(1) السماء التي تمطر يأساً .. [وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ] (المؤمنون: 12-13) إذا كان هذا هو الإنسان الذي خلقه الخالق وبهذه الكيفية، لماذا يكون قتله إنتصاراً يستحق الإحتفال كما شاهدنا على أيام الغزوات في جنوب السودان وما يحدث الآن في دارفور والقوى المعارضة في الشمال. فلو كان الذين يموتون يومياً في السودان في أي دولة من الدول الغربية لقامت الدنيا وأثار قتلهم مشكلة أخلاقية وهذا يحدث في عهد دولة ما بعد الإستعمار وظلمها ونهبها للثروات.. أما تران نردد مع الشاعر الذي ذاق مرارة الحرمان: وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند فهل سماء النخبة الأصولية لا تمطر سوى اليأس وما يدمر الإنسان والبيئة معاً؟ ورحم الله الشاعر الفذ درويش: من يدخل الجنة اولاً؟ من مات برصاص العدو، ام من مات برصاص الأخ؟ بعض الفقهاء يقول: "رب عدوّ لك ولدته أمك"ّ فالنخبة الأصولية وضعت كل شئ تحت تصرفها ومن أجل إدامة السلطة التي تكون من أجل التسلط على عباد الله، ووضعت المواطن تحت غوائل الجوع والألم والحزن .. فالطغيان السياسي لا يلد إلا ما يدمر الإنسان ويفسد الحياة الإجتماعية والنفسية والسياسة .. ويجعل الوطن والدولة في خدمة فئة صغيرة جداً ومتناهية الصغر لكن في مقدورها إفساد كل شئ، بدءاً بمنظومة القيم الأخلاقية وانتهاءً بتخريب كل مؤسسات الدولة. (2) الفتوى وهؤلاء الجهلة ... تابعت بنوع من الإهتمام مناقشة كتاب د/ حيدر إبراهيم عن سيسولوجيا الفتوى والذي لم أمتلكه بعد .. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه .. - لماذا لا يفتي هؤلاء الجهلة وعلماء السلطان بضرورة معاملة الاخرين كبشر وليس كأهل ذمة وكفار ونصارى، وهو إنتقاص من (حقوق المواطنة)؟ - ولماذا لا يصدروا فتوى في الفساد وجوكية البنوك وناهبي وسارقي ثروات الشعب؟ واين هم من أكل أموال الزكاة بالباطل وحينما يسئلوا تكون الإجابة سوف يسألنا الرب يوم القيامة!؟ - وأين هم من حرق القرى وقتل الإنسان، هل هي من الإسلام في شئ؟ ولماذا لايفتون بإحترام كرامة الإنسان؟ وهل الجوع والغلاء الفاحش من الإسلام في شئ؟ أولم يسمعوا بصيحة الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري حينما اختل ميزان العدالة فصاح قائلاً: (عجبت من رجل لا يجد قوتاً في بيته لم لا يخرج على الناس شاهراً سيفه!). ولماذا يعطون حقوقاً لم يعطها الخالق لمرسليه: (إنك لن تهدي من أحببت، ولكن الله يهدي من يشاء) (من شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر). ولكن علماء السلطان في كل زمان ومكان وبفتاويهم تلك يرسخون الجهل ويدعون إلى سيادة الخرافة والجهل باسم الإسلام. وهم دائماً ما يختارون سلطان الباطل ونعيم الدنيا الزائل كما بينت شواهد التاريخ. (3) الديمقراطية الشائهة ... إنسحاب (6) مرشحين بجبرة بعد ضبطهم (7) كراتين مليئة ببطاقات إقتراع (الأهرام – الإثنين 12 أبريل 2010م) النظام الذي استولى على السلطة