طالعنا كغيرنا وثيقة مُسرَّبة منسوبة للمؤتمر الوطني وهي عبارة عن محضر لمداولات إجتماع إنعقد بتاريخ 18 نوفمبر 2018 في المركز العام للمؤتمر الوطني برئاسة عمر البشير بصفته رئيس المؤتمر الوطني بحضور مساعده لرئاسة الجمهورية ونائبه في المؤتمر الوطني ورئيس وفده المفاوض الدكتور/ فيصل حسن إبراهيم، وعبد الرحمن الخضر رئيس القطاع السياسي بالمؤتمر الوطني، و بروفيسور/ إبراهيم أحمد عمر رئيس المجلس الوطني، وفريق أول/ صلاح عبد الله قوش مدير جهاز الأمن والمخابرات، وطارق حمزة مدير الأمن الشعبي، وفريق أول/ كمال عبد المعروف رئيس هيئة الأركان المُشتركة، والإجتماع كان محوره الأساسي هو ملف التفاوض. وبالرغم من تشكيك الكثيرين في هذه الوثيقة - غير معروفة المصدر - وإنها وثيقة مُفبرَكة وغير ذلك، وبرغم النفي الرسمي للوثيقة بواسطة مسؤول الإعلام في المؤتمر الوطني، إلاَّ إن ما جاء في هذه الوثيقة يشبه المؤتمر الوطني إلى حدٍ كبير من حيث طريقة تفكير منسوبيه وكيفية تعاطيهم مع الشأن العام وتعاملهم مع مصير البلاد، ويشبه سلوكهم وتصرفاتهم ونظرتهم وتصوُّرهم ورؤيتهم المطروحة في كافة القضايا، أضف إلى ذلك إنسجام ما جاء في الوثيقة مع الكثير من الوقائع والأحداث التي تدور الآن، خاصة الحشود العسكرية والإستطلاع الذي يقوم به سلاح الجو السوداني، وتحرُّكات أمبيكي، والتحرُّكات الساعية لما يُسمَّى ب(توحيد الحركة الشعبية)، وما يدور في ملف التفاوض وملف جنوب السودان، وغير ذلك من ملفات وقضايا. وحسب التسريب وما ورد على لسان عمر البشير، فإن المؤتمر الوطني يسعَى لتوقيع إتفاق (زائف) مع الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال، وهو يُدير العملية التفاوضية ك(ملف أمني) ولذلك جُل تركيزِه على الترتيبات الأمنية، مع تجاهُل تام للملف السياسي برغم أن أسباب إندلاع الحرب هي أسباب سياسية، وما الحرب إلاًّ وسيلة فقط لنيل الحقوق، وهي حرب مفروضة على المُهمَّشين، ومتى ما تم تسوية القضايا السياسية فإن الحرب ستنتهي بصورة تلقائية، وكذلك الأوضاع الإنسانية السيئة، وحينها يُمكن الإتفاق على الترتيبات الأمنية المُناسبة، هذا هو الترتيب المنطقي للملفات التفاوضية. وقد إحتوى التسريب على معلومات مُهمَّة تُشكِّل البنية الأساسية لتفكير المؤتمر الوطني في مُجمل القضايا السياسية، سنتناول منها بعض القضايا الرئيسية حسب أهميتها. والأيام المُقبلة ستكشف ما إذا كانت هذه الوثيقة حقيقية أم لا من خلال الموقف التفاوضي للنظام بإعتباره مُطالبٌ بإثبات العكس، فهو (مُدان حتى تثبت براءته). ولقد تحدَّثنا عن هذه القضايا في كتابات سابقة. ولكن لأهميتها وإرتباطها بالوضع الراهن، رأينا ضرورة إعادة كتابتها ونشرها للوقوف على الحقائق، ومعرفة ما يُحاك من مؤامرات ضد الشعوب السودانية المُهمَّشة المُتطلِّعة لسلام شامل وعادل ودائم, كإستحقاق يؤسِّس للإستقرار والحياة الكريمة. موقف المؤتمر الوطني من قضايا الأرض في مناطق الهامش : كشفت التسريبات عن موقف ليس بالجديد للمؤتمر الوطني بخصوص أراضي السكان الأصليين في مناطق الهامش، وقد عبَّر عن ذلك كل من عمر البشير الذي يُمثِّل رأس النظام، وإبراهيم أحمد عمر رئيس البرلمان، وكذلك أيضاً فريق أول ركن / كمال عبد المعروف رئيس هيئة الأركان المُشتركة قائد المؤسسة العسكرية التي من المُفترض أن تكون قومية تُمثِّل جميع السودانيين، وهي