كرتنا السودانية بين الأمس واليوم)    شاهد بالفيديو.. البرهان يصل من تركيا ويتلقى التعازي في وفاة ابنه    ديمبلي ومبابي على رأس تشكيل باريس أمام دورتموند    لماذا دائماً نصعد الطائرة من الجهة اليسرى؟    ترامب يواجه عقوبة السجن المحتملة بسبب ارتكابه انتهاكات.. والقاضي يحذره    محمد الطيب كبور يكتب: لا للحرب كيف يعني ؟!    القوات المسلحة تنفي علاقة منسوبيها بفيديو التمثيل بجثمان أحد القتلى    مصر تدين العملية العسكرية في رفح وتعتبرها تهديدا خطيرا    إيلون ماسك: لا نبغي تعليم الذكاء الاصطناعي الكذب    كل ما تريد معرفته عن أول اتفاقية سلام بين العرب وإسرائيل.. كامب ديفيد    دبابيس ودالشريف    نحن قبيل شن قلنا ماقلنا الطير بياكلنا!!؟؟    شاهد بالفيديو.. الفنانة نانسي عجاج تشعل حفل غنائي حاشد بالإمارات حضره جمهور غفير من السودانيين    شاهد بالفيديو.. سوداني يفاجئ زوجته في يوم عيد ميلادها بهدية "رومانسية" داخل محل سوداني بالقاهرة وساخرون: (تاني ما نسمع زول يقول أب جيقة ما رومانسي)    شاهد بالصور.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تبهر متابعيها بإطلالة ساحرة و"اللوايشة" يتغزلون: (ملكة جمال الكوكب)    شاهد بالصورة والفيديو.. تفاعلت مع أغنيات أميرة الطرب.. حسناء سودانية تخطف الأضواء خلال حفل الفنانة نانسي عجاج بالإمارات والجمهور يتغزل: (انتي نازحة من السودان ولا جاية من الجنة)    رسميا.. حماس توافق على مقترح مصر وقطر لوقف إطلاق النار    الخارجية السودانية ترفض ما ورد في الوسائط الاجتماعية من إساءات بالغة للقيادة السعودية    زيادة كبيرة في أسعار الغاز بالخرطوم    الدعم السريع يقتل 4 مواطنين في حوادث متفرقة بالحصاحيصا    قرار من "فيفا" يُشعل نهائي الأهلي والترجي| مفاجأة تحدث لأول مرة.. تفاصيل    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    كاميرا على رأس حكم إنكليزي بالبريميرليغ    لحظة فارقة    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    كشفها مسؤول..حكومة السودان مستعدة لتوقيع الوثيقة    يحوم كالفراشة ويلدغ كالنحلة.. هل يقتل أنشيلوتي بايرن بسلاحه المعتاد؟    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    صلاح العائد يقود ليفربول إلى فوز عريض على توتنهام    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    الأمعاء ب2.5 مليون جنيه والرئة ب3″.. تفاصيل اعترافات المتهم بقتل طفل شبرا بمصر    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    العقاد والمسيح والحب    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أبْ لِحَايّة- قصصٌ من التراثْ السوداني- الحلقة الأولى
نشر في سودانيل يوم 03 - 12 - 2019


ADIL SID AHMED
محمد الرُّوحُو في سيفُو، وحيد أبويهِ، أصابَهُ مرضٌ عُضال، فجأةً، وصارَ لا يستطيع الحركةَ او الكلامَ، واستمرَّت حالتُه في التَّدهوُر: حتى سلَّم والداه بأمر موتِهِ، وجلسا بجوارِه ينتظران منيَّتَهُ... بعد أن أضناهما البحثُ عن شفاءٍ له عند الحكماء (الأطباء)...
ولكن، ظهر لهما، وفجأة، رجلٌ عجوزٌ تبدُو عليه سيما الصَّلاحِ، وقال لهما:
- لقد وجدتُ كتابًا مُلقًى على قارعةِ الطريق، ويبدُو أن من كتبه كان ساحرٌ أو عراف، وهو-أي الكتاب- يصفُ علاجَاً ناجعاً لمُحمدٍ...
