تلك التدابير الضرورية لضمان المشاركة الجدية للنازحين والجماعات الأخرى التي تأثرت بالصراع». وأضاف أن أحد أكبر التحديات بعد الانتخابات هو ضمان أن يمثل المسؤولون المنتخبون مصالح النازحين في دارفور.