مؤسسة تضم الكثير من أبناء النوبة (المُستهدفين من قبل النظام حسب المداولات المُسرَّبة). فمسألة الأرض تُعتبر واحدة من الملفات المُعقَّدة والمُرتبطة بإندلاع الحروب في السودان، وأي تسوية سياسية تهدف إلى تحقيق سلام دائم وعادل لا بد أن تُخاطب هذه القضية بشكل واضح مع وضع حلول ومعالجات جذرية. ونمط حيازة الأرض وإستخدامها يُمثِّل أحد العوامل البنيوية المُساهمة فى الفقر والعنف فى أفريقيا, وعليه فإن تأمين الحقوق فى الأرض يُشكِّل إحدى الوسائل الهامة لإنهاء الحروب وإجتثاث الفقر وتحقيق الرفاهية, ويُشكِّل مفهوم (أرض القبيلة) أهم مُكوِّن لحيازة الأرض ويُرتبط مُباشرة بموضوع الإدارة الأهلية, ويُشكِّل هذا النظام حماية جماعية للقبيلة, ويرجع هذا النظام إلى الممالك القديمة. فطرق إستخدام المجتمعات المُهمَّشة في السودان للأرض، وأشكال ملكيتها الجماعية يرتبط وإلى حد كبير بظروف حياتها وبكيفية توظيفها للمناشط الإنتاجية المناسبة والمُرتبطة بشرعية تواجدها التاريخي على هذه الأراضي, وهى دائماً تعكس إستخدامات إقتصادية راسخة وإستثمارات ثقافية بواسطة هذه المجتمعات, بالإضافة إلى إرتباطها الحميم بأنسجتها الإجتماعية وهياكلها الإقتصادية ومؤسساتها السياسية. فبالنسبة للمجتمعات الريفية فى "هامش" السودان, فإن الأرض ليست فقط مورد مانح للحياة, ولكنها مليئة بالمعاني والرموز, ويرتبط بها الإستغلال والنزاعات وكذلك النضال الآيديولوجي, والإجتماعي, والسياسي, ولكن بالرغم من ذلك فإن مركز السلطة فى الخرطوم يندفع إندفاعاً نحو تخصيص الأراضي وتحويل ملكيتها العشائرية الجماعية إلى ملكية فردية تحت سيطرة جهاز الدولة. ولذلك يصبح من المهم وضع إعتبار لمُناقشة قضية الأرض فى الإطار السياسي والقانوني، والمؤسسي، والإجتماعي، والإقتصادي, فالتَّهميش السياسي والإقتصادي حطَّ من تحكُّم المجتمعات الريفية فى مواردها الإنتاجية وخاصة الأرض, ويوضِّح كذلك العلاقة بين ذلك والنزاعات. ولقد توصَّل عالم الإقتصاد البريطانى ديفد ريكاردو من خلال (نظرية القيمة – العمل الكلاسيكية) إلى وجود فائض يخلقه العمل المنتَج ولكنه يذهب إلى فئات أخرى، وهذا الفائض يتَّخِذ شكلاً هُلامياً وبالتالي لا يُحدِّد طبيعة علاقات الملكية أو علاقات الإنتاج. فهو يذهب إلى مُلاك الأرض لذا يرتفع الريع العقاري، ويصف ريكاردو هذه الطبقة بالطفيلية وهى الطبقة التى يُمثِّلها فى هذه الحالة مجموعة الجلابة التى سيّطرت ولا زالت تُسيّطر على الأراضي والمشاريع الزراعية في العديد من المناطق المُهمَّشة دون وجه حق بعد أن آلت ملكيتها إليهم - عبر القوانين أو بالسيطرة عليها من خلال الحروب المُستمرة - بإعتبار إن هذه الأراضي هي فى الأصل ملكٌ للسُكان المحليين. وقد نتج عن سياسات الأرض التى إتَّبعتها الحكومات المركزية فى المناطق المُهمَّشة الآتى : - تحويل الكثير من المُنتجين إلى عُمَّال أُجرَاء. - إزدياد حِدة الفقر. - تفاقُم الصراع حول الأرض مع الإستقطاب القبلي والإثني. - إنهيار تاريخ طويل للتعايش السلمي. - تعزيز الشعور بالتَّهميش وعدم الأمان, ومن ثم عدم الإستقرار السياسي، والهياج الإجتماعي. حالة جبال النوبة تُشكِّل أحدى الأمثلة والنماذج, حيث كان أحد أهداف إتحاد عام جبال النوبة (تنفيذ إصلاح لقضايا الأرض لمصلحة الزُّراع المحليين لإستئصال كل أشكال الإستغلال الناتجة عن السياسات وعلاقات