ذكر الأستاذ عبدالله رجب ، طيب الله ثراه، في كتابه "مذكرات أغبش" إن عزومة المراكبية هي العزومة أو الدعوة التي لا يمكن تلبيتها لأسباب عملية ، بمعنى أن المراكبية إذا كانوا يتناولن الطعام داخل مركبهم في وسط النهر أو قريبا من الشاطيء يقومون بتوجيه الدعوة للماشي على الشاطيء لمشاركتهم طعامهم وهم في مأمن من تلبية الدعوة لأن المدعو لن يستطيع الصعود إلى ظهر المركب وهي بعيدة عن "القيف" ولذلك يقال لكل عزومة غير صادقة بأنها عزومة مراكبية. لكن السيد المسئول الكبير في إحدى الولايات تطوع بتقديم دعوة أو عزومة لأساتذة وطلاب كلية في إحدى الجامعات في الخرطوم، للحضور للولاية وزيارة مرافق وزارته في الولاية والوقوف على نشاطها والتطور الكبير الذي حققته والتعرف على مختلف أوجه الحياة في الولاية بوجه عام.وكانت دعوته المؤكدة المكررة تتضمن بالطبع الاستضافة الكاملة .. سكن ومعيشة ونقل داخل الولاية، أو هكذا هيء لهم. ولأن المؤمن صديق ولأن عاصمة الولاية ليست جزيرة في وسط النهر ، ويمكن الوصول إليها بلا مشقة أو بقدر قليل منها، شد أساتذة وطلاب وطالبات الكلية الرحال إلى تلك الولاية فيما اعتبروه رحلة جامعية دراسية رسمية لا تخلو من الترفيه.عند وصولهم لم يكن هناك أحد في استقبالهم رغم علم داعيهم بموعد الوصول، فاتصلوا به هاتفيا ، فجاءهم رده فاترا متثاقلا واكتفى بإرسال مندوب عنه قادهم بدوره إلى سكن طلاب الجامعة الذي كان خاليا من السكان، ولم يكن مجهزا لإيوائهم أو إيواء أي أحد، ورغم ذلك استقرت الطالبات في سكن الطالبات واستقر الطلاب مع أساتذتهم في سكن الطلاب وانصرف المندوب، ولم يعد أبدا. حسبوا أول الأمر أنه لا بد أن يكون هناك خطأ ما، فعاودوا مهاتفة داعيهم عدة مرات عله يقوم بتصحيح الخطأ ولكن صاحب الهاتف "لا يمكن الوصول إليه" في كل مرة. لم يكن أمامهم من خيار آخر سوى محاولة "الاستعانة بصديق" فشرع الأساتذة والطلاب والطالبات الذين لديهم معارف في المدينة بالإتصال بمعارفهم، وكان كل هؤلاء المعارف من بسطاء الحال ولكنهم،أي المعارف، هبوا جميعا للنجدة بما في وسعهم واستطاعوا أن يوفروا للضيوف الأكل والشرب والنقل والكلمة الطيبة وكان لذلك أثره الطيب الذي خفف شيئا من صدمة الاستقبال المنفر لحظة الوصول. أحد من اتصلوا به هزه الحدث فهرع إلى المدينة من مقر عمله البعيد للقيام بواجب الضيافة. أمضى الضيوف ليلتهم تلك في سكنهم النائي المقفر، حتى إذا ما أصبح الصباح سارعوا بالذهاب إلى موقف البصات حيث استغلوا أول رحلة مغادرة إلى الخرطوم، ولم يفت عليهم قبل ذلك أن يطلبوا ،بكل نبل، إلى مضيفيهم ومودعيهم عدم التطرق لتلك الواقعة المخزية وستر ما حدث. وكانوا كراما وكبارا فلم يعاتبوا أحدا (مجرد عتاب)، إلي يوم الناس هذا، ولم يهاتفوا مرة أخرى ذلك المسئول الذي استدرجهم إلى تلك الولاية، ولم يهاتفهم هو الآخر. ونحن بدورنا نحتفظ باسماء المسئول والجامعة والكلية والأساتذة والطلاب والولاية والمضيفين. وكما يقولون في مصر.. "هو الدنيا جري فيها إيه؟" (عبدالله علقم) [email protected]