وطلب منهُما: إنزال السيف المعلَّق في الأَرنيق ، وأمرهما أن يضعاهُ تحتَ رأسِهِ ويقلداهُ إياهُ، حسب الوصف الذي جاء في الكتاب.
وما أن قلَّداهُ السَّيفَ، حتى أفاق، واستعاد صحتَهُ دفعةً واحدة، كأن لم يكُن به شيءٌ من سقم...
ومُنذُ تلك اللحظة التي شُفيَ فيها مُحمد، ظلَّ السيفُ يلازمه ولا يفارقهُ أبداً، في لهْوِهِ، وصحْوِهِ، ومَنامِهِ.
وعُرف منذ ذلك اليوم عند الناس: (بمُحمد الروحو في سيفو)، وكان محمدٌ لا يدع أحداً أو يسمح لكائن من كان أن يلمس السيف، أو يلعب بِهِ، لأن المسألة، بالنسبة له، كانت مسألةَ حياةٍ أو مَوْت!
وكبِر مُحمدٌ، وظهرت عليه ملامح الرُجُولة، والفتوَّة والوسامة، والصحَّةِ الوفيرة، وصار يتجول في أي مكان وهو مُتقلدٌ سيفَهُ على الدوام، وذلك لأن: رُوحُو، كانت في سيفُو!
وقرَّر محمدٌ الرُّوحو في سيفُو، مع اثنين من أقرانه وأصدقائه، بعد أن نصحوه بالزواج، قرَّرُوا ان يذهبُوا في رحلةِ طويلة بحثاً عن عرائسٍ جميلات يتخذونهن شريكاتٍ لهم في الحياة...
وما ان اتفقوا المغادرة وحددوا موعداً للانطلاق، حتى ذهبَ مُحمدٌ إلى والدته، وأخبرها بعزمِهِ وعزمِ صديقيه على الزواج، فأثنت على خطةِ بحثِهم... وفرِحَت فرحاً شديداً ودعت لهم بنيل المُراد.
وجهَّزت له ملابسه وزوادته، وانطلق مُتقلِّداً سيفَهُ، بعد ان وعدها بأنه سيُرسل لها أخبارَهُ: أوَّلاً بأوَّلِ!
وساروا في الطريق حتى ابتعدُوا عن القرية، وطفقُوا ماشين، ومرُّوا في مسارهم بامرأةٍ عجُوزٍ، ترقدُ في راكوبة فوق عنقريب وتتوسَّد ثوبًا بالياً، وتُمسك بسبحةٍ طويلة بين أصابعها، كانت تُعينها على التسبيح وذكر الله، ولاحظوا أن بجوارها زيرُ ماءٍ تكسوُهُ الطحالِبُ والندى.
ورحَّبت بهم المرأة العجوز، وقدمت لهم القرقوش ، فشكرُوها، وقالُوا لها:
- نحنُ عطاشى، أكثر من كونِنا جائعين! ...ونريدُ ماءً كثيراً نروِي بِهِ ظمأنا...
فأحضرت العجوزُ لهم الماء، ولكن الماءَ: كان مليئًا (بالدُود)، فاشمأز محمد الرُوحُو في سيفُو مِنْ اتساخ الماءِ ورائحته وطعمه... ولام العجوزَ على إحضارها ماءاً مليئاً بالدُود، فقالت مُعتذرة ومُوضِّحة:
- لن تجدوا في هذه القرية، بطولها وعرضها، ولا القُرى المُجاوِرة: ماءاً أنظف من هذا!... فأحمدُوا الله! ...واشربوهو على حالته هذه...