الإنتاج الإقطاعية). كما إن سيطرة الحكومة المركزية وإستحواز المُستثمرين على أراضي الإقليم كان أحد الأسباب الرئيسية التى أدَّت إلى تفجُّر النزاع المسلح فى جبال النوبة، بالإضافة إلى قضايا أخرى ترتبط بالثقافة والهوية والحقوق التاريخية. وتمظهر ذلك في تغوُّل الزراعة الآلية على الملكيات الفردية الصغيرة من الأراضي فى مناطق النوبة, وقد أدَّى ذلك إلى إحداث تأثير كبير على الحياة الإقتصادية والإجتماعية للنوبة, وقاد فى نهاية المطاف إلى تحطيم أواصر التعايش السلمي مع القبائل الأخرى الموجودة في الإقليم. وللزراعة الآلية طريقتان لسلب أراضي النوبة : هنالك مشاريع الزراعة الآلية التى تُخطِّطها الحكومة وتمنحها من الخرطوم عن طريق وزارة الزراعة, ودون وضع أى إعتبار لحقيقة الوضع فى المنطقة, كما تُمنح لجلَّابة محليين ظلّوا يقيمون فى المنطقة لفترة طويلة وتمكَّنوا من تجميع ثروات كبيرة, ولهؤلاء علاقات وثيقة بالخرطوم وبدوائر الحكومة المركزية بحكم إنهم أصلاً من الشمال, ولقد حاز هؤلاء على أراضي لأنفسهم ثم أوعزوا إلى ذويهم بإنهم أيضاً يستطيعون حيازة أراضي من خلال وزارة الزراعة. وهكذا تحالفوا من أجل الحصول على المزيد من الأراضي. ولقد كان الهدف من الإحصاء السكاني الذى تم إجراؤه فى الولاية عام 2010 هو تغليب المُكوِّنات السكانية الأخرى على النوبة من حيث الكثافة توطئة لتهميشهم إقتصادياً وتنموياً, وتمهيداً لتنفيذ الأجندة السياسية والعنصرية الإستراتيجية لتغيير التركيبة الديموغرافية للإقليم. ولا يختلف الأمر كثيراً في دارفور والنيل الأزرق، وقد عبَّر عن ذلك بتفصيل أكثر الدكتور محمد سليمان محمد في كتابه (السودان : حروب الموارد والهوية - دار كمبردج للنشر – الطبعة الأولى 2000) كما يُمكن الرجوع لكتابنا (عادل شالوكا - المناطق المُهمَّشة في السودان : كفاح من أجل الأرض والهوية - دار الحضارة للطباعة والنشر، القاهرة - الطبعة الأولى 2016). ولا زالت هذه السياسات مُستمرة حتى الآن - سياسة بيع أراضي الهامش لمستثمرين من خارج هذه المناطق - قد تطوَّر الأمر ووصل درجة بيع الأراضي لمستثمرين من دول أخرى مثل قطر، والسعودية، والأمارات، ومصر. ومؤخراً دخلت تركيا في هذا المجال بطريقة أشبه بغزو محمد علي باشا للسودان عام 1821 ..!! وربما أسوأ. فقد نقلت جريدة (الجريدة) في العدد الصادر بتاريخ الإثنين 26 نوفمبر 2018 في الصفحة الأولى خبراً عن مقابلة أجراها وزير الزراعة والغابات التركي مع وكالة الأناضول التركية بحضور عدد من رجال الأعمال الأتراك بإنهم يخطِّطون لفتح الأراضي الزراعية التي تم إستئجارها في السودان لمدة (99) عام ..! وإن ذلك يبدأ من العام 2019. حيث أكَّد الوزير التركي على أهمية فتح مكتب فى الخرطوم للشركة الدولية التى جرى تأسيسها بإتفاق مع السودان، وإن حصة تركيا 80 %، والسودان 20 % وإن الشركة ستدير الأراضي الزراعية السودانية لمدة (99) عام ..!