الفقرة الأخيرة من العنوان أعلاه شطرٌ من أغنيةٍ, تبثها الإذاعة السودانية في أعياد شرطة المرور السنوية. وهي لا شك تعبر عن الشرطة عندما كانت تمارس عملها فيما سبق من أيام, على الأقل في نظر المواطن السوداني الذي يحتك بها يومياً في حياته وسعيه. وشرطة المرور من أكثر أجهزة الدولة التي يظهر أداؤها للعيان سلباً أو إيجاباً. فأي إخفاقٍ في أدائها ولو لدقائق ينتج عنه تكدس في الشوارع. وتتوقف الحركة. وقد تكون ثمة حوادث. وفي ظل سياسات الدولة المنفتحة على العالم, وفي غياب مؤسساتٍ كالنقل الميكانيكي الذي كان يضبط استيراد المركبات بمختلف أنواعها إلى السودان, يقع عبءٌ أكبر في معالجة ما ينجم عن ذلك من خلل على شرطة المرور. والتي هي خط الدفاع الأخير في تلك المعالجة. واجتهادها ظاهرٌ ومحمود. ونتائجه جيدةٌ ولكنها مؤقتة غير إستراتيجية. وكم نشاهد في المدن الكبيرة كالعاصمة الخرطوم شرطة المرور تؤدي واجبها بتفانٍ طيلة اليوم. ولا يكاد يخلو تقاطعٌ أو مفترق شوارع أو كبري من أفرادها. تواصل الليل بالنهار, حتى لتكاد تسأل متى ينام هؤلاء؟ ولكن رغم هذا التفاني في أداء الواجب,والذي يوجب الثناء والاستحسان فهو للأسف منكر من المواطن. وهم مغضوبٌ عليهم, بنظراتٍ شزرٍ حمر. تكاد تلفظ لعناتٍ تترجمها الألسن عن القلوب المقهورة الغاضبة على جهاز شرطة المرور. وأسوق في ذلك شواهد من الوا قع السوداني : كثيراً ما يتناول أئمة المساجد في خطبهم, والمواطنين في مجالسهم, غرامة المخالفات المرورية التي تحصلها الشرطة في الشوارع, موضوعاً ويصبح غرضاً للسهام المتواترة. فيشبهون الغرامات بالجبايات و المكوس. ويصبون جام غضبهم على شرطي المرور الذي ما هو إلا منفذٌ لسياسة الحكومة وإرادتها. ويعيبون على تلك الغرامة المشروعة قانوناً فتحها باب شرٍ وجشع وفساد. إذ تجعل للشرطي المحصل نسبةً مئويةً من تلك الغرامة, مما يستدعي طمعاً في النفس يسعى لجمع أكبر قدرٍ من الغرامات حتى يزيد نصيبه منها, ولو على حساب المواطن. إذ لا رقابة في ذلك. فالشرطي هو الخصم والحكم في آنٍ معا, وبئس الوضع ذاك. وهناك عشرات الروايات عن تعنت شرطي المرور, وتشدده في الأخذ بالقانون حرفياً, للحصول على غرامة المخالفة كغاية. منها, أن أحد المواطنين أقر بالمخالفة, ولكنه لا يحمل قيمة الغرامة في ذلك الوقت. فما كان من الشرطي إلا أن أصر على الغرامة أو أخذ المركبة إلى إدارة المرور, رغم أن زوجة المواطن كانت في المركبة. ودليلٌ على سوء العلاقة بين المواطن وشرطة المرور, أنه كم من شرطي قد تضطره الظروف للوقوف على حافة الشارع العام للوصول إلى موقعٍ آخر, فلا تتوقف المركبات المارة لتقله تكرماً كما تفعل مع المواطنين عامةً. ولا يجرؤ الشرطي المسكين أن يطلب ذلك. وكم يتردد بين الناس اعتقادٌ بأن الشرطي يأكل الحرام ويغذي أولاده بالحرام !! فهذا الاعتقاد يجب الوقوف عنده, والنظر فيه بتؤدة وعمق. فالثابت أن شرطة المرور من أذرع الدولة التي تباشر بها سلطاتها في خدمة مواطنيها وتيسير حياتهم. وهي من المؤسسات التي تقوم بواجبها بكفاءةٍ وتفان. ولا غنىً عن وظيفتها لأمن وسلامة المواطن. ولكن يحجب ذلك بعض السياسات التي يجب أن تراجعها الحكومة في تحصيل غرامة المخالفة. ولا شك أن رضا المواطن عن أداء مؤسسةٍ ما, هو رضا عن الحكومة التي تقوم عليها. فليس أقل من مراجعة تلك السياسات التي تزري بهذه المؤسسة العظيمة, فتعيد لها اعتبارها ومكانها اللائق المحترم في نفس المواطن والمجتمع. فيجب أن تؤدي كل مؤسسةٍ في الدولة وظيفتها المحددة. فوزارة المالية هي القيمة على المال العام توريداً وصرفاً, وإن استخدمت وسائل متنوعة في جمع المال إلا أن صرفه لمستحقيه يجب أن يكون بواسطتها إشرافاً وضبطا. وليس بأن توكل الصرف إلى غيرها, فيكون مدعاةً إلى خللٍ يؤدي إلى فسادٍ وشرٍ مستطير كما نرى في حالة إدارة المرور. فوزارة المالية يجب أن تقوم بواجبها المباشر في صرف المال اللازم للشرطي, مرتباتٍ وحوافز وبدلات. كما يمكن الاستفادة من تجارب رائدة في دول العالم لتحصيل غرامة المخالفة المرورية, مثلما هو الحال في بعض دول الخليج التي ترجئ دفع المخالفات إلى حين الترخيص السنوي للمركبة. فترفع الحرج عن مرتكب المخالفة الذي لا يملك قيمة الغرامة حين ارتكابها, وفي ذات الوقت تضمن تحصيلها. نتمنى أن يعود عيد المرور, فنغني لشرطي المرور بإخلاصٍ وامتنان مع المغني: لابس أبيض وقلبه أبيض Mohammed Khamees [[email protected]]