ولمَّا سألُوها:
- لماذا لا يوجد ماء نظيف في القرية ولا القرى المجاورة؟
أجابتهم بقولها:
- هناك على ضفاف النهر تمساحٌ ضخمٌ وشرس، يمنع الناسَ من وُرودَ الماءِ... ويظهر، ذلك التمساح، كل سنة، ولذلك كان لابُد للحاكم من تقديم إحدى بنات الاُسر الجميلات فريسةً وهبةً له، ومع ذلك فهو لا يسمح للناسِ بنزول النهر بعد إلتهام فريسته إلا لفترة محدودة.
وهو، بعد أن يضمن أن أهل القرية قد أحضروا له الفتاة، التي يجب وضعها وهي مقيدة على الحَجْرَةِ، يعُود بعد مُهلةٍ قصيرة فيمنع الناس الورود مرةً أخرى... إلى أن يحُول الحوْل، فيضطروا لأن يقدموا له إحدى بناتهم الجميلات فريسةً جديدةً، وهكذا فإن الماءَ ينعدم لوقت طويل خلال السنة، ويضْطر الناسُ رغماً عنهم لشربِ الماءِ المُلوث، المليء بالدُود، كالذي قدمته لكم!
وأخبرتهم أيضاً أن اليوم هذا بالذات يُصادف اعتزام السُّلطان تقديم صُغرى بناته السبع، التي كانت الأجمل فيهن والأخيرة: قرباناً للتمساح!
فسأل مُحمد الرُّوحُو في سيفُو:
- وأين الفُرسان والشباب، لماذا لم يقتلُوا التمساحَ حتى الآن؟
فردَّت المرأةُ العجوز، مُسلَّمةً بالأمر الواقع:
- والله، التِّمساح أكل كُل من حاوَل التَّصدِي له، بل وقتل عددًا مهولًا من الفُرسان والشَّباب الذين حاولُوا قتاله هزيمتَهُ....
ووقف مُحمد الرُّوحو في سيفُو على الفور وهو مُنتصب القامة، ممتشقًا سيفه، وعلامات الغضب والعزم تفر من عينيه، فسألته العجوز:
- إلى أين أنت ذاهبٌ؟
- لا أقصدُ مكاناً مُحدد، ولكني فقط، سأتفقَّد الجُوار...
وما أن خرج من راكوبة المرأة العجوز حتى انطلق نحو البحر، وهنالك رأى بنت السلطان المقيدة وهي تبكي، وشعرها منكوش مبعثرٌ... وكانت ترتدي كفنها: استعداداً لأن يأكلها التمساح، وحولها اصطفت بناتٌ حزينات، يولولن ويندُبن! ...
وأخريات كنَّ فرحات، يرقصن ويهزجن! ... في خليطٍ من المشاعرِ المُتناقضة...
ووضعونها فوق الحجرة، وعدن آسفات، إلى القرية.
وبعد أن انفض الناس منُ حولِ بنت السلطان، التفتت نحو الرجل الغريب، وهالها أن ترى بجوارها محمدًا الروحو في سيفو، ولكنه بادرها بالسلام، وقال لها:
- (إنه سيقتل التمساح!) ...
فاستهزأت من قولهِ، وسخرت من كلامهُ، وقالت لهُ:
- إن قتل التمساح، قد استعصى على من هُم أقوى وأفرس منك! ...
وطلبت منه الابتعاد عن مجلسها فوق الحجرة، وأن يدعها وشأنها، حتى يغضب التمساح ويرفضها فتجلب لأبيها العار، وقالت له:
- أنا ميتةٌ في كل الاحول، فإن لم يأكلني التمساح، قتلني أبي!
فسألها محمدٌ عن علامات وإرهاصاتِ ومُقدمات قُدُوم التمساح، فقالت له:
- إن السماء ستُرعد وتبرق، وسينقلب النهر على صفحتِهِ... وتتعكر المياه، وتظهرُ جزيرةٌ ضخمة، هي: ظهر التمساح... ويعيش فوق تلك الجزيرة الإوز والبط، وينبتُ فيها شجرٌ متشابكٌ كغابةٍ كثيفة... وما أن أتلُو أنا الشِّهادةَ، حتى أجد نفسي في جوف التمساح، الذي سيبتلعني بعد أن يضربني بذيله الطويل.