، وإنه سيتم إفتتاح مزرعة تجريبية على مساحة (12,500) هكتار، والتأجير للقطاع الخاص التركي سيبدأ إعتباراً من 35 عام. هذه هي الطريقة التي تتعامل بها الحكومات المركزية في الخرطوم - وبصورة أسوأ في عهد النظام الحالي - مع الأراضي السودانية وخاصة في المناطق المُهمَّشة، ومع ذلك تجد من أبناء الهامش من يقفون مع النظام لدرجة دعمهم ترشيح البشير لإنتخابات 2020 ..!. و(هذه مسألة سنتحدَّث عنها لاحقاً). حروب مستمرة للسيطرة على أراضي الهامش : يقول الجنرال الألماني الشهير كلاوزر فينتر : (الحرب هي التعبير عن السياسة بوسائل أخرى). إن إستراتيجية إشعال الحروب بمناطق الهامش فى السودان، هى إستراتيجية مُستمرة منذ خروج الإنجليز وسيطرة النُخب الشمالية على السلطة فى السودان كما ذكرنا مراراً في كتابات سابقة، وهي وسيلة مهمة تهدُف إلى خلق ظروف إنسانية وأمنية تؤدي إلى نزوح السكان إلى مناطق أخرى أكثر أمناً، وبعدها تُتاح الفرصة للحكومة لتنفيذ أجندتها وأهمها إستغلال الموارد، وعلى رأسها الأرض، وهي ما تُعرف بإستراتيجية أو سياسة (الأرض المحروقة). وتُمثِّل سياسة إزاحة -Displacement مجموعات (النوبة – الفونج – دارفور) بقوة السلاح وتوطين مجموعات إثنية بديلة، إستراتيجية مستمرة فى هذه المناطق، فسياسة إشعال الحروب ومن ثم عسكَرة القبائل وتنظيم المليشيات من القبائل الأخرى فى مناطق الهامش ترمي فى الأساس إلى إبعاد المجموعات الأصلية من الأراضي التى إعتمدوا عليها تاريخياً فى نمط معيشتهم وحياتهم اليومية. فالحياة فى أفريقيا تتمحّور حول الأرض, فعندما تضعف خصوبتها أو يصعب الحصول عليها أو تنعدم فرص حيازتها فإن مستوى حياة الناس يتأثَّر بصورة مباشرة. وحينما يترافق ذلك مع عوامل الزعزعة الأخرى مثل الضغوط السياسية والصراع المُسلَّح والنزاعات العرقية وتدهوُّر الخدمات الأساسية وإنهيار البنى الهيكلية، بالإضافة إلى فقدان الأمان الشخصي, فإن أهالى الهامش يشرعون إما فى النزوح بحثاً عن الحماية فى المناطق الحضرية, أو يتَّجهون إلى حمل السلاح لمواجهة من يُمارِس ضدهم هذا التهميش والإقصاء المُتعمَد. فالمؤتمر الوطني منذ إستيلائه على السلطة في 1989 لم يكُن حريصاً أو جاداً في الوصول لتسوية سياسية حقيقية مع شعوب الهامش لوقف الحرب نهائياً, وذلك حتى تُتاح لهم فرصة إبادة السُّكان الأصليين وتشتيت من تبقُّوا على قيد الحياة وتهجيرهم قسراً إلى المناطق الأخرى كنازحين، وفى الدول المجاورة كلاجئين. وبعدها تشرف القوات الحكومية والمليشيات التابعة لها على توطين المجموعات البديلة فى هذه المناطق التى تُعتبر حينها مناطق عمليات مثلما حدث فى دارفور إذ تم تمليك المجموعات الوافدة من بعض دول الجوار (تشاد / النيجر / مالي / أفريقيا الوسطى / ....إلخ) حواكير الفور، والزغاوة، والمساليت الخصبة وأراضيهم الغنية بالموارد الطبيعية بإعتبارهم (مُتمرِّدين). ولا يختلف الوضع وهذه الإستراتيجية في النيل الأزرق حيث تأثَّر الإقليم كثيراً - خاصة المنطقة الغربية - بسياسة الإزاحة والإحلال بالإضافة إلى الدمازين على إمتداد النيل الأزرق حيث تم توطين المجموعات الوافدة من غرب السودان من الشمال في الحدود مع سنار وحتى الحدود مع أثيوبيا، وتهدف هذه السياسة إلى تسهيل السيطرة على أراضي الإقليم بواسطة النُخب السياسية والحكومات المركزية, بإعتبار إن هذه المجموعات البديلة لا تملك هذه الأراضي أصلاً, وبالتالى لا يعنيهم كثيراً فقدانها, ولا يقاومون ذلك مثل المجموعات السكانية الأصلية، وكان المؤتمر الوطنى قد قام عبر الوالي عبد الرحمن أبو مدين (كان والياً حتى العام 2007) بإقتطاع جزءاً من مناطق محلية الدمازين وجزء آخر من المناطق التابعة لمحلية الباو، وقام بإنشاء محلية جديدة فى هذه الأجزاء المُقتطعة سُميت بمحلية (التضامن) وتم تخصيص هذه المنطقة للمجموعات