بالحديد والنار محافظة عليها بمنهجية الكبت والقمع، لا يمكن أن تتنازل عنها عن طريق صناديق الإقتراع .. فهناك مسافة كبيرة وفاصلة ما بين صناديق الذخيرة وصناديق الإقتراع. لذا لم نندهش من الفضيحة الكبرى التي شاهدها العالم كله في زمن العولمة ونهاية الجغرافيا. فالذي يُبقي على قانون النظام العام وجلد البشر والحط من كرامتهم لا يمكن أن يحتكم إلى صناديق الإقتراع، وقد قالها هوبس النظام من قبل (أقصد نافع) أن هذه المرة الإنتخابات لنا والعقابة عندكم في المرات القادمة! هذا إذا كانت هناك مرات قادمة! وأيضاً الذي يجعل من الدين مطية لتحقيق أهدافه الدنيوية لا يمكن ان يؤسس لنظام ديمقراطي .. فجوهر الديمقراطية التعدد وسماع اصوات الآخرين .. ولكن نافع وصحبه لا يريدون إلا سماع أصواتهم وأحزاب على شاكلة التوالي السياسي (لا يهشوا ولا ينشوا) وإنما يقبضون مرتباتهم نهاية كل شهر من برلمان احمد إبراهيم الطاهر .. والعربات المريحة والعمارات الأجنبية .. وليمت الفقراء بغيظهم! فما نحتاجه ويحتاجه السودان هو الدين الذي يصبح حراً والذي يؤسس للحرية وليست واجهة سياسية وإجتماعية للطغيان والجهاد وقتل النفس وإزهاق الأرواح في بيوت الأشباح سيئة السمعة. فالإنتخابات كانت سوف تكون مدخلاً للتصالح الوطني ووضع السودان على طريق التطور الديمقراطي الصحيح ولكسب معركة الوحدة، وهي أم المعارك .. ولكن المؤتمر الوطن وبسبب شغفه بالسلطة أرادها لشرعنة البشير وإستكمال النهب وكبت الحريات. ولكن السؤال الأهم كيف يمكن الجمع مابين الأصولية والديمقراطية؟ فالأصولية كما بينت التجربة تضحي كل شئ، حتى الإنسان. فالدين والسلطة ليس لخدمة الإنسان وإنما لقهره وكبته ونفيه ... فالموتى يصوتون والحياء تزور إرادتهم في ظل سلطة القمع. (4) لماذا نكتب ..؟ نتساءل ونحن في هذا الإضطراب، وشبح الدويلات يرتسم على الأفق لماذا نكتب؟ هل من أجل تزيين سلطة الباطل التي أشادتها النخبة الفاشية وعلى طريقة (فلترق منهم دماء، او ترق كل الدماء!) وايضاً سلطة الدولة العمياء تمسك بتلابيب الوطن وتقتل الفكر الحر وتحاول عبثاً وفي زمن العولمة ونهاية الجغرافيا ان تحجب الحقيقة ونورها الساطع ... وهي (أي الحقيقة) قمع المواطن ونهب ثروات الشعب والدولار المختلط بدماء الأبرياء والمهمشين والتجهيل عن طريق الدين الآتي من كهوف تورا بورا والغلاء الذي يطحن الفقراء حينما تشرق شمس كل يوم. والأغنياء الذين يزدادون غنىً والفقراء الذين يزدادن فقراً على فقرهم .. متلازمة الجوع والفقر والمرض الذي جعلنا نعيش في مرتبة ادنى من الإنسان (subhuman). والطغيان السياسي الذي ينتج القهر والذل كما يُنتج القمح في حقول سيبريا! فهل يا ترى يسأل اصحاب الأقلام الحرة أنفسهم كل يوم حينما يكتبون؟ أم ان ضغوطات الحياة جعلت منا ومنهم كتاباً من اجل المرتب، والكتابة في كل شئ ما عدا الخراب والدمار وعصور الإنحطاط والموت الذي يزحف كما الجراد الصحراوي وفساد الدولة وإفسادها للآخرين!! فهل حقاً نحن نكتب؟!