فقال لها محمدٌ، مُترجِّياً:
- أرجو الإفساح لي لأجلس تحت الحَجْرَة، أسفلك مباشرة...
فأفسحت له، وهي مُمتعضة، وبلا ثقةٍ كافيةٍ في جدوَى وُجُوُده معها ...
ولبد محمدٌ الروحو في سيفو تحت الحَجْرَة، شاهراً سيفهُ وحواسه كلها مشدودة في انتظار علامات قدوم التمساح...
وما هي إلا بُرهةً وجيزةً، حتى: أرعدت السماء، وأبرقت السحب، وأظلمت الدنيا... وهاج النهر وماج، وظهر التمساح!
ولكنه ان ظهر حتى سارع محمدٌ الروحو في سيفو وشقَّ حلقه بسيفه الصارم البتّار، فقال له التمساح باستهبال:
- آخ يا محمد! لقد قطعت رأسي...
وكان يُريد بقوله هذا أن يخدع محمد ويوحي له بأنهُ قد مات، فردَّ عليه محمدٌ:
- وانت كسرت سيفي، يا لعين!
فأخرج التمساح رأساً ثانيًا، فثالثًا... ثمَّ برزت رؤوسه كلها على التوالي، الواحد تلو الآخر، حتى صار عددها الكلي تسعة وتسعين رأساً... ولكن محمداً الروحو في سيفو قطعها كلها عن بكرة أبيها. وألقى بها والدماء تقطر منها في البحر... وتحول لونُ المياه، إلى: اللون الأحمر القانِي...
ووضع محمد الروحو في سيفو يدَه على دمِ التُّمساح، وعمل علامةَ الشِبر بذلك الدم من يدِهِ فوق طرحة بنت السلطان، وأمرها بالعودةِ إلى قصر أبيها.
أما هُوَ، فاغتسل... وعاد إلى بيت المرأة العجوز، وجلس في هدوء، كأنه لم يفعل شيئًا... وكأنما لم تكن هنالك معركة دامية وحامية!
وحكت البنتُ عند وصولها لبيت أبيها السلطان عن الفارسِ الغريبِ الشُّجاع لأهلها ... فصدَّقُوها ولكن، بعد استغراب ولأي، وأمر السلطانُ جنده بالبحثِ عن الفارسِ المغوارِ الذي قَتَل التمساحَ.
وجاء أبناء الأثرياء والأكابر، والأمراء كل منهم يدعي قتله التمساح، ولكن، لم يُوافق شبرأي منهم حجم الشبرُ الذي صبغ، بدم التمساح، طرحةِ بنت السُّلطان,
وجاءت المرأة العجوز إلى القصر، وطلبت من السلطان يسمح لها بإحضار ضيوفَها الثلاثة ليختبرهم، وسمح لهاالسلطان، فأتوا لساحة الإختبار، ووافق الشبر على الطرحة يدَ محمد الروحو في سيفو، كما أكدت بنتُ السلطان الناجيةُ وشهدت أنه ، هو الفارس الذي قتل التمساح: ذا التسعة وتسعين رأسًا!
واحتفل السلطانُ بهم، فاحتفلوا معه، وقرَّر على الفور تزويج محمد الروحو في سيفو من الأميرة الجميلة الصغيرة، ولكن، محمدًا رفض واكتفى بأن يشكر السلطان على كرمه، وقال له أنه يقبل بها على شرط أن يتم تزويجها من صديقه الأكبر سنًا الذي كان يرافقه، وليس منه هو.
وتمت مراسم الزواج في احتفالات بهيجة ومهيبة، بعد أن وافق السلطان على تزويج الأميرة الناجية من صديق محمد الروحو في سيفو ...
