الأَمْثَال، نكهةُ الحدِيث، وعُصَارةُ الحِكْمَة الشَّعْبِيَّة، ولهَا أقدامٌ تسيرُ بِها، وسط النَّاس، وعبر التَّارِيخ، فقيل: - أسيَرُ مِنْ مَثَل! ولذلك استحقتِ الأَمْثَالُ، منَّا، مجهُوداً مُنْفَصِلاً، بعد أن كانت جزءٌ ثانٍ مُقترح، من كتابٍ يشتملُ على الأَهَازِيج في قسمه الأوَّل، والأحَاجِي في قسمهِ الأخير. وقد وجدتُ مُتعةً شخصيّةً كبيرةً، وأنا أجمعُ الأَمْثَالَ، والأَقْوَال، وأبحثُ عن القَصَصْ التي كانت وراءها، وأنتجتها، رغم إنني فضلتُ أن إستبعدَ بعضَ الأَمْثَال الخَادِشة للحَيَاءِ، أو التي تضُرُّ بالذوقِ العَام، رغم بلاغتها، ودقَّة تعابيرها، في أغلب الحالات، وذلك لأنَّ هُناك مُتسعٌ في المخطوطات، والكتب، لمن يُريد أن يجدها. كما تجاهلتُ، أيضاً، بعض الأَمْثَال ذات النزعة العنصرية، أو الجهوية، أو التي تتطاول على بنية النسيج الإجتماعي، في بلادنا الحبيبة. وأورد، هنا، مثالاً للتوضيحِ، فقط: فقد استبعدتُ، مُضطراً، مَثَلاً يستهزأ بقبيلة (الحسانيّة)، رغم ذيوع شهرته، وعُمومية تدوالهِ وسط الناس، وتجاهلتُ أيضاً المَثَل: - (قالوا القلم ما بزيل بلم). لأنه مَثَلٌ غيرُ منصف، ويضطهد العلم والمتعلمين. وهناك عددٌ كبيرٌ من الأَمْثَال الشعبية السودانية، ساهمت فى تأخير إنسان السودان، وتغييب عقله، كالمَثَل الذى يقول: - (المَرَة إن بقت فاس، ما بتكسر الراس)... أو المثل القائل: - (الكتاب بيتقري من عنوانو!). وهو مَثَل يدعو الى وقف استخدام العقل في التحليلِ، والتنقيب، والتقاعُس عن البحث في بطُوُن الكتب، فوق أنه يجعلنا نحكم على الامور من قشورها. وتفاديت، غيرها الكثير، من الأَمْثَال ذات القيم السالبة. ووجدتُ، أيضاً، أن هناك أمثالاً لا تقف ورائها قصصٌ بعينها، وعن تلك الأَمْثَال كتبتُ المعنى، والمغزى، ومناسبات الإستخدام. وبعد: فهذا جهدنا بين أيديكم، ونأمل أن يكُون ذا فائدة لمن يبتغيها، ورفداً آخر للمكتبة السودانيّة، بعد الكتاب الذي جمعت فيه أحاجي من شمال السودان، وأسميته (أب لحاية- حكايات شعبيّة سودانيّة)، وهو جهدٌ نأملُ أن نستكملهُ، في إصدارات أخرى، وندعو ذوي الإهتمام، والإختصاص لمواصلته، والبناء على ما ورد فيه.