الوافدة إلى النيل الأزرق ومُعظمها مجموعات مُترحِّلة كانت فقط مُستخدمة للأرض (رُعاة) ولكنهم أصبحوا الآن مُلاكاً للأرض، ويتواجدون أيضاً فى مناطق (ود أبوك – قُلى – رورو – المزموم – بوط – أقدي) وهؤلاء تم توطينهم فى فترة ما يُسمَّى بالديمقراطية الثالثة (86 – 1989م) بواسطة الشركة العربية وهى شركة زراعية تتبع لحزب الأمة، وتُعد هذه المجموعات حالياً من المجموعات الموالية للمؤتمر الوطنى ويسهُل إستخدامها لتنفيذ مُخطَّطات الحكومة المركزية خاصة فى فترات الحرب حيث يتم تكوين غالبية قوات الدفاع الشعبي والمجاهدين منها، بالإضافة إلى إعتبارها قوى إنتخابية تقليدية للمؤتمر الوطني وموالية تاريخياً للحكومات المركزية والأحزاب الطائفية والنُخب الشمالية الحاكمة، فتم إعطائهم هذه المحلية وما يُصاحبها من سلطات ونفوذ على الأرض وتمثيل فى حكومة الولاية، ومنذ أن إندلعت الحرب فى النيل الأزرق فى سبتمبر 2011 سارعت الحكومة بتكوين كتائب المُجاهدين ومليشيات الدفاع الشعبى من هذه المجموعات لقيادة الحرب ضد قبائل الفونج بإعتبارها موالية للحركة الشعبية وبإعتبارها المُكوَّن الرئيسي لمقاتلي الجيش الشعبي لتحرير السودان فى النيل الأزرق، وقد قام المؤتمر الوطني بإغرائهم ومكافأتهم بتمثيلهم بصورة لم تحدث من قبل فى حكومة الولاية بقيادة اللواء معاش/ الهادى بشرى والذى هو نفسه من أبناء الشمال، حيث بلغ نسبة تمثيل المجموعات الوافدة إلى النيل الأزرق أكثر من 90 % فى حكومة الولاية (13 وزير ومعتمد من جملة 16) الأمر الذى أثار حفيظة السكان الأصليين وأبناء الفونج فى المؤتمر الوطني، وكان الدكتور/ ياسر محمد عامر (أحد أعضاء المؤتمر الوطني وعضو مجلس الشورى) وهو أستاذ بجامعة النيل الأزرق قد نظَّم مؤتمراً صحافياً بتاريخ 1 مارس 2012 بدار الحزب, هاجم فيها تشكيل الحكومة ووصفها ب"مجهولة الأبوين" ووصف الولاية بإنها قد سُرقت بواسطة "الغرباء" وتم تشكيلها بواسطة جهاز الأمن, وبتجاوز للمؤسسات التنظيمية للمؤتمر الوطني فى الولاية, كما وصفها ب"المَسخ المُشوَّه", وبالطبع لم يشفع له إنتمائه للمؤتمر الوطني فيما بعد عندما شنَّت الحكومة حملات إعتقال عنصرية واسعة فى الولاية ضد أبناء النيل الأزرق, حيث تم إعتقاله مع عدد كبير من الكوادر المؤهلة. ومنذ إندلاع الحرب فى سبتمبر 2011 تم حرق العديد من القرى والمدن فى ولاية النيل الأزرق، ومن أهم المناطق المتأثرة : (القرى جنوب وغرب الدمازين / جنوب وشمال الرصيرص / قرى ديوا – الكروري شمال الرصيرص / مناطق الكماتير / قرية الرقيبة / السنجك نبك / كرما وأم درفا / معظم مناطق الهمج / مناطق الكدالو بكامل قراها / قرية بجاوي والديسا)، وقد تم توطين المجموعات السكانية الوافدة من غرب أفريقيا فى هذه المناطق قبل الحرب وحتى بدايتها ومن بعدها. وقد قام الهادي بشرى فى يناير 2013 بتوزيع أراضي محلية (الباو) على هذه المجموعات بالإضافة إلى القبائل العربية والإثنتان مجموعتين تُمارسان الرعي (رُحل), ثم قام بتعيين شيوخ على هؤلاء (المستوطنين الجُدد) وزوَّدهم بالسلاح, وقاموا بتوزيعه على أفراد قبائلهم لكى يحافظوا به على هذه الأراضي التى مُنحت لهم فى غياب أهلها بعد أن تم إستهدافهم من خلال حملات واسعة سُميَّت ب(حملة تطهير الولاية من دنس التمرُّد). نواصل .. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. ///////////////////