وطلب الأصدقاء ُ الثلاثة، من السلطان، الإذنَ بمواصلةِ رحلتهم، على أن يأخذوا العروس معهم في طريق عودتهم إلى الديار وهم محملين بالقوافل، فأذن لهم بما طلبوا، وانطلقوا!
وفي الطريق، وجدُوا رجلاً كبيراً في السن، كان يرقُدُ فوق عنقريبٍ أمام بستان. فرحَّب بهم، ولكنهم استغربوا من بؤسِ الأكلِ الذي أحضرَه لهم، وفرفضوا ذلك الأكل الكريه، وقالوا له: يكفينا بعض الرُّطب من سبايط نخل البستان...
فقال لهم:
- الرطب، لو كنتم تعلمون، هو أقل ثمار البستان شأناً، ففي الحديقة اشجار البرتقال والتفاح والكمثرى، وكل ما لذ وطاب...ولكن لا يستطيع أحد الاقتراب منها، بحيثُ كلما تُطرح تلك الأشجار ثمارها... تتلف ولا يستفيد منها أحدٌ!
ولمّا سألوُهُ عنِ السَّبب، أجابهم: (بأن في البستان نمرٌ ضخمٌ، ذو شوارب كثيفة، وذيله طويلٌ يَجُر بالأرض، وإن هذا النمر الشرس يمنع جميعَ أهل القرية من الاقتراب والدخول).
وفور سماع محمد الروحو في سيفو لكلام الرجل العجوز، إدعى أنه: (ذاهبٌ إلى الخلاء لقضاءِ حاجته)، ولكنهُ في حقيقة الأمر: انطلق نحو البستان...
ودخلَ مِنْ بابِ الحظيرة الأمامي، وتسلَّق أعلى شجرةٍ باسقةٍ، وجرَّد سيفَهُ من غمده، وقبع في مكانه ساكناً في انتظارِ النَّمِر.
وبمُجرَّد ان شمَّ النمرُ رائحةَ بني آدمٍ في البستان، حتى: هاجَ وماجَ، وصارَ يضرِبُ الارضَ بأرجله غارزا فيها مخالبه، وطفق يبحث عن فريستِهِ بين الأشجار.
ولكن، ما أن اقترب من الشجرة التي يقبع فوقَها مُحمَّد الرُّوحُو في سيفُو، حتى قفز محمدٌ على ظهرِهِ، وبحركة فارسٍ مُحنكٍ: غرز السيف في قلب النمر، ووقع النمر وفتفتَ ثم أخرج الروح، ليصير جثةً هامدة...
ووضع محمدٌ شبراً بدم النمر المُراق فوق باب الحصيرة، مُستعينا بمِطحنة قمحٍ، كانت ملقية قُرب الباب.
وعندما حضر الناسُ، دعاهم محمد الروحو في سيفو للدخُول، فخافُوا وأبوا، ولكنه دخل أمامهم، وملأ لهم السلالَ من جميع أصناف الفواكه، وبعد ذلك سرعان ما زال الخوفُ عنهم، فاستباحُوا البستان ورتعوا فيه...
وسمع السُّلطان بأمر الشُّبان الفُرسان الثلاثة وانتبه لامرهم، فدعاهم للحضور إليه في القصر... حتى: (يُكرمهم ويستفيد منهم أهل القرية)، فلبُّوا نداءهُ، وهناك عرض السلطان على محمدٍ الروحُو في سيفُو تزويجهُ ابنته الوحيدة، فقبل محمدٌ عرض السلطان، ولكن بشرط: أن يتزوجها صديقه الأوسط، وفعلا أُقيمت الأفراح ... وتزوج صديق محمد الروحو في سيفو الأوسط الأميرة الجميلة.
وفي الصباح، أخبرُوا ثلاثتهم السلطان، بأنهم: سيستأنفُون المسير، وأنهم سيأتُون مُحملين بالقوافل عند عودتهم في الطريق لديارهم، وحينها سيأخذون معهم العرُوس.
ولم يلتقيهم شيءٌ يُذكر، سِوى أن البحرُ سدَّ عليهم الطريق، وعندما حلَّ المساءُ: لمعت أضواء ُ قصرٍ في مُنتصف البحر، ولاحظها محمدٌ... فأخبر صديقيه:
- انظرا! هنالك قصرٌ عائمٌ في عرضِ البحر...
وكان أحد صديقيه غطَّاساً، فساعدَهُم في الوُصًولِ إلى القصر، وهناك وجدُوا أميرة مسجُونة ومُقيَّدة بالسلاسِل، وحرَّرها مُحمد الرُّوحُو في سيفُو من سجنِها، وفكَّ قُيودها...
فقالت لهُم الأميرة أنها كانت مسجُونة مِنْذ سنواتٍ طويلة في هذا القصر...
ووافقت أن يتزوجها مُحمَّد الروحو في سيفو، واتفق مع أصدقائه، أن: يذهبا لقضاء شئونهما ويعودا له بعد أيام!
ولكنه، باح بسرِّ السيف للبنت عروسه التي تزوجها قبل ايام، وأخبرها بأن: (رُوحه في وجود هذا السيف معه)...
أمّا هي فقد بدأت، الأن، تُحادث ولأول مرة ومنذ زمن بعيد بنات الضفتين الشرقية والغربيّة... من حيث تقف في شرفاتِ القصر.
ولمحها ود السلطان، وأخذه جمالها، فأمر إحدى النساء العجائز، بالتنكر في هيئة تاجرة، لتذهب بالبضائع المزيفة إلى القصرالأميرة، وتغافلها حتى تتمكن من إحضارها عنده.
ونفذت العجوز الشمطاء أوامر ود السلطان.
وهناك في قصر الأميرة تتمكن التاجرة المزيفة من خداع الأميرة الحسناء وتقوم باختطافها وتجلبها مقيدة إلى الأمير الشرير في قصره بالضفّة الغربيّة للنهر.
ولكنها عندما مرّت بجوار محمدً وجدته نائماً وبجواره سيفه، فخافت أن يصحو فيقطع رأسها إذا هو علم بما قامت به، فسحبت السيف، وألقت به في قاع البحر من النافذة العالية، ثمَّ قامت بتخدير الأميرة وحملتها وهي فاقدة لوعيها إلى ود السلطان.
وفي هذه الأثناء افتقده أصدقاؤه، فطلبوا من صديقه العرّاف أن يرمي الخيرة فيرميها، ويرى ما حاق بمحمد... صار الرّمّالي (العرّاف) على علم ويقين بما حاق بمحمدٍ من مكر العجوزة، وأخبر صديقه الغطّاس... وقال العرّاف وهو يشرح له الأمر:
- أن الرجل الذي سرق السيف، قد ألقى به في قاع البحر...
فقام الغطاس بالبحث عن السيف في قاع البحر، ووجد السيف بسهولةٍ وفي مكانٍ ضحلٍ... كانت قد انحسرت عنه المياه.
وأعادوا السيف لمحمد، ووسدوه له، فعادت له روحه، وأفاق ودبت الحياة في أوصاله من جديد، وعرف من صيقه العرّاف بالقصة...
وواصل العراف رمي الخيرة، وأخبرهم بالمكان الذي هرب إليه ولد السلطان مع العروس، حيثُ قادهم صديقهم الجديد وكان (قصّاص أتر)، إلى هناك...
ومن بعيد، سمعوا قرع الطبول وسجع النحاس، وكان ذلك بمجب الاحتفاء بتزويج عروس محمد الروحو في سيفو المختطفة لود السلطان الشرير...
وداهم الأصدقاء الثلاثة المحتفلين في ساحة اللعبة (الحفلة)...
وهزموا ود السلطان وعددًا كبيرًا من أصدقائه... وحرّروا العروس واستردوها وأخذوها معهم لتعيش هانئة، مرّةً أخرى، مع (محمد الروحو في سيفو)، في القصر الكائن وسط